استشهاد امرأة وطفلها بقصف مرتزقة العدوان في الحديدة    الحكومة: الحوثيون دمّروا الطائرات عمدًا بعد رفضهم نقلها إلى مطار آمن    مجزرة مروعة.. 25 شهيدًا بقصف مطعم وسوق شعبي بمدينة غزة    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الحاج علي الأهدل    صنعاء تكشف قرب إعادة تشغيل مطار صنعاء    وزير النقل : نعمل على إعادة جاهزية مطار صنعاء وميناء الحديدة    بيان مهم للقوات المسلحة عن عدد من العمليات العسكرية    سيول الأمطار تغمر مدرسة وعددًا من المنازل في مدينة إب    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    الاتحاد الأوروبي يجدد دعوته لرفع الحصار عن قطاع غزة    الصاروخ PL-15 كل ما تريد معرفته عن هدية التنين الصيني لباكستان    صنعاء .. هيئة التأمينات والمعاشات تعلن صرف النصف الأول من معاش فبراير 2021 للمتقاعدين المدنيين    وزير الشباب والقائم بأعمال محافظة تعز يتفقدان أنشطة الدورات الصيفية    الزمالك المصري يفسخ عقد مدربه البرتغالي بيسيرو    لجنة الدمج برئاسة الرهوي تستعرض نتائج أعمال اللجان الفنية القطاعية    إصلاح المهرة يدعو لاتخاذ إجراءات فورية لمعالجة أزمة الكهرباء بالمحافظة    فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض رسوم جمركية على بوينغ    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    صنعاء .. الصحة تعلن حصيلة جديدة لضحايا استهداف الغارات على ثلاث محافظات    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    الجنوب.. معاناة إنسانية في ظل ازمة اقتصادية وهروب المسئولين    قيادي في "أنصار الله" يوضح حقيقة تصريحات ترامب حول وقف إطلاق النار في اليمن    اليوم انطلاق منافسات الدوري العام لأندية الدرجة الثانية لكرة السلة    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الاربعاء 7 مايو/آيار2025    دوري أبطال أوروبا: إنتر يطيح ببرشلونة ويطير إلى النهائي    عشرات القتلى والجرحى بقصف متبادل وباكستان تعلن إسقاط 5 مقاتلات هندية    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    مكون التغيير والتحرير يعمل على تفعيل لجانه في حضرموت    إقالة بن مبارك تستوجب دستوريا تشكيل حكومة جديدة    بذكريات سيميوني.. رونالدو يضع بنزيما في دائرة الانتقام    لماذا ارتكب نتنياهو خطيئة العُمر بإرسالِ طائراته لقصف اليمن؟ وكيف سيكون الرّد اليمنيّ الوشيك؟    تتويج فريق الأهلي ببطولة الدوري السعودي للمحترفين الإلكتروني eSPL    في الدوري السعودي:"كلاسيكو" مفترق طرق يجمع النصر والاتحاد .. والرائد "يتربص" بالهلال    وزير التعليم العالي يدشّن التطبيق المهني للدورات التدريبية لمشروع التمكين المهني في ساحل حضرموت    طالبات هندسة بجامعة صنعاء يبتكرن آلة انتاج مذهلة ..(صورة)    بين البصر والبصيرة… مأساة وطن..!!    التكتل الوطني: القصف الإسرائيلي على اليمن انتهاك للسيادة والحوثي شريك في الخراب    بامحيمود: نؤيد المطالب المشروعة لأبناء حضرموت ونرفض أي مشاريع خارجة عن الثوابت    الرئيس المشاط: هذا ما ابلغنا به الامريكي؟ ما سيحدث ب «زيارة ترامب»!    النفط يرتفع أكثر من 1 بالمائة رغم المخاوف بشأن فائض المعروض    الوزير الزعوري: الحرب تسببت في انهيار العملة وتدهور الخدمات.. والحل يبدأ بفك الارتباط الاقتصادي بين صنعاء وعدن    إنتر ميلان يحشد جماهيره ونجومه السابقين بمواجهة برشلونة    أكاديميي جامعات جنوب يطالبون التحالف بالضغط لصرف رواتبهم وتحسين معيشتهم    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نور باعباد (5) وأخيرة ل النصف الآخر: أحب الناس وأتعاطف مع قضاياهم
نشر في سبأنت يوم 19 - 07 - 2010

صنعاء – سبأنت: حاور الشخصيات وأعد المواد للنشر:صادق ناشر
في حياة كل فرد منا شخصيتان مختلفتان: الأولى تلك التي يتعامل معها الناس ويعرفون مواقفها وأخبارها التي تخرج إلى الناس والصحافة، والثانية تلك المخفية التي لا يعرفها سوى قلة قليلة من المقربين والأصدقاء.
