حروب وجبهات وأزمات بعضها منفلتة والأخرى صامتة تتحرك بتناغم مأساوي تمسك بالبلاد والعباد ولسان الحال يقول لا مفر من فجائع مخلفاتها السوداوية على حاضر اليمن ومستقبلها. تشتعل حرب صعدة من جديد وكأنها العنوان الأسوأ لليمن للسنين الأولى للألفية الثالثة أعطت انطباعاً منذ اندلاع شرارة الحرب الأولى لها بأننا مقبلون على سنين مضطربة ملطخة بالدماء والشتات وما تكاد أن تهدئ وتصمت حتى تتفجر ثانية بطريقة أقسى وأشد بأساً، خمس حروب تلتظي بنيرانها محافظة صعدة و لا تنفك تقترب من المحافظات المجاورة وتتوسع معها القراءات الخاسرة بالأرض والإنسان بفراغات حاضر دموي وفجائع لاتنتهي تمتد بخطواتها لتبتلع أحلام المستقبل فاسحة المجال لحدوث دوامات مجنونة تفتح معها كل يوم بوابة جبهة ثائرة وبركان غاضب انفجر صمته هنا وهناك.. مع احتفال البشرية بولوج الألفية الثالثة كانت بلادنا تسير نحو أزمة اقتصادية اكتملت خطوطها وارتسمت صورتها منذ بداياتها الأولى في السنوات الخامسة الأخيرة للألفية الثانية حينما رفعت الدولة شعارات الإصلاح الاقتصادي ودخول دوامة الجرع الاقتصادية المؤلمة بدعم ومساندة أقطاب النظام الاقتصادي الجديد بدأت معها الدولة بسحب وجودها القانوني من حياة الشعب والقضاء على كل حق مكتسب للشعب وإذ بيوم وليلة يفقد الشعب اليمني معظم حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية حتى حقه بالدواء والعلاج والتعليم انتهاءً بحقه في الحياة تحت حجة الاحتكام لعدالة السوق ورحمة التجار وسخاء الدول المانحة والبنك الدولي ولم تكتمل الأيام الأخيرة للعام 2000م، إلا وأغلبية الشعب اليمني يرزح تحت خط الفقر والقلة القليلة تنعم بمكاسب الدولة ومنجزاتها والتي ختمت كحق خاص لمن اغتنموا السلطة أو تمرّغوا في تراب قربها ونعيمها، وإذ باليمن لأول مرة عبر تاريخها القديم والمعاصر تشهد احتواء الثروة والقرار والحكم والسوق لنخبة وفئة واحدة ويحرم منها بقية فئات الشعب.. بهذا المنجز المأساوي ولجت اليمن من بوابة الألفية الثالثة افتقد المواطن لحرارة الاحتفال بهذه الألفية كبقية الشعوب بعد أن ضيعت عليهم جرع الحكومة دفئ الحياة وتسللت إلى أجسادهم برودة الشتاء, وبينما كان العالم يرقص احتفالاً باليوم الأول للعام 2001م معبرين عن أمالهم وطموحاتهم المرتفعة كان اليمانيون يبكون بصمت انهيار أمانيهم وسقوط أحلامهم وضياع مكتسبات نضالهم في محطات دولتهم الموحدة والمدنية ليجدوا أنفسهم وقد تحولت من مكتسبات وحقوق إلى وبال وثبور على حياتهم بظرف خمس سنوات عجاف قلصت دور الدولة إلى مجرد حامية وراعية لحقوق التجار والبيوتات المالية وأفراد الرأسمالية المشوهة ومراكز القوى وعتاولة الفساد وكل من له صلة فقط بنخبة السلطة تاركة الغالبية من الشعب أسرى لرغبات ونزوات المصالح النخبوية دون حماية ودون أمن محرومين من العدالة الاجتماعية مطوعين لحياة أشبه بالعبودية لاحق لهم تفترسهم قانون الغاب وسطوة المال وأنياب الفساد وسياط الغلاء والجشع الربحي والمادي لفئة الرأسمالية المشوهة واكتمال سيطرة القبيلة على واجهة القرار وإسقاط الدولة في مستنقع خدمة السلطة واحتكارها وسيطرة أباطرة الفساد على مؤسساتها لتدخل اليمن عالم الصراع على السلطة بين حرسها القديم والجديد في حلية الديمقراطية المكرتنة والحزبية الكسيحة.. هذا الشكل المأساوي لأوضاع البلاد والعباد فرض سيناريوهات مأساوية مستقبلية ارتضت السلطة بالأبطئ إيلاماً وهو سيناريو تأجيل الأزمات وترحيلها وعدم المواجهة معها مباشرة والارتكان لمشاهد التقاسم الفئوية للسلطة وسياسات الترقيع والترغيب والترهيب والاحتكام فقط لقوة الفعل وتسيير الحياة بقانون القوة الذي جوبه بسيناريو مضاد للراغبين في دخول نادي السلطة والرافعين شعارات المزايدة بمعاناة الشعب الاقتصادي وانهيار أسباب معيشته الكريمة، ومع تفاعل هاذين الاتجاهين على الواقع وخلف الجدار كانت انتفاخات المرارة وبؤر الاحتقان وبراكين المعاناة من الفساد وعجز الدولة والغلاء اليومي وحرمان الحياة الآمنة الكريمة تنذر بانفجارات متتالية كإعلان نهائي للغضب الشعبي العارم من الوضع برمته, وعلى بعد سنوات أربع من بداية عمر الألفية الثالثة تفجرت صعدة, بحرب وتمرد صريح على الدولة لتعلن بعدها قرقعات الحرب بداية انفجارات غاضبة على طاقة الأصعدة وتعدد معها الجبهات والأزمات وليغرق الوطن في وحل مخلفاتها بعد أن احترقت مشاهد السياسات الترقيعية لسيناريو السلطة وتقوقعها في مصيدة خيوط الأزمات التي صنعتها يوماً ما أو تجاهلت وجودها أحايين أخرى. فأين الحكمة في كل ما وصلنا إليه؟ وهل يعلم صناع الأزمات بأنهم سيكونون من ضمن أرقام الضحايا بعد ان يغرق وطن بأكمله .. لا قدّر الله؟