ينتاب العقلاء في هذه البلاد المنكوبة بالتهابات أزماتها المستحكمة، شعور متعمق بالإحباط والعجز، بعد أن أصبحوا كالنافخين في (قرب مثقوبة)، حيث توصد الأبواب أمام دعواتهم المخلصة ومبادراتهم الخيرة التي ينشدون من خلالها الخير والسلامة والصلاح والوئام والفلاح للوطن وأبنائه، بينما يظل جنون التأزيم والتوتير وإذكاء الصراعات وتفجيرها، هو الحاضر بقوة وبسطوة، على نحو ساق البلاد والعباد إلى حافة هاوية مدمرة . لقد دفعت اليمن طوال الخمسين عاما الفارطة أثماناً باهظة، وخسائر فادحة، نتيجة لتسيد فاعليات الذهنيات الإقصائية وهوس إدارة الوطن بالأزمات وإعادة إنتاج الأزمات، وهي فاعلية ظلت تنصب المشانق للعقلاء والناصحين، وتطارد الحكماء، وتحاكم الوسطيين، ومن المؤلم أن الكثير من فعاليات البلاد وقواها ورجالها والقائمين بأمورها، لم يتعظوا من متوالية المآسي والنكبات التي محقت الوطن وأبنائه على مدار العقود الزمنية الماضية، فهانحن نقف على شفير الهاوية، وتوشك محارق العنف والتشظي والتناحر أن تداهمنا فلا تبقي لنا وجودا ، ولاتذر لنا استقراراً ولا طمأنة، بينما يظل فعل التأجيج وإدماء الجراح وتعميق التصدعات، هو الأطغى والأشد حضوراً، حيث يتواصل الاتكاء على قوة السلاح وترسانته وجاهزية الأجهزة القامعة واقتدارها على البطش والتنكيل والإخراس، بصفتها الوسيلة الأنجع للمعالجة، وليست الأداة الأفتك للتسريع بوتائر الانهيارات، حتى باتت البلاد اليوم مسحوقة ب (رحى) تطرفين راعيين، يكمن أولهما في من تأخذهم العزة بالإثم فيمعنون في تكريس الأوضاع القائمة بكل اختلالاتها ومفاسدها، ويرفضون أي تحرك جدي باتجاه الإصلاحات الوطنية الحقيقية والجذرية، بينما يتمثل ثانيهما الذي أنتجه التطرف الأول ، في السادرين في الدعوة ل ( هد المعبد )، من خلال اعتماد توجهات تلتمس الحلول التغييرية في ثنايا التفتيت والتمزيق . تبدو الحاجة شديدة – والحال كذلك – لوضع حد قاطع لكل هذا الجنون السارح بالبلاد إلى مجاهل (الصوملة)، من خلال تفعيل دعوات العقلاء ومبادراتهم الثرية التي ترسم سبل النجاة والعزة للوطن إنساناً وأرضاً، فدون ذلك لن يتأتّى تفادي كارثة وشيكة تتهددنا جميعاً، لن تقوم بعدها لنا قائمة . ولله الأمر من قبل ومن بعد ..