وفي هذه المساحة تحاول "السياسية" الدخول في الزاوية المخفية من حياة هذه الشخصية أو تلك، من خلال حديث ذكريات يشمل أسرار الطفولة والشباب والعمل، والتعرف عن قرب على العادات والتقاليد والظروف الصعبة التي عاشها اليمنيون قبل أن يروا النور بثورتي سبتمبر وأكتوبر ودولة الوحدة.
"النصف الآخر" محاولة لإخراج ما خبأته السنوات في حياة اليمنيين، من خلال رصد الواقع الذي عاشوه ويعيشونه اليوم. كما أنها محاولة لمعرفة كيف يفكر من عايشناهم طوال سنوات ولا نعرف ما ذا يحبون، وماذا يكرهون، وكيف وصلوا إلى النجاح الذي وصلوا إليه.
تحاول "النصف الآخر" الابتعاد عن الخوض في الشأن السياسي، الذي يحبذ الكثير عدم الخوض فيه، وإن كانت السياسة حاضرة في بعض المواقف التي ضمها الحوار، لكن بشكل غير مباشر.
"النصف الآخر" سلسلة لحوارات مع شخصيات يمنية مختلفة في السلطة والمعارضة، رجالاً ونساء على السواء، ومن كل مناطق البلاد. وستكون هذه الشخصيات حاضرة بتجاربها في الحياة هنا لتكون شاهدة على صور مختلفة من حياة اليمنيين.
* متى كان أول خروج لنور باعباد إلى أي بلد؟ وماذا تحملين من ذكرياته؟
- أول خروج لي كان إلى مصر في السبعينيات، وأحمل لها ذكريات جميلة، الإنسان يشعر في مصر بمتعة، خاصة وأنه كان عندي معلومات مسبقة عن مصر من خلال قراءتي للمجلات والصحف التي كانت تأتينا من مصر، حينها كانت سيدة مصر الأولى، جيهان السادات، تستقبل المشاركات، وقد تشرفت بمقابلتها في حفل افتتاح أحد مؤتمرات المرأة، شخصيات نسائية كبيرة، وكان هناك نقاش حول قضايا المرأة والتعليم والإعلام.
يومها كنت والأخت نجيبة سعيد صالح، وهي من أوائل خريجات الاتحاد السوفييتي، التقيت بالأخت ليلى الوادعي في فعالية أخرى فيها الأختان بلقيس الحضراني وأمة العليم السوسوة التي كانت طالبة في القاهرة، وأتذكر أنه لم يكن هناك وفد نسائي حاضر من صنعاء، وحضره الأخ مروان النعمان من المندوبية الشمالية في الجامعة.
* أي المدن أثرت فيك من خلال زياراتك؟
- تظل مصر مؤثرة من حيث تنوعها الثقافي والديني، وزياراتي لها متكررة، فقد سكنت في إحدى المرات في "فندق بيروت"، تجاورت وعلت فيها أجراس الكنائس وأذان المساجد، لا أحد يطالب بدنو صوت الآخر، أناس يذهبون للصلاة في المساجد، وآخرون للصلاة في الكنائس، عندما تذهب لشراء بعض الحاجيات تجد خليطاً من البائعين، فهذا مسلم وهذا قبطي، ولا تشعر بتمييز، فالكل مصري يحب مصر.
تذهب إلى المناطق الشعبية، في "العتبة" مثلا، فتجد بساطة الناس وعلاقاتهم الحميمة، وتجد متعة الذهاب إلى الإسكندرية بالقطار وهو يخترق المناطق الزراعية مع سير مجرى نهر النيل، وتدرك أن مصر هي هبة النيل، فلو لم يكن النيل موجودا لما كانت مصر موجودة؛ كون المياه أحد مقومات الحضارة. وتزور المعابد وترى كفاح المصريين المتواصل، وآخره الحرب ضد الصهاينة. وترى التحولات، وخاصة مكتبة الاسكندرية. زرت العديد من الدول، مما طور ثقافتي ومعرفتي وقوى صداقاتي.
* بين رمضان اليوم ورمضان الأمس، هل هناك فرق برأيك؟
- رمضان له ذكريات جميلة جداً، كان من ضمن التقاليد والعادات الرمضانية أن نقوم نحن الأطفال للسحور حتى ونحن نيام، وكان ذلك بين الساعة الثانية عشرة والواحدة فجراً، وكان ذلك ونحن في بيت جدي، الله يرحمه. كان السحور يحتوي على أرز ساخن وصانونة وبجانبه حبيبات من التمر. التمر بالمناسبة عادة حضرمية واقتداء بالسنة النبوية. ولك أن تتصور كيف كان يقوى الطفل على أكل الأرز الساخن والتمر وهو نائم، أو نصف نائم! تحليلي أنه جزء من التربية السلوكية في الانضباط واحترام الدين ومدى التزام الأم اليمنية بتجهيز لوازم رمضان من فطور وعشاء وسحور دون أي كلل أو تذمر. وهناك الكثير من العادات الجميلة التي كنا نتبعها في عدن ومازالت قائمة حتى اليوم.
بعد الوحدة، ونحن في طريقنا إلى عدن، توقفنا عند أذان المغرب، وفوجئنا ببيت في إب اقتطعوا جزءا من فطورهم لنا، وهذه عظمة الإسلام والوحدة، المناسبات الدينية تعطينا الواجبات والمهام، توزيع الأدوار، تشعرنا أن واجب الصيام أمر مقدس، سواء في التعبد أو في العلاقات الاجتماعية التي يخلقها رمضان بين الناس، المودة والمحبة، الله غني عن صيامنا وعن صلاتنا إذا لم نؤدِّ رسالته في الدنيا.
في المطبخ
* كيف تجد نور باعباد نفسها في المطبخ؟ أي نوع من الأكلات تحبين أن تعمليها في مطبخك؟
- أجيد عمل الكيك والكعك، بالإضافة إلى الطبخات المعتادة، مثل الأرز والصانونة والصيادية والزربيان، وقد أخذت بناتي هذه العادات من بعدي. طبعاً أطبخ "كويس" إلى حدٍّ ما، أنا ربة بيت، إضافة إلى التزاماتي السياسية والاجتماعية والأدبية، أجيد الطبخ، واقتصادية في الطبخ، ربما لنشأتي في مجتمع يعرف معنى عدم الإسراف وتربينا على هذا. كانت جدتي لأمي، وهي بالمناسبة من تعز، تعلمنا هذا النظام، علمتنا أن من التأدب ألا تمد يدك إلى الأكل في غير مكانك، وألا تترك شيئا أمامك في الصحن، أي: تأخذ ما تحتاجه، وما يبقى يكون غير مستخدم، ويستحق أن نوصله للمساكين قرب المساجد. وأنا اكتسبت تربية سلوكية منذ صغري وحتى اليوم؛ ليس لأنني من أصول حضرمية، ولكن جدتي لأنها من أصول تعزية، وهي أسر متدينة مخلقة لربما بسبب شظف العيش والهجرة الداخلية حينها بحثا عن الرزق.
أفتخر أنني حملت هذه الأخلاقيات في عقلي الباطن، حتى عندما نذهب إلى الفعاليات الاجتماعية، من تدريب وورش عمل، فإنني أحرص دائما، وأقول للزميلات: لا تأخذن أكثر مما تحتجنه، الله يراقبنا، ومضيفونا من عمال الفنادق وغالبيتهم أجانب يلحظون تصرفاتنا ويستغربون أننا مسلمون ونمارس الشراهة والإسراف، وهو أمر لاحظته عندنا في اليمن والخليج. نحن نحتاج لتقديم صورة وممارسة جيدة عن الإسلام حتى في المأكل فالفقر ينهش المسلمين.
بالمناسبة هذا النظام المتمثل دينيا وليس موجوداً ممارسة. أتذكر ذات مرة أننا كنا في عمل تدريبي لقضايا المسنين في مالطا، وكان الأوربيون بحكم طبيعتهم يأخذون ما يحتاجونه فقط، لا يتركون أي طعام على صحونهم، وإذا بقي يضعون ما تبقى من الأكل غير المرغوب به في وعاء للحيوانات، فتصور مثل هذا المجتمع الذي نقول إنه مجتمع غربي وعلماني، غني ولديه إمكانيات، يحافظ على كل شيء.
الصينيون يحافظون على حبة الرز، والمجتمعات الأوربية كذلك تحافظ على النعمة؛ لأنها عانت من حربين عالميتين وعانت من الفقر، وأنت تعرف كيف دمرت أوربا؛ لكن أعيد بناؤها؛ لأن هناك علاقات إنسانية وغذائية علمت الناس، على عكس ما هو عندنا في المجتمعات العربية واليمن من ترف في الأكل ونظام الأكل.
* ما هي الوجبات التي رافقتك منذ الصغر ومازلت تحبينها إلى اليوم؟
- أحب "خبز الطاوة" كثيراً؛ لكن الانشغال لم يمكني من عمله بشكل دائم. هناك وجبات كنا نشتريها في "حافة حسين" من الأسر الفقيرة، مثل: الخمير، الباجية، والجبيز، ومازلت أتذكر بيوتها.
* هل هناك وجبات اختفت من المائدة اليمنية؟
- نعم، مثل الجبيز وهو عبارة عن طحين حبوب الدجر يطبخ على صاج، واللوب أشبه بمرقة من حبات الدجر... هذه الوجبات كانت موجودة كثيرا في عدن، لكنها تكاد تكون مختفية، بحكم تواجدنا في شارع شعبي، كان من السهل أن تذهب إلى المخبازة وتأخذ الخبز الرطب والرشوش والحلبة. هذه وجبات اختفت فقط عن ذاكرتي، كانت رفيقة طفولتي، أذهب بسرعة إلى المخبازة لشراء ما يطلب الأهل للفطور والغذاء.
عدن الستينيات
* لو سألتك عن عدن الستينيات والسبعينيات وعدن اليوم، ما الذي تغير فيها؟ ما الذي اختفى؟ وما الذي زاد؟
- عدن اليوم فيها حراك سكاني جميل. وبصراحة أنا أرتاح لهذا التمازج. ربما اختفت فيها حرية الحركة في السواحل وفي شواطئ البحار، وغلب الأسود على لباسنا نحن النساء؛ لكن أيضا عادت وبزخم كبير جدا وازدحمت، ولا تجد المتعة بالتأمل في البحر بقدر ما ترى ضوضاء من حولك وحركة أناس وأجيال تتلاقى من هنا وهناك؛ سنة حياتية.
* هل تتذكرين بعض مباني عدن القديمة؟
- أتذكر الكثير. كان نظام السكن في المدينة مختلفا، البيوت في عدن كانت متلاصقة، صغيرة، بمقاس وتخطيط محدد: غرفة بسيطة فيها سرير أو سريران أو ثلاثة أسرة على الأكثر، صورة معلقة على الجدار، بالإضافة لصور جمال عبد الناصر أو مكة المكرمة، نوافذ في عمق الجدار، جدران قد لا تكون ملساء تماما، كما هو الحال اليوم، تشعر فيها ببصمات الإنسان.
