رغم ما تردد من تسريبات حول مساعي التهدئة من الجانب الإسرائيلي فقد اتسع نطاق التوتر الذي تشهده العلاقات التركية الإسرائيلية بسبب الهجوم الأخيرة على أسطول الحرية التضامني مع أهالي غزة . ولعل ابرز ردود الفعل التي وردت واكثرها حدة الهجوم الذي شنه رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان على اسرائيل حيث اتهمها بممارسة الارهاب وبانها "دولة لا انسانية" ليضيف على هذه الاوصاف تهمة ارتكاب "مجزرة دموية"." حلفاء الامس.. اعداء اليوم" هكذا يمكن وصف العلاقات التركية-الاسرائيلية الحالية وما يزيد من صعوبة إصلاح ذات البين في العلاقات بين البلدين هو الهجوم الحاد الذي شنه رئيس الوزراء التركي ووزير خارجيته احمد داود اوغلو على تل ابيب ووابل الانتقادات العنيفة وغير المسبوقة التي امطرا بها الحكومة الاسرائيلية. ويرى محللون ان العلاقات التركية-الاسرائيلية التي ارتقت لوقت طويل الى مستوى التحالف الاستراتيجي والتي تضمنت عقود تسلح وتبادل معلومات ومناورات عسكرية مشتركة لن تعود الى سابق عهدها لان البلدين قطعا جسور التعاون بينهما. فقد استدعت السلطات التركية السفير الاسرائيلي غابي ليفي منذ اليوم الاول للهجوم حيث تفاعلت هذه القضية بشكل تجاوز نطاق صلاحيات الخارجية التركية منتقلا الى رئاسة الوزراء التركية التي انتقد رئيسها رجب طيب اردوغان بنبرة حادة الاعتداء الاسرائيلي الذي استهدف السفن التي كانت تحمل المدنيين والمساعدات الانسانية . كما شدد اردوغان على أن المبررات الاسرائيلية للهجوم على أسطول الحرية غير كافية وقرار الأممالمتحدة ليس كافيا.. داعيا المجتمع الدولي بالتدخل لايقاف اسرائيل وأنه على تل ابيب تحمل مسؤوليتها ودفع ثمن ما قامت به. ولم يكتف اردوغان بل حذر من تحدي تركيا أو اختبار صبرها أو فقدان صداقتها بقوله " اذا أردتم تركيا عدوة فانها ستكون عنيفة وقاسية " هذه الكلمات اصبحت حديث الشارع التركي الذي يرى ان اردوغان عبر باختصار عما يجيش في نفوس الأتراك من غضب ازاء جرائم اسرائيل ضد أناس أبرياء. كلمة اردوغان النارية التقت مع تصريحات زعماء المعارضة التركية لتكشف عن موقف الأطراف السياسية في تركيا التي تستغرب استمرار الصمت الدولي على المجازر الاسرائيلية بحق الأبرياء. ومن جانبه قال وزير التجارة الخارجية التركي ظافر جاغلايان ان تخفيض مستوى العلاقات التجارية مع اسرائيل قد يكون من بين خيارات الرد التركي على الاعتداء الاسرائيلي الدموي على اسطول الحرية. واضاف جاغلايان في تصريح للصحفيين ان "السلوك غير الانساني وارهاب الدولة الذي مارسته اسرائيل قد ينجم عنه خفض حجم التبادل التجاري مهما كان حجم هذا التبادل عاليا" بسبب فداحة الفعل الاسرائيلي. وعلى الجانب الاخر تواصل اسرائيل تحديها للتهديدات التركية فقد اعربت مصادر سياسية اسرائيلية عن خشيتها من ان تضطر اسرائيل الى التخلي عن تحالفها الاستراتيجي مع تركيا. ونقلت الاذاعة الاسرائيلية العامة عن المصادر التي وصفتها ب"الكبيرة والمسؤولة" قولها ان "العلاقات المدنية والعسكرية مع تركيا لن تعود كما يبدو الى سابق عهدها". كما اعربت المصادر عن الخشية من مصير بعض الصفقات الامنية التي عقدتها اسرائيل مع تركيا بما في ذلك تزويد سلاح الجو التركي بمنظومات استخبارية متقدمة لمقاتلات من طراز (اف 16) بصفقة يقدر ثمنها بحوالي 140 مليون دولار اميركي. ويرى المحللون فى انقرة ان تدهور العلاقات التركية الاسرائيلية سيترتب عليه المزيد من التداعيات على حسابات الفرص والمخاطر بالنسبة لكلا البلدين ..فأنقرة ستواجه مخاطر انقطاع التعاون العسكري الأمني مع اسرائيل ولكن بالنسبة لتل أبيب فان مواجهاتها لمخاطر انقطاع التعاون العسكري الأمني مع تركيا لن يترتب عليه خسائر كبيرة كما هو الحال مع تركيا. وأضافوا أن تداعيات الخسائر الاسرائيلية لن تقتصر على المجال السياسي والدبلوماسي فقط بل ستنقل الى شركات المجمع الصناعي العسكري الاسرائيلي المرتبط بالمجمع العسكري الصناعي الأميركي. وبرغم مساعي تل أبيب الحثيثة لاحتواء تدهور العلاقات التركية الاسرائيلية بسبب ردود أفعال تركيا ازاء عملية أسطول الحرية فان الاسرائيليين لن ينسوا أو يتجاهلوا موقف رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ازاء تل أبيب وعلى وجه الخصوص انتقاداته اللاذعة للاسرائييلين. وعن مستقبل العلاقات بين أنقرة وتل أبيب توقع المراقبون السياسيون الأتراك أن هذه العلاقات ستتجه "نحو الأسوأ".. مبررين ذلك بالموقف المتشدد من الحكومة الاسرائيلية من قافلة أسطول الحرية. في حين ما زالت حالة الاستنفار الشعبي تهيمن على الأجواء في تركيا حيث تواصلت المظاهرات والاعتصامات الحاشدة أمام القنصلية الاسرائيلية في اسطنبول حيث سجلت المظاهرات في محافظات جنوب شرق تركيا المستوى الأقوى اذ عبرت عن الغضب والسخط على اسرائيل مع توقع أن تكون الأيام المقبلة حاسمة في تحديد وجهة هذا التصعيد ودرجته.