يتوجه الناخبون في أوكرانيا غدا الأحد إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في انتخابات رئاسية يمكن وصفها بأنها الأهم في تاريخ البلاد منذ الاستقلال عام 1991م في وقت تتواصل فيه أعمال العنف بين القوات الأوكرانية والانفصاليين في الشرق. والتزم مرشحو الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا بوقف الدعاية الانتخابية عشية الانتخابات التي تأمل كييف أن تساعد على إنهاء مواجهة مريرة مع روسيا. وكان انفصاليون موالون لروسيا قد اشتبكوا الجمعة مع ميليشيا أوكرانية في شرق البلاد مما أسفر عن سقوط قتيلين على الأقل. وقال مسؤولون إن 17 جنديا قتلوا قبل ذلك بيوم في هجوم على قوات أوكرانية. ويأمل زعماء كييف الموالون للغرب أن تجلب انتخابات الغد الاستقرار في الجمهورية السوفيتية السابقة بعدما أطاحت احتجاجات حاشدة بالرئيس المدعوم من موسكو فيكتور يانوكوفيتش ورد انفصاليون موالون لروسيا بالسيطرة على القرم وأجزاء في شرق أوكرانيا. وسيبحث زعماء أوروبيون اتخاذ خطوات ضد روسيا يوم الثلاثاء إذا رأوا أن موسكو عرقلت الانتخابات. وتتراوح هذه الخطوات من قيود على واردات البضائع الكمالية إلى حظر النفط والغاز لكن بعض الدول الأوروبية تشعر بالحذر بسبب علاقات التجارة الوثيقة مع روسيا. ووعدت السلطات الأوكرانية بتعليق العمليات ضد الانفصاليين في يوم الانتخابات التي توصف بأنها الأهم منذ استقلال البلاد عن موسكو قبل 23 عاما لكن اشتباك أمس الجمعة أشار إلى أن العنف قد يشوب الانتخابات. وأصدر المقاتلون الموالون لكييف بيانا على موقع فيسبوك قالوا فيه إن أربعة منهم قتلوا وأصيب تسعة. وقال رئيس الوزراء المؤقت ارسيني ياتسينيوك في محادثات مع وزيري خارجية دولتين في الاتحاد الأوروبي "نحن عازمون على إجراء انتخابات صادقة وشفافة." وعبرت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد كاثرين اشتون عن دعمها لكييف وللانتخابات الأوكرانية. وأضاف ياتسينيوك أنه رغم خطط الانفصاليين لعرقلة الانتخابات في المناطق الشرقية التي يسيطرون عليها فإنه يعتقد أن معظم سكان هذه المناطق يعارضون "الإرهابيين". ونشرت كييف 55 ألف شرطي ونحو عشرين ألف متطوع لتأمين الانتخابات، فيما توعد الانفصاليون -من جهتهم- بمنع إجراء الاقتراع في الشرق، حيث يتوقع أن يواجه حوالي مليوني ناخب صعوبات في الإدلاء بأصواتهم. وحث الرئيس الأوكراني ألكسندر تورتشينوف الناخبين على المشاركة في الانتخابات الرئاسية "من أجل توطيد دعائم الدولة الأوكرانية". وشدد تورتشينوف -الذي لم يترشح في هذه الانتخابات- في خطاب نقله التلفزيون الجمعة على أهمية المشاركة لاختيار قائد جديد للبلاد. وأكد أنهم يبنون حاليا "بلدا أوروبيا جديدا، وضع أسسه ملايين الأوكرانيين الذين أثبتوا أنهم قادرون على الدفاع عن خياراتهم وعن بلادهم". وموازاة مع ذلك عبر الاتحاد الأوروبي، أمس الجمعة، عن تأييده القوي لإجراء انتخابات رئاسية حرة وشفافة ونزيهة في أوكرانيا غدا الأحد بهدف تخفيف حدة التوتر في البلاد. وقالت الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون في بيان إن "إجراء انتخابات ناجحة في أوكرانيا يمثل خطوة هامة على طريق تخفيف حدة التوتر واستعادة الأمن والاستقرار السياسي". كما أعربت أشتون عن أسفها العميق إزاء مقتل 16 شخصا شرق أوكرانيا أول أمس، مشيرة إلى أنها "محاولات لزعزعة استقرار الوضع في البلاد قبل الانتخابات". وشددت على ضرورة السماح للناخبين الأوكرانيين بممارسة حقوقهم في التصويت وفتح الباب أمام السلطات لإجراء الانتخابات في جميع أنحاء البلاد دون عوائق فضلا عن السماح للمراقبين المحليين والدوليين بأداء مهامهم بشكل كامل. وفيما اعتبر بادرة تهدئة قبل اقتراع الأحد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجمعة في كلمة بسان بطرسبرغ أنه سيحترم "خيار الشعب الأوكراني" وسيتعامل مع الرئيس المنتخب، غير أنه أضاف أن أوكرانيا تخوض بالفعل حربا أهلية. وكانت روسيا قد ضمت إليها منطقة القرم في فبراير ودفعت بالآلاف من الجنود قرب الحدود مع أوكرانيا بينما سيطر متمردون موالون لروسيا على مبان استراتيجية في الشرق. وقالت موسكو الجمعة إنها ستسحب كل قواتها من حدودها مع أوكرانيا "في غضون أيام قليلة" في خطوة قد تحد من التوتر المقترن بالانتخابات. وناشدت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل روسيا أن تقبل بحكم منظمة الأمن والتعاون في أوروبا على انتخابات الرئاسة الأوكرانية لكن بوتين بعث برسائل متباينة وقال إنه سيعمل مع الفائز في الانتخابات ويريد علاقات أفضل مع الغرب منتقدا في الوقت نفسه السياسة الأمريكية إزاء أوكرانيا. وأوفدت المنظمة فريقا يضم أكثر من ألف مراقب لمتابعة الانتخابات التي يتوقع زعماء أوكرانيا أن تشهد إقبالا كبيرا يعوض خسارة ناخبي القرم والمناطق الواقعة تحت سيطرة الانفصاليين في الشرق. وتشير استطلاعات الرأي لانتصار شبه مؤكد في الجولة للملياردير بيترو بوروشينكو وهو وزير سابق في الحكومة أيد الاحتجاجات الموالية للغرب. ويصفه مراقبون بأنه أكثر المرشحين اعتدالا، لأن برنامجه الانتخابي يركز على "حياة جديدة تطابق المعايير الأوروبية، وعلاقات حسنة مع روسيا، إضافة إلى التريث قبل عضوية البلاد في حلف شمال الأطلسي (الناتو)". ومن أبرز المنافسين لبوروشينكو من بين الموالين للغرب أيضا هي يوليا تيموشينكو زعيمة حزب الوطن "باتكيفشينا"، التي قضت في السجن ثلاث سنين بتهمة استغلال سلطاتها السابقة كرئيسة للوزراء وإلحاق الضرر باقتصاد البلاد، قبل أن يطلق سراحها مباشرة بعد إسقاط نظام يانوكوفيتش. ومن بين المرشحين الموالين لروسيا يبرز رجل الأعمال سيرهي تيهيبكو كمرشح مستقل شغل منصب نائب رئيس الوزراء في النظام السابق، بعد أن استقال من عضوية حزب الأقاليم الذي كان يتزعمه الرئيس المعزول يانوكوفيتش. وبحسب استطلاع أجراه مركز "رازومكوفا" للدراسات الاجتماعية، فإن بوروشينكو مرشح للفوز من أول جولة انتخابية بنسبة تقارب 53%، أما استطلاع موقع التصنيف "ريتينغ" الإلكتروني فبين أن بوروشينكو سيتصدر الجولة الأولى بنسبة 34%، ثم سيفوز بالرئاسة في الجولة الثانية. وإذا لم يحصل أي مرشح على أكثر من خمسين في المئة من الأصوات غدا فستجرى جولة إعادة يوم 15 يونيو وسيتنافس فيها على الأرجح بوروشينكو ورئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو. ويبدأ التصويت في الثامنة صباحا. وستوضح استطلاعات الرأي لدى خروج الناخبين من مراكز الاقتراع النتيجة عند انتهاء التصويت في الثامنة مساء (1700 بتوقيت جرينتش). ولن تعلن النتيجة النهائية للانتخابات قبل يوم الإثنين عندما يصدر مراقبو منظمة الأمن والتعاون في اوروبا حكمهم بشأن نزاهة الانتخابات.