والأحياء عبارة عن حافات، لكن ربما دخل فيها التحديث ونظام الغرف الكبيرة. كان البيت في عدن أو البيت العدني عبارة عما يسمى "مخزن ودارة" للأسر الفقيرة. لكن بعد ذلك حدث تطور كبير بهذا النظام؛ مع طفرة الميناء والمصفاة وانتعاش التجارة قبل الاستقلال، حيث بنيت العمارات والمنازل المستقلة وظهرت منطقة البنوك بكريتر، الشارع الرئيس في الخساف والمعلا، إنشاء منطقة خورمكسر والمنصورة.
جاءت مرحلة ما بعد الاستقلال، 67-90، والوحدة، 90-2010، فترة متناصفة تقريبا، تغيرت أشياء كثيرة، صارت غرف المنازل أكبر، الجدران ملساء أكثر، تشعر أنها مصطنعة لا تجعلك تغوص في الماضي، شيء إنساني قد قطع وانتهى، أركان الشوارع التي تلاقي فيها شخصا يبيع اختفت. الآن كثرت السيارات، وكبرت الشوارع، هناك أشخاص يبيعون بعض الحلويات المحلية مثل حلوى السمسم والفوفل والنارجيل، وهي مواد طبيعية، طرية لا تحتوي على مواد حافظة؛ فجاءت المدنية وقضت عليها بحلويات هجين من مواد كيماوية ملوثة من حرارة ورطوبة أو انتهت صلاحيته وغزت أطفالنا بسموم؛ لأننا استكثرنا وقضينا على إرثنا ومطبخنا.
* ما هي أبرز اهتماماتك هواياتك؟ هل كنت تمارسين الرياضة في فترات معينة من العمر؟
- عندما كنت أدرس في كلية البنات بخورمكسر كانت عندنا صالة لألعاب: كرة السلة، كرة الريشة، كرة والمضرب. وكنت شخصيا أحب هذه الألعاب؛ لأنها كانت تعتبر متنفساً ليس موجوداً في بيوتنا، ولا هناك أندية نسائية أو حتى في الأندية المعروفة.
إضافة إلى ذلك تدربنا على استخدام السلاح بعدما أدخلت مادة التربية العسكرية في الثانويات، قد لا تكون رياضية، لكنها لياقة بدنية، وأذكر الأستاذ أبوبكر السقاف العيدروس، والد الأخت وفاء السيد، الذي درسنا هذه المادة ودربنا على السلاح، وهو شخصية وطنية وعسكرية معروفة من أبناء "حافة القاضي".
* أي الألعاب كنت تجدين نفسك فيها؟
- كنت أحب كرة المضرب أكثر من الألعاب الأخرى.
* ما هي اهتماماتك اليوم؟ كيف تقضي نور باعباد يومها؟
- اهتماماتي اليوم كثيرة، أنشغل كثيراً بالقراءة والاطلاع على الانترنت، أتعقب الأحداث السياسية في القنوات الفضائية، وهذا شيء مهم جدا، أحل الكلمات المتقاطعة لصحيفة "الجمهورية"، فهي اختبار لثقافتي وتنشيط لقدراتي العقلية، لي مقالة أسبوعية في كل من صحيفة "الجمهورية" و"الوحدة" وشهرية "الأسرة والتنمية". وكنت أكتب في البداية باللغة الانجليزية في "يمن تايمز"، لم أستمر. أنشغل في الترجمة وأعمال استشارية بحكم مهاراتي الإدارية والفنية.
* ماذا عن الإذاعة؟
- بعد انقطاع طويل عدت في عام 97 مع الأخت المذيعة فاتن اليوسفي ذات الصوت الحنون مع الأطفال، كتبت قصصاً يومية لبرامج الأطفال الإذاعية، أولا في صنعاء ثم في عدن، لأكثر من فصل إذاعي، وتكررت كتاباتي، كنت أعيش وأتصور بيئتهم لأصوغ فكرة بأسلوب أدبي سردي أو حواري، وأضعها في خيال طفولي، أراعي المفردات المناسبة؛ لأنه عمل أحرص على أن أبدع وأسبر فيه أفق الأطفال وأضع احتياجاتهم وتفكيرهم. كتبت أكثر من ألف حلقة، وأحتفظ بنسخ منها، وهي تحتاج مني طباعة ومراجعة لإصدارها في كتاب.
