ماذا تعني كلمة وطن؟ سؤال محيِّر يتردد بعدما أصبح الكثير من أبناء الوطن غرباء في وطنهم وضحايا لمشاريع الاستبداد والفساد والظلم والقهر، بعد ما فقدوا ضمان حيوية المواطنة التي تستدعي إشراكهم في صنع القرارات التي تمس حياتهم وحاجاتهم بشكل يشعرهم بالرضا عن أي تقنين أو تنظيم هم ساهموا في صنعه.. ذلك أنه من الخلل الاجتماعي أن يُطلب من المواطن دعم شيء أو تمويله وهو مبعد عن تصور ميزاته وأبعاده، فضلاً عن التمثيل فيه، فالمواطن يجب ألا ينحصر دوره في الانصياع للأوامر والقرارات، بل في التأثير فيها ومن ثم التأثر بها وتجسيدها. لقد ساد طغيان المصالح التي تفرز مجتمعاً متنافر الأجزاء، وهذا بدوره يؤدي إلى تآكل المعتقدات المشتركة، والأهداف العامة مما ينتج مجتمعاً محلياً تائهاً تتآكل الثقة وتزداد فيه فيروسات أهواء الفردية والاستبدادية والانعزالية، وذلك ما يقوض معنى المواطنة الحقة وتكون النتيجة المتوقعة لهذا الواقع المتردي هي انشغال الناس وخصوصاً شبابهم بالسعي اليائس بحثاً عن معنى للانتماء تنتهي بهم أحياناً للخضوع لأشكال من العصبيات والتطرفات الموغلة في الغربة. الانتماء للوطن يترسخ ويتعمق عندما يشعر المواطن بالعدالة، والعدالة هنا هي عدالة القانون الذي يطبق على الجميع، الكبير قبل الصغير، بصرف النظر عن اللون أو الجنس أو الوضع الاجتماعي أو المادي أو غيره. الانتماء للوطن يترسخ عندما يشعر الجميع بعدالة الفرص المتاحة أمامهم وشفافيتها، الانتماء يترسخ عندما يحصل المواطن على تعليم جيد يتماشى مع سوق العمل وفرصة عمل متاحة لمن يملك مهارات وقدرات أعلى، وليس صاحب الواسطة أو السطوة والنفوذ، الانتماء يترسخ عندما تحقق السياسات المختلفة تنمية حقيقية وشاملة ومتوازنة تعود بالنفع على جميع الشرائح، ولا تكتفي بخدمة شريحة محددة تملك المال والنفوذ، وقتها ستجد شباباً متمسكاً بأرضه ووطنه، يعمل بجد حقيقي لبناء وطن يحتويه، وقتها سوف تختفي ظاهرة الشباب الذي يلقى حتفه بأخدود الموت كما حصل في محرقة الغربة أو حزام التفجير، وغيرها، ومحاولة الهروب والتسلل غير الإنساني. كل هذا نجده في وطن.. ليس شركة لأن الشركة تبحث عن الربح فقط، أما الوطن فهو يبحث عن الإنسان.