كان الحادي عشر من شهر سبتمبر 2001م برزخا بين عالمين عالم رسم خارطة جديدة وأزاح أخرى ونزع أقطابا برمتها ووضع حلفا جديدا.. برزخ سقطت فيه دول وتغيرت حكومات ودمرت عواصم وأبيدت مدن بأكملها.. تحت مسمى "الحرب على الإرهاب"، وشعار يقول "من لم يكن معنا فهو ضدنا!". عندما تم تفجير برجي مركز التجارة العالمي وجزء من مبنى البنتاغون في الولاياتالمتحدةالأمريكية في مثل هذا اليوم ال11 من سبتمبر عام 2001، اتهمت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش، الذي كان صاعدا لتوه لكرسي الرئاسة، تنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن بالوقوف وراء الهجوم، واتخذت بناء على ذلك قرار الرد الفوري وحركت آلتها العسكرية إلى أفغانستان لتطيح بحكومة طالبان وتنشئ وضعا جديدا بالكامل، لازالت تفاصيله لم تكتمل بعد. وأتبعت ذلك بغزو العراق بذريعة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل وخوض الحروب الاستباقية ضد الإرهاب، وخاضت معارك عسكرية ضارية لا تزال رحاها تدور حتى يومنا هذا في أفغانستان والعراق، أما المعارك السياسية فهي قائمة على قدم وساق في أروقة منظمة الأممالمتحدة ومجلس الأمن التابع لها. مرت خمس سنوات على ذلك الحدث، لكن نتائجه لازالت تخيم على مختلف أنحاء العالم والإسلامي والعربي منه على وجه الخصوص، الذي أصبح مسرحا لهذه الحرب ومخبرا لتجريب سياسات الحرب الجديدة، بكل ما تحمله من جدة وعنف، سجلته تقارير منظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات الحقوقية الأخرى، قبل أن ينطق به الرئيس الأمريكي بوش قبل أيام، حين اعترف وأقر وبرر للسجون السرية ولأساليب التعذيب المتبعة فيها للحصول على المعلومة. في هذا التقرير وبمناسبة الذكرى الخامسة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر أثارت تلك الأحداث على العالم، ومستقبل المنطقة العربية في ظل المشاريع الجديدة التي أنتجها الحادي عشر من سبتمبر 2001. أغراض لا ترقى إلى مستوى القيم .. عربيا اعتبر الدكتور عبد الله الغذامي الكاتب والأكاديمي السعودي في تصريحات خاصة لوكالة قدس برس أن "أقصى وأخطر ما في الأمر هو دخول أمريكا إلى المنطقة تحت عنوان الشرق الأوسط الكبير، أو العنوان الرديف "الشرق الأوسط الجديد". وركز الغذامي على ما سماه "بالإنسان العربي البسيط على وجه التحديد لأنه هو الذي يعلم بحدسه من جهة، وبتجاربه المتجددة دوما من جهة ثانية يعلم أن أمريكا لم تصدق في أي وعد من وعودها على مدى نصف قرن على الأقل". ويدلل الأكاديمي والأستاذ الجامعي، الذي برز اسمه في الدراسات النقدية الألسنية،على ذلك قائلا: "إن أمريكا هي نفسها التي قضت على التجربة الديمقراطية في تشيلي وحاربت شافيز الديمقراطي في فنزويلا ودبرت انقلابا عليه، وهي التي تجاهلت حقوق الإنسان بأبو غريب وغوانتنامو، وهي التي تحاسب الدول الإسلامية حتى على أنفاسها، بينما تسكت عن إسرائيل، وهي التي استخدمت الفيتو عشرات المرات لمصلحة إسرائيل وضد العرب. هذا وحده يمثل صورة ونموذجا سلبيا لا يجعل من أي عربي يصدق أن أمريكا تريد له الديمقراطية"، على حد تعبيره . من جهته عبر الدكتور أحمد بن نعمان الكاتب والباحث الجزائري عن السبب الذي يحول بالسماح بتجربة ديمقراطية حقيقية في العالم العربي: "إن الغرب وحلفاءه من الحكومات العربية عازمون على أن لا يروا للديمقراطية الحقيقية أثرا في العالمين العربي والإسلامي لأن وجودها يعني خروجهم المطلق من رقعة سايكس بيكو السياسي، الذي صنعوه ولازالوا يرعونه إلى هذه اللحظة، بسايكس بيكو الثقافي الذي لم ولن ينجح على الرغم من عدم وجود الديمقراطية، لأنه لو طبقت الديمقراطية لكان مصيرهم مصير الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس بعد عام 1492م". دائرة مفرغة .. فكرة الإرهاب الذي يخلق إرهابا من نوع آخر، هو نفسه ما ذهب إليه الدكتور عبد