* هل مازلت تتذكرين صحيفة "فتاة الجزيرة"؟
- أنا من الجيل الذي كان له حظ أن يعيش تلك الفترة المزدهرة من الصحافة اليمنية. "فتاة الجزيرة" وموقعها وتداولها بين الناس، "الأيام"، "اليقظة"، "أنغام"، "فنون"، "المصافي"، وصحف بالإنجليزية: "ايدن كرونيكل"... وكانت هناك مهن جانبية مؤثرة، هناك من يصف الكلمات أو يرصها بيديه ليهيئها للطباعة، من بين هؤلاء الفقيدون محمد عبد الرزاق باذيب، محمد جازم، بايوسف وعبدالقادر... خرج قياديون نقابيون منهم إلى اتحاد النقابات، لا كما اليوم، فقد خففت التكنولوجيا كثيرا، ولكن الإنسان ألغى دوره في التدقيق، ونعجب لأخطاء لغوية وطباعية، سوء اختيار الصور والعناوين في الصحف.
أقول للأمانة مشاريع ثقافية حضارية وأدتها التحولات، وبعض من كفاءاتها هاجرت أو انكفأت؛ إحباطا ويأسا، كانت أكبر من تفكير القيادات التي لم تسمح أولوياتها السياسية لأولئك، ولا ننسى خذلان بريطانيا والحصار على البلد - الحرب الباردة.
في بداية عملي في الصحافة زرت المطابع وشاهدت عملية الصف اليدوي، وعندما تطبع المادة تكون هناك أخطاء، فرأيت الذي يقوم بعملية الصف كم هو إنسان بسيط! إلا أنه يجيد اللغة العربية تشكيلا ونحوا، ويجيد وضع الوقفات والهمزات، ويميز بين الألف الممدودة والألف المقصورة والنقاط والفواصل. في السابق كان الطباعون والصفافون يصححون لنا الأخطاء، البعض يكتب سريعاً فلا يراجع أنه وضع كلمة منصوبة وهي مرفوعة... لكن الطباعين حق زمان، كانوا يدركون هذا بالفراسة والتعود أن هذه الكلمة فاعل وتلك مفعول به...
هذه الأمور ليست موجودة اليوم عند كثير من الصحفيين، فما بالك بالطباع الذي يقدم له الكمبيوتر خيارات الإملاء ولا يحلها فيكتب ويطبع ولا يفرق بين "الإعلام" و"الأعلام"، ولا بين "الأبطال" و"الإبطال"... أخطاء كبيرة، وحتى عند كتابة الكلمات الانجليزية، وترى فظاعة صحفية يفترض أن يشملها قانون الصحافة ويحاسب عليها وتحاسب وزارة الإعلام الصحف على ذلك.
عندما تحملت إدارة ورئاسة تحرير مجلة "نساء اليمن" الصادرة عن الاتحاد عام 76 توقعت أنني عندما أسلم المادة سأجد كل شيء جاهزا، جاءني الطباع بالمواد مسحوبة على ورق للمراجعة، ذهلت، وشعرت بقهر كبير؛ فلم أكن مطلعة بشكل كبير على العمل، وكان أمامي تحدٍّ كبير في كيفية إصدار المجلة في فترة قياسية، ولم يكن عندي الخبرة اللازمة، ولكن خضت التحدي، وقد أفادني كثيراً تعدد خبرات العاملين من الصفافين اليدويين والطباعين، وبدأت أعرف أنه لا بد أن أسلم المادة لهم وهم يأتون لي بالمادة كبروفة أولى، ثم أطلب البروفة الثانية لأقرأها بتمعن وأراجعها وأوقع عليها وأسلم ما يعرف ب"الماكيت": توزيع الصفحات، ونوع الخط، وحجم الصور، وأصوغ المانشيت، وهناك طريقة قديمة هي "تربيط الصفحات"، وهذه التجربة أضافت كثيراً إلى حياتي، العمل خطير يتعرض العاملون لخطر مادة الرصاص؛ كون صفائح الرصاص تذاب بالحرارة. كان معي ابني الصغير حينها، وإذا به يتجه نحو موقع إذابة الرصاص، خفت، ولكن الحمد لله، الله سلم.
