غانم سعيد يبدو اليوم شيخا طاعن في السن ،لكن عمره الفعلي ليس كذلك ،فقددفع سعيد الذي عاد من مهجره بسبب الحروب دفعا إلى شيخوخته المبكرة بعد أن فقد ولديه وعمله ومسكنه وأصابه المرض واليأس . قال سعيد: من أجل تجنب ما أنا عليه الآن كان لا بد أن أقوم بأحد ثلاثة أشياء،أن أهاجر مرة أخرى ، أو أن أحصل على عمل ، أو أن يكون لي عملي الخاص وهي مسألة معقدة لم أجد من يدعمها أو يمولها . وتقود الحكومةمنذ سنوات ما يشبه حملة لمكافحة الفقر تستهدف خلق فرص عمل جديدة من خلال إطلاق المبادرات الخاصة ،المحمية بنظام إقراض للمشاريع الصغيرة ذات الجدوى الاقتصادية . وبدأت الحملةالتي تعرف باسم استراتيجية التخفيف من الفقرالتوصل إلى نتائج جيدة في جانب خلق فرص عمل مؤقتة ، مع نتائج أقل أهمية فيما يتعلق بالفرص الدائمة والخاصة للعاطلين. يقول غانم سعيد العاطل عن العمل الذي فقد ولديه قبل أربع سنوات ثم زوجته في أكتوبر الماضي ، انه واحد من بين 800 ألف مغترب يمني أجبروا على العودة،إبان الأزمة التي دارت إلى حرب الخليج الثانية في أغسطس 1990م. وتقول مصادرحكومية ،أن عودة حوالي مليون مغترب إبان وبعد الأزمةالخليجيةالثانية أدى إلى الضغط على الموارد وزيادة هائلة في الطلب على السلع والخدمات المحلية . في نفس الوقت تراجعت تحويلات العمالة من 2 مليار دولار أمريكي في الثمانينيات إلى 300 مليون دولار مع اندلاع الأزمة مباشرة . وترافق عودة هؤلاء المغتربون الذين انضموا إلى اللاجئين القادمين من القرن الأفريقي ، مع فترة الانحدار المريع في معدل النمو الاقتصادي الذي وصل نموناتجة بصعوبة إلى 1,9 % خلال الفترة 1990- 1994، وهو رقم يقل عن معدل النمو السكاني الذي قفز مع عودة المغتربين إلى 5% . وقادت الفجوة السحيقة بين المعدل الحقيقي في النموالاقتصادي والنموالسكاني ،و التدهور الحادث في المؤشرات الاقتصادية ، إلى إعلان ما يشبه ((حالة اقتصادية طارئة)) ، والبدء بتنفيذ حزمةإصلاحات شاملة منذ مارس 1995م في إطار برنامج للإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري يدعمه البنك والصندوق الدوليين . وفي حين حقق البرنامج نجاحات في مجال الاستقرار الاقتصادي ،إلا أنه مع ذلك كما يقول مستشار وزير التخطيط الدكتور يحيى المتوكل(( عجز عن إيقاف التوسع في أعداد الفقراء أو التخفيف من الآثار الجانبية للإصلاحات على الفئات الاجتماعيةالمختلفة )). قال المتوكل(( هناك تحسن في قيمة دليل التنمية البشرية خلال العقد الأخير، لكن هذا التحسن لم يكن مرضيا ، وبالتالي كان لا بد من التوجه نحو وضع سياسات وإجراءات إستراتيجية وعملية للتخفيف من الفقر .) وتظهر إحصاءات رسمية أن هناك حوالي 7 ملايين يمني يعيشون تحت خط الفقر ،لكن إجراءات حكومية موجهة على ما يبدو ، أدت إلى انخفاض هذه النسبة بصورة مقبولةفي السنوات الأخيرة . تظهر الإحصاءات التقديرية حوالي 35% من السكان البالغ عددهم 18 مليون نسمةفقراء الآن مقارنة مع 42% في منتصف التسعينات ، ويمكن مقارنة هذا بالتعهدات الحكومية الحقيقية التي قد لا تتحقق بنفس النجاح أو الدقة . قال روبرت هيندل مدير البنك الدولي ،أن اليمن قدمت تعهدات صعبة فيما يتعلق بالتخفيف من الفقر وهي التعهدات التي شملت خفض معدلات الفقر بنسبة 13,1% خلال الفترة 2003-2005، في إطار الإستراتيجية التي ترتكز أساساً على تحفيز عوامل النمو الاقتصادي في البلاد . وتعتبر القروض الصغيرة الموجهة لدعم المشاريع الخاصة ،أحد محاور الإستراتيجيةعلى أمل توفير فرص عمل جديدة للعاطلين وفتح مجالات أوسع لفئات عمرية ستكون بعد سنوات أكثر الفئات عرضة للتبطل. وأصبح هناك الآن حوالي خمسة صناديق رئيسية تبحث في كيفية التخفيف من الآثارالسلبية على الفئات الفقيرة في المجتمع الناجمة عن تخفيض الدعم الموجه للمنتجات النفطية وفواتير الطاقة والمياه والإيقاف التام عن دعم واردات القمح والدقيق. ذكر غانم سعيد أنه كان متفائل بسياسات الإقراض التي تشرف عليها بعض الