نتفاءل كلما ظهرت على السطح مؤسسة أو جمعية خيرية لخدمة الفقراء والمساكين وتحسين دخلهم ورفع مستوى معيشتهم المتعثرة بفعل قسوة الزمان وجفاف القلوب وقلة الأمن والأمان هذه الأسر التي إن أكلت ما شبعت وإن شربت ما ارتوت وإن غسلت ما لبست... قهرها الفقر فأصبحت عاجزة بائسة تئن تحت وطأة الفقر والقهر والديون، لا يسأل عليها أحد، ويهرب من حالها كل أحد، بينما هناك في المجتمع أناس امتلأت جيوبهم وأصبحوا ينفقون مبالغ باهظة لشراء القات ودفع أعلى المبالغ للرشاوى للحصول على قطعة أرض في مصلحة عامة أو إلغاء قضية جنائية أو التقرب إلى مسئول ما في أعلى مقاعد السلطة لتحقيق مصالح خاصة، كوننا في زمان أصبحت فيه الرشوة والمحسوبية تأشيرة دخول إلى كل مكان، فالتاجر يزداد تجارة والفقير يزداد فقرا، إذ إنً التاجر أصبح قريباً من المسئول وإذا ما دعا السلطة لبت نداءه،في حين نجد الفقير يعجز عن علاج مرضه، ويقابل طلبه لأي مساعدة بالرفض أو بإعطائه مبلغاً يسيراً مع النظر إليه وكأنه يكذب للحصول على هذا المبلغ، وهذا يخرج المتصدق من دائرة صدقته ويخلعه من ثوابها لسوء ظنه.. إذن ماذا نقول إذا كان هذا حال التجار؟! أما الجمعيات الخيرية والتي توضح إعلاناتها ويافطاتها بأنها تقوم بتوزيع الصدقات للفقراء وإدخال البسمة إليهم فإننا نجد في ساحات هذه الجمعيات كثيراً ممن يجلسون طوابير كالمتسولين وهم ينتظرون استلام معوناتهم عند هذه الجمعية أو تلك، وفي النهاية يتحصلون على مبلغ زهيد، أما المتنفدون وأصحاب الجاه فتصل صدقاتهم إلى مبالغ باهظة، وهم في غنى عنها، ولذلك فإن واقعاً كهذا من المحتمل أن يصاب بوعكات أمنية وتمرد وتزداد فيه الجريمة ويزداد فيه التسول، والفقراء بدون شك سيزدادون فقرا على فقرهم وسوءاً على سوء حالتهم، أماالمتنفذون وبعض مدراء المؤسسات الخيرية فإنهم يعيشون حياة فارهة ويصبحون من رجال أعمال المجتمع، فمن أين كل ذلك من نسبة (العاملين عليها)؟! وأما أعضاء المجالس المحلية فيدخل العضو فقيراً ويخرج تاجراً والسبب أن من يصبح عضواً في المجلس المحلي لا يفكر في تحسين ورفع مستوى معيشة مجتمعه، بل يفكر في صناعة نفسه متناسياً أن الشعب انتخبه ليدافع عن حقوقه ويوفر له سبل العيش الكريم لهم فأعضاء المجالس المحلية هم من يملكون الأراضي الشاسعة بطريقة شرعية أو بطريقة غير شرعية، ويمتلكون السيارات الفارهة، وهم أكثر الناس بعداً عن المجتمع بل يتعمدون في المماطلة بكثير من قضايا المواطنين ونادرا ما يعقدون الاجتماعات مع الناس لمعرفة همومهم. هذا كل ما عرضناه ليس مخالفاً للواقع بل هو الواقع بعينه، ولكن علينا وفي ظل الظروف التي تعيشها البلاد من أزمات مالية أو أزمات سياسية، نوجه النداء لأهل الحل والعقد في المجتمع و المحافظين ومدراء عموم وأمناء المجالس المحلية بالمديريات والمحافظات ورجال المال والأعمال بأن عليهم إعادة صياغة فكرهم ويضعون الوطن فوق أعناقهم فإن الوطن لا يعيش أزمة، بل إن تردي الأوضاع المعيشية هو الذي صنع الأزمة، وأن يعيدوا النظر في سياسة إدارة البلاد ومكافحة الفساد والمحسوبية، والتوزيع العادل للأراضي والوظائف، وأن يجعلوا المواطن يحس بقيمته كإنسان ينتمي لوطنه ويحبه، وعليه أن يدافع عن هذا الوطن وأن لا يشعر بأن الوطن ملك لأشخاص معينين هم من بيدهم السيطرة، وعلىا الفقراء والمحتاجين والمظلومين والمضطهدين أن لا ييأسوا من واقعهم، فالتغيير مطلوب والأمل في الله كبير، إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير .