برزت في محافظة حجة خلال السنوات الأخيرة عدد من المشاكل المائية المرتبطة في غالبيتها بالحفر العشوائي للآبار والاستنزاف الجائر لسقي المزروعات خاصة القات. هذا الاستنزاف للمياه بات يهدد الأحواض ومصادر المياه وينافس المواطنين على نقطة الماء التي يشربونها ويستخدمونها لأغراضهم المنزلية بمديريات المحافظة سواء الجبلية أو الساحلية. وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) نزلت إلى مدينة حجة وعدد من المديريات بالمحافظة للوقوف على هذه المشاكل التي باتت تدق ناقوس الخطر، والتقت بعدد من المعنيين والمواطنين لمعرفة الكثير من الأبعاد والمخاطر التي باتت تهدد الثروة المائية بالمحافظة لتخرج بالحصيلة التالية: البداية كانت من مدينة حجة مركز المحافظة التي يشتكي ساكنيها من نقص إمدادات المياه، حيث صارت لا تصل إليهم إلا كل 8 إلى 10 أيام؛ بعد أن كانت تصلهم يوميا في سيناريو يتكرر كل عام خاصة خلال فصل الجفاف، الذي يبدأ في شهر أكتوبر. نقص إمدادات المياه للمدينة يرجع إلى مشاكل في وادي شرس شرق المدينة، الذي يعتبر المصدر الرئيس لتزويدها بالماء من الآبار التي تديرها المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي بالمحافظة وتبعد عن الخزان الرئيس لمحطة إمدادات المياه الواقع أعلى المدينة قرب قلعة القاهرة مسافة 10 كيلو مترات. وبحسب نائب مدير المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي بالمحافظة المهندس خالد حٌميد فان المشاكل تتضمن نقص مناسيب المياه في آبار التغذية بالمنطقة بسبب الحفر العشوائي للآبار في منطقة حرم آبار المؤسسة وعلى مسافات قريبة منها من قبل المواطنين واستنزاف المياه عن طريق بيعها يوميا لأصحاب "الوايتات" التي يصل عددها إلى أكثر من 200وايت يوميا قبل عملية المنع التي طبقتها قيادة المحافظة خلال الأسابيع القليلة الماضية، وتستخدم هذه الوايتات في ري مزارع القات بمديريتي كحلان عفار ومبين التي تعاني آبارهما من النضوب بسبب الجفاف والسحب الجائر لري أشجار القات. ويضيف: ليست هذه المشكلة الوحيدة التي تتسبب في نقص إمدادات المياه إلى مدينة حجة، فهناك مشكلة أخرى تتمثل في قيام المواطنين في المنطقة بمنع المؤسسة من حفر آبار جديدة لتغطية النقص في الإمدادات بذريعة أن مياه الوادي ملكهم، وهم الأولى بالاستفادة منها بالرغم من أن المؤسسة قامت بتوصيل إمدادات مياه الشرب إلى مناطقهم. وترتب عن هذا المنع تعثر مشاريع المؤسسة وزيادة التكلفة وتوقف المقاولين بل وصلت الأمور إلى التهديد ومحاولة الاعتداء على مهندسي المؤسسة وإطلاق النار عليهم وعلى المحطة لينتهي كل ذلك إلى قضايا تنظر حاليا أمام النيابة العامة والسلطة المحلية على حد قول نائب مدير المؤسسة. ويشير إحصاء صادر عن المؤسسة المحلية بالمحافظة إلى انخفاض مناسيب المياه في الآبار حاليا بنسبة تقدر ما بين 30 إلى 40 % ما أدى إلى انخفاض إنتاجيتها إلى ألفي متر مكعب في اليوم مقارنة مع ما بين 3000 إلى 3400 متر مكعب قبل فصل الجفاف. ويحذر عدد من المختصين من تفاقم المشكلة سواء في المستقبل القريب خلال فصل الصيف الذي يتطلب توفير كميات كبيرة من المياه خاصة مع تأخر موسم سقوط الأمطار أو المستقبل البعيد المتمثل في التوسع العمراني الكبير الذي تشهده المدينة وزيادة عدد المستفيدين من المياه البالغ عددهم حاليا أكثر من 60 ألف نسمة ما يتطلب وجود معالجات دائمة وجذرية خاصة أن المياه الموجودة في وادي شرس هي مياه سطحية توجد على أعماق قريبة وتعتمد في تغذيتها على الأمطار إلى تؤثر كمياتها سواء بالزيادة أو النقصان. ومن هذه المعالجات التي يجب اتخاذها كما يقول المدير الفني بالمؤسسة المحلية المهندس يحيى الثلايا التوسع في إنشاء السدود والحواجز المائية والخزانات المغذية للمياه السطحية والاهتمام بتوعية المواطنين بأهمية الحفاظ على المياه واستغلالها الاستغلال الأمثل بعيدا عن إهدارها عشوائيا في ري القات سواء في المنطقة نفسها أو المديريات الجبلية التي تجلب إليها المياه عن طريق الوايتات. ويؤكد نائب مدير المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي خالد حٌميد أن المعالجات يجب ألا تقتصر على ما سبق ذكره فقط بل يجب أن تشمل جوانب أخرى مثل إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في الزراعة ومنع حفر أي آبار في منطقة حرم آبار المؤسسة، وإشراك جميع الجهات المعنية من سلطة محلية وجهات أمنية ومكتب الزراعة والري والوحدة التنفيذية وهيئة مشاريع الريف في إيجاد حل لمشكلة المياه. ويضيف حُميد: إن قيادة المحافظة قامت بتشكيل لجنة تنسيقية من عدد من الجهات المعنية بالموضوع لإيجاد معالجات للحفاظ على مصادر المياه سواء المستخدمة في الزراعة أو الشرب وحل جميع المشاكل مع المواطنين بشكل دائم خاصة التي لها علاقة بالحوض المائي في شرس. وفي مديرية عبس الصورة أكثر قتامة خاصة في منطقة "الجر" التي تشتهر بمزارعها الكبيرة خاصة مزارع المانجو التي استنزفت في فترات سابقة كميات كبيرة من المياه بسبب استخدام وسائل الري التقليدية القائمة على الغمر الذي أدى إلى التملح في المزارع وانخفاض مناسيب المياه. وفي هذا الخصوص يقول مدير المشاريع بالمؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي بالمحافظة أمين المغلس: إن ذلك التملح بدأ يؤثر على بعض أشجار المانجو، والتي تسمى بالشجرة "المدللة" نظرا لأنها تحتاج لكميات كبيرة من المياه، وأي ملوحة خفيفة يمكن أن تقضي عليها. كما ظهر الحفر العشوائي للآبار بمنطقة الربوع في مديرية عبس نهاية العام الماضي نتيجة تأثر المياه في مديريات المحابشة والشرفين بزراعة القات ما أدى إلى شحتها، وبالتالي اتجاه مزارعي القات في هذه المديريات لاستنزاف المياه في شفر وعبس خاصة في منطقة الربوع عن طريق شراء أراضي هناك بأثمان مرتفعة وحفر آبار فيها، ومن ثم نقل المياه منها إلى مزارع القات في مناطقهم الجبلية عن طريق الوايتات في ظل غياب القوانين واللوائح المنظمة لاستخراج المياه من باطن الأرض. ويذكر إبراهيم عبدالله احد مواطني المنطقة بهذا الشأن أنه تم إحصاء عدد كبير من الآبار منها 12 بئر تم حفرها خلال أسبوعين فقط في المنطقة، وأن المواطنين والسلطة المحلية لم يستشعروا بخطورة الموضوع علي مياههم الجوفية إلا مؤخرا ما أدى إلى نشوب صراع بينهم ومزارعي القات انتهى بتدخل السلطات المحلية والأمنية التي تقوم حاليا بوضع نقاط أمنية خففت من دخول وايتات نقل المياه إلى المنطقة. وقد أدى استنزاف المياه في مديرية عبس إلى تأثر مشاريع مياه الشرب سواء في مدينة عبس التي تغذى من قبل فرع المؤسسة المحلية أو مشاريع مياه الريف خارج المدينة. ويقول مدير فرع الهيئة العامة لمشاريع مياه الريف بحجة المهندس عدنان مزاحم: إنه يمكن الاستدلال على هذا التأثير من خلال مشروع الرباط الدومة الواقع غرب مدينة عبس الذي حصل فيه انخفاض في منسوب المياه لا يقل 20 متر خلال سنتين ما اضطر فرع الهيئة إلى البحث عن مصدر بديل للمشروع. ويضيف: إن التأثير موجود في المناطق الشرقية من مديرية عبس التي تعتبر قليلة المياه بالتراكيب الجيولوجية ويتضح ذلك من خلال الآبار المحفورة للشرب في منطقة المحرقة وبني مصفه وعزلة الوسط وكذلك المناطق الغربية التي تزداد مياهها باتجاه البحر. أما مشاريع فرع المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي في عبس فيتضح تأثير الحفر العشوائي واستنزاف المياه عليها بحسب مدير الفرع رسوان الإرياني من خلال خروج أحد آبار الفرع الثلاث حاليا عن الخدمة مؤقتا إلى أن يتم تعميقها بعد أن قلت إنتاجيتها من المياه إلى 3 لترات في الثانية. ويقدر انخفاض منسوب المياه السنوي بسبب الاستنزاف في منطقة آبار فرع المؤسسة بأكثر من 60 إلى 70 سم سنويا، والذي يتطلب التعميق المستمر للآبار ما حدا بالفرع إلى اتخاذ إجراءات جديدة لتعزيز مصدر مياه مدينة عبس منها حفر آبار جديدة تم الانتهاء من واحدة تقدر إنتاجيتها الأولية ب14 لتر في الثانية وبعمق 120 متر بعد أن كانت أعماق الآبار السابقة فوق 60 مترا فقط على حد قول مدير فرع المؤسسة المحلية. وهناك أشياء مهمة قد تفاقم من المشكلة في مديرية عبس كما يفيد منسق هيئة الموارد المائية بمحافظة حجة جمال الدوة منها قيام أصحاب المنطقة، وخاصة في الجر بشراء حفارات خاصة بهم دون تراخيص ما يعني زيادة عملية الحفر التي ستعمق من مشكلة استنزاف المياه. ويؤكد الدوة أن من أهم المعالجات للمشكلة في عبس عملية ضبط الحفارات في المديريات؛ لأنها تتحرك بدون أي رقابة أو تنظيم وتقوم بالحفر بدون تراخيص، بالإضافة إلى قيام كل جهة بدورها في هذا الجانب خاصة الأمن والسلطة المحلية وذلك بحسب قانون المياه. ويبيّن أن عملية ضبط الحفارات في مديرية عبس هي الحل الرئيس لوقف الحفر العشوائي في أكثر من مديرية لان هذه الحفارات لا تستطيع الانتقال إلى أي مديرية إلا عن طريق عبس. كما أن مديريات خيران والمحرق واسلم وكعيدنة وبقية المديريات التي تقع بجانبها طالها الاستنزاف الجائر للمياه من خلال قيام المواطنين بحفر آبار جديدة، إلى جانب الآبار القديمة وبيع المياه لأصحاب مزارع القات من مديريات المحابشة والشرفين خاصة بعد منع الوايتات من دخول منطقة الجر بمديرية عبس. وفي هذا الصدد يقول عضو المجلس المحلي بمحافظة حجة عن مديرية خيران عبده الحملي: إن الحفر العشوائي بات يهدد المخزون المائي في هذه المديريات؛ لأن المصلحة الخاصة طغت على المصلحة العامة لدى البعض، الذين يقومون ببيع المياه لري القات دون اعتبار لأولئك المواطنين الذين لا يحصلون على شربة الماء إلا بمشقة بالغة في هذه المناطق. وخلال المرور بهذه المديريات يستغرب المرء من التجمعات الكبيرة لناقلات المياه أو الوايتات التي تسحب المياه على طول الطريق، والتي يقدر عددها بأكثر من 500 وايت حسب ما ذكره الحملي. ويضيف: إنه بالرغم من الرسائل المتعددة للجهات المعنية والتنفيذية والمحلية داخل المديريات بالتدخل لوقف الحفر العشوائي، وإلزام المواطنين بعدم بيع الماء للقات إلا أنه لا توجد أي استجابة. وفي الاخير فإن مشكلة المياه بمحافظة حجة تتطلب تكاتف الجهود الرسمية والشعبية لإيجاد الحلول السريعة باعتبارها تتصل بشيء مهم تعتمد عليه حياة الإنسان، وهو الماء قبل أن يأتي اليوم الذي تتفاقم فيه المشكلة وتصبح عصية على الحل، وتنضم محافظة حجة إلى المحافظات التي وصلت أحواضها المائية لمرحلة حرجة مثل صنعاء وتعز.