حياتي اليوم
* كيف تقسم نور باعباد حياتها منذ أن وعت على الدنيا وحتى اليوم؟
- أقسمها على هذه المراحل: الطفولة إلى السبعينيات، بداية السبعينيات إلى 86، وهي السنة المرتبطة بأحداث سياسية كبيرة ولها تأثير خاص، ثم ما بعدها وفي هذه المرحلة بقدر ما عانيت وتألمت للوطن وما فقدناه من كفاءات بشرية ثم أتى بصيص الأمل بقيام الوحدة بكل حسناتها وسيئاتها وحتى اليوم في إطارها تعمق انتمائي وتوسعت معرفتي الإنسانية وعلاقاتي الثقافية والاجتماعية، كبر الأولاد وأصبح لي متسع من الوقت أكرسه لخدمة المجتمع ولذاتي بالقراءة والاستزادة من فرص المؤتمرات والندوات والتدريب داخليا وخارجيا.
* كيف تصف نور باعباد نفسها اليوم؟
- نور باعباد إنسانة تحب الناس وتتعاطف مع قضاياهم، ولديّ قناعة بالكثير مما حققته في حياتي، وأتمثل حكمة أن "رب ضارة نافعة" أفادتني كثيراً في حياتي، سواء في مرحلة التعليم الجامعي الذي تصادف وتوقيفي من العمل النسائي بحكم أحداث 86، أو مرحلة التهميش الوظيفي وعدم الاستفادة من خبراتي في 10 سنوات من هذا التهميش الذي مازلت أعانيه أعطاني فرصة للتأقلم، لأن أقرأ وأسافر وأخلق علاقات قوية واتصالات كثيرة مع الناس، ما جعلني أزن كل مرحلة بحسناتها وسيئاتها، وأنظر وأبحث عن الجوانب الطيبة والجيدة في الإنسان قبل السيئات، وأن أرضى بالواقع وبنصيبي من الدنيا في بلد تغسل كفاءاته مثل غسيل الملابس، رغم الهياكل والقوانين ومراكز المعلومات لتوثيق السير الذاتية التي غلبتها الوساطات لمن يدفع ويقدم، وإلا لماذا لا يستفاد أو تكون هناك فرص للمفاضلة والتدريب.
* كيف نجد اهتماماتك بالفن؟ من تحبين من الفنانين؟
- أحب من اليمنيين أحمد قاسم، ابوبكر بلفقيه، محمد مرشد ناجي، أيوب طارش، محمد عبده زيدي، عبد الكريم توفيق، فيصل علوي، فتحية الصغيرة وإن توقفت، أمل كعدل. ومن العرب: أم كلثوم، فيروز، وردة، فائزة أحمد، أصالة، ماجدة الرومي وهي فنانة مختلفة وتقدم شيئاً غير ما يقدمه الآخرون في زمن يحب الفن الرخيص والمعتمد على التقنيات.
* لماذا الغلبة النسائية عندك؟
- أحب من العرب محمد عبد الوهاب، محمد عبده، وعبد الكريم عبد القادر؛ فنحن من جيل تشربت مسامعنا هذه الأصوات.
* من هن صديقاتك؟
- نجيبة حداد، فتحية محمد عبد الله، وفاء أحمد علي، نبيهة عبد الحميد، آمنة محسن، حياة الحبشي، آمنة الحداد، نور ناصر، حياة مسعد، زعفران المهنا، منى باشراحيل، خولة ونادية شرف، إحسان عبيد، سمراء شيباني، وانتصار عمر خالد.
صحيفة السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.