الله الغذامي الذي قال: "إن أمريكا نفسها تحولت إلى قوة إرهابية في مواجهة الإرهاب، وهذه دائرة مفرغة لا تقدم حلا نموذجيا من دولة يفترض أنها متحضرة ورائدة ولكن حضارتها وريادتها لم ينلنا منها سوى القنابل على بغداد والسجون السرية في كل أنحاء العالم مع تجاهل تام لكل قضايا حقوق الإنسان". ومع اعتراف الغذامي، بأن العالم العربي مليء بالمشاكل والقضايا، لكنه أصر على أن أمريكا لن تكون الحل لهذه المشاكل وقال: "إن مشاكلنا كثيرة وكبيرة وعويصة ولكن أمريكا ليست هي من سيخلصنا من هذه المشاكل، بل إنها في كثير من الأحيان هي السبب في مشاكلنا وهي مسؤولة أخلاقيا وتاريخيا عن ذلك". حرب لنشر الفوضى .. وانتقد الدكتور أحمد بن نعمان، ما آلت إليه الحرب الأمريكية على الإرهاب، وقال: "إن الحرب التي تقودها الولاياتالمتحدةالأمريكية لم تحقق ما كان قد قال قادتها من أنها حرب ضد الإرهاب، ولم تنشر الأمن والرفاه في المناطق التي بدأت فيها بل نشرت الإرهاب والفوضى، حتى أنك لو سألت مواطنا عراقيا لوجدته يحن إلى أيام صدام حسين على ما كان فيها من استبداد ولو سألت أفغانيا لحن لطالبان، بعدما عز الأمن وتلاشت وعود التنمية والرفاه". أما عبد الكريم بنعتيق أمين عام الحزب العمالي المغربي فيؤكد أن الحرب الدولية على الإرهاب قد خسرت الكثير من أنصارها في العالم عامة، وليس في العالم العربي وحده. وقال " الحرب الأمريكية على الإرهاب أخذت أبعادا أخرى مغايرة للمنطلقات الكونية التي كانت مساندة لأمريكا، فيما تعرضت له يوم 11 أيلول عام 2001. وقد كانت أمريكا تحظى بالتفاف كبير أما أعداؤها فكانوا تيارات معزولة استطاعت اختراق أكبر دولة وهو أمر عادي. لكن التصرف الأمريكي خلال السنوات الخمس المنصرمة جعل العالم كله يبتعد عن أمريكا باستثناء بريطانيا". الى ذلك أظهر استطلاع للرأى فى الولاياتالمتحدة أن 56 فى المائة من الامريكيين يرون أن احداث الحادى عشر من سبتمبر عام 2001 تركت آثارا أكبر من الهجوم اليابانى على ميناء بيل هاربر الأمريكى عام 1941 ابان الحرب العالمية الثانية فى حين اعتقد 33 فى المائة عكس ذلك. ويأتى هذا الاستطلاع الذي جرى لحساب جامعة كويني بايك فى كاليفورنيا مع الذكرى الخامسة على أحداث الحادى عشر من سبتمبر التى راح ضحيتها ثلاثة آلاف شخص .. فيما راح ضحية الهجوم اليابانى 2400 شخص. هذا وقد أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي جورج بوش سيلقي خطابا تلفزيونيا في وقت ذروة المشاهدة مساء اليوم الاثنين بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة لهجمات 11 سبتمبر. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض توني سنو إن الخطاب سيعكس "ما يعنيه 11 سبتمبر لبلادنا واين كنا منذ 11 سبتمبر وكيف نمضي سويا". وسيأتي الخطاب التلفزيوني الذي من المتوقع أن يستمر ما بين 16 و18 دقيقة في أوج سلسلة من الخطابات التي ألقاها بوش للإصرار على أن الولاياتالمتحدة أصبحت اكثر أمنا بعد الهجمات التي استخدمت فيها طائرات مخطوفة وأسفرت عن مقتل 3000 شخص وان كانت لا تزال تواجه تهديدا من تنظيم القاعدة. ورغم أن سنو أكد أن الخطاب ليست له أي أهداف سياسية إلا أن بوش يحاول حصر النقاش في عام انتخابات التجديد النصفي للكونجرس حول قضية الأمن القومي من اجل تحقيق مكاسب سياسية. ويكافح الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه الرئيس لإبقاء سيطرته على الكونجرس من خلال الانتخابات التي ستجرى في نوفمبر المقبل. وقال سنو "لن يكون خطابا سياسيا. لن يطالب الكونجرس باتخاذ أي إجراءات لكنه سيعكس بدلا من ذلك تاريخا لن ننساه أبدا." وقال إن الخطاب "سيعبر عن التفاؤل وفي نفس الوقت عن عدم التفريط بشأن ما حققناه."وسيغطي الخطاب جميع الأنشطة التي سيقوم بها بوش في الذكرى السنوية الخامسة لهجمات 11 سبتمبر التي تعد اكثر الحوادث المأساوية في فترة رئاسته.