تواجه ليبيا التي تشهد أعمال عنف مستمرة منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي تحديا هائلا يتمثل في الفوضى العارمة وتصاعد التطرف وتنافس المليشيات المسلحة في السيطرة على مختلف مناطق البلاد في ظل قلق دولي من استمرار القتال وتدهور الأوضاع. وشهدت ليبيا خلال الأيام الأخيرة تصعيدا لأعمال العنف، بما في ذلك غارات جوية شملت طرابلس وجبل نفوسة في الغرب وبنغازي وضواحيها في الشرق. وقال رئيس الوزراء الليبي المنتخب عبد الله الثني الذي يحظى باعتراف دولي في بيان الثلاثاء إن القوات الجوية التابعة لحكومته مسؤولة عن الضربات التي استهدفت مطار العاصمة طرابلس الذي تسيطر عليه حكومة منافسة. وهوجم مطار معيتيقة في طرابلس مرتين على الاقل هذا الأسبوع في إطار الصراع المتصاعد بين الفصائل المتنافسة في البلد الذي يكافح من أجل استعادة الاستقرار بعد ثلاث سنوات من الإطاحة بالقذافي. وفي البيان الذي نشر في موقعها الالكتروني نقلت حكومة الثني عنه القول "القصف الذي قام به السلاح الجوي الليبي لمطار معيتيقة هو ضربة استباقية لمجموعات ما يسمى فجر ليبيا" في إشارة إلى جماعة مسلحة تساند حكومة منافسة تسيطر على طرابلس. وسيطرت فجر ليبيا على العاصمة طرابلس في الصيف وشكلت حكومة تابعة لها وسيطرت على وزارات لتجبر الثني والبرلمان المنتخب على اتخاذ مدينة طبرق في شرق البلاد مقرا لهما. ومنذ مقتل القذافي في 20 أكتوبر 2011 لازالت البلاد غارقة في المشكلات، إذ إنها لم تعرف طعم الاستقرار في ظل الصراعات القائمة فيها بين الأطراف المختلفة. وقد أعرب أعضاء مجلس الأمن أمس الأربعاء عن بالغ القلق إزاء الوضع المتدهور في ليبيا وتأثيره على السلام والاستقرار في المنطقة، محذرين من احتمال فرض عقوبات. وأكد المجلس في بيان صحفي أن لجنة العقوبات مستعدة لمعاقبة من يهدد السلام والاستقرار أو الأمن في ليبيا أو يقوم بعرقلة أو تقويض نجاح عملية الانتقال السياسي مذكرة في ذات السياق بالقرار 2174 الذي اعتمد في اغسطس الماضي ودان استخدام العنف ضد المدنيين والمؤسسات المدنية. من جهته دعا الامين العام للامم المتحدة بان كي مون في بيان كافة الأطراف لإنهاء هذه الهجمات ومنع المزيد من التصعيد ،مذكرا بالتزامهم الأخلاقي والقانوني تجاه حماية المدنيين والتقيد بالقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. كما أعرب الأمين العام أيضاً عن قلقه الشديد بشأن الانتهاك الذي حصل حول مقر الأممالمتحدة يوم 24 نوفمبر في طرابلس، مشيرا إلى أنه لا يمكن تقبل هذه الأعمال وهذا التحريض ويجب أن يتوقف ذلك على الفور. وعبر الأمين العام عن ثقته التامة بممثله الخاص السيد برناردينو ليون وجهوده لتيسير الحوار بين الليبيين لمعالجة التحديات التي تواجه البلاد والعودة إلى عملية سياسية شاملة ، معبرا في الوقت نفسه عن قناعته بأن السبيل الوحيد لحل الأزمة الحالية في ليبيا هو الحوار. وحددت حكومة الثني شروطا جديدة للمحادثات مع الحكومة المنافسة طالبة من إدارة طرابلس الاعتراف أولا بالبرلمان المنتخب. ومن بين الشروط ايضا ان تنسحب الجماعات المسلحة مثل فجر ليبيا من العاصمة. وجاءت تعليقات الثني بعد ان دعاه مبعوث الاممالمتحدة الخاص برنادينو ليون الي مناقشة سبل لانهاء الضربات الجوية. وقالت بعثة الامم المتحد في ليبيا في بيان ان ليون عبر عن "قلقه من ان التطورات العسكرية الاخيرة ستزيد من تعقيد الوضع برمته في البلاد وتقوض الجهود لحل الازمة الحالية من خلال الوسائل السلمية." وقالت الحكومة المنافسة في طرابلس إنها قد تمنع ليون من دخول الأراضي التي تسيطر عليها وهي خطوة قد تصعب التفاوض لإنهاء صراع على السلطة يهدد بتمزيق البلاد. وقالت الحكومة المنافسة التي يرأسها عمر الحاسي يوم الاثنين إنها مستعدة للحوار لكنها مجبرة على الدخول في مواجهة وحرب وإنها ستنتصر. وتوجد في ليبيا حكومتان منذ أغسطس الماضي عندما استولت فجر ليبيا على طرابلس وأرغمت الحكومة المنتخبة برئاسة الثني على الانتقال إلى مقر يبعد ألف كيلومتر إلى الشرق. وتخشى القوى الغربية ان يخرج الصراع في البلد العضو بمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) عن السيطرة ليمتد عبر الحدود في منطقة مضطربة بالفعل. من جانب آخر رفع كل من الجزائر وتونس أمس الأربعاء من درجة التأهب على الحدود مع ليبيا في ضوء تحذيرات من تعرض ثلاث دول مجاورة لهذا البلد لهجمات إرهابية كبيرة. وقررت السلطات التونسية، مساء أمس الأربعاء ، الرفع في درجة اليقظة والمراقبة على الحدود والمعابر التونسية مع ليبيا. ودعت خلية الأزمة، المتابعة للوضع الأمني بتونس، الجيش وقوى الأمن الاستعداد لاتخاذ كل الإجراءات التي تقتضيها مصلحة الأمن القومي التونسي. وبحث اجتماع الخلية، الأوضاع في ليبيا وتداعياتها المحتملة على الحدود التونسية الليبية وذلك في ضوء تواصل أعمال العنف المسلح على التراب الليبي. يشار إلى أن الاجتماع انعقد برئاسة مهدي جمعة رئيس الحكومة بحضور وزراء الداخلية والعدل والدفاع الوطني والشؤون الخارجية والوزير المعتمد لدى وزير الداخلية المكلف بالأمن. وفي الجزائر، ذكرت صحيفة "الخبر" أمس الأربعاء أن الجيش بدأ في تحصين مواقع متقدمة على الحدود مع ليبيا على ضوء التحذيرات من احتمال تعرض الحدود لهجمات إرهابية. ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة قولها إن قيادة الجيش في الجزائر غيرت تصنيف وضعية الحدود البرية بين الجزائر وليبيا، من حدود مهددة بعمليات تهريب واعتداءات محدودة، إلى منطقة تتعرض لتهديد كبير يشمل هجمات إرهابية واسعة النطاق. وأشارت إلى أنه تم تغيير نوعية الأسلحة المستخدمة في التعامل مع تهديد الجماعات الإرهابية، من أسلحة خفيفة ومتوسطة إلى أسلحة ثقيلة، ومن كتائب مشاة وقوات خاصة إلى قوات برية معززة بدبابات ومدفعية بعيدة المدى وطائرات قتال صف أول. وأشارت صحيفة الخبر إلى أن عمليات التحصين شملت مواقع متقدمة على الحدود ومواقع أخرى في عمق الحدود مع ليبيا، تخص الجيش وقوات الدرك الوطني وحرس الحدود. كما بدأت المصالح الهندسية في الجيش، إنجاز منشآت هندسية كبرى في أقصى الحدود الجنوبية الشرقية، وتحصين مواقع وثكنات حرس الحدود والجيش والدرك في أقصى الحدود الجنوبية الشرقية مع ليبيا التي تمتد لمسافة 1000 كلم. وشملت عمليات التحصين التي يقوم بها الجيش الجزائري مواقع متقدمة على الحدود مع النيجر ومالي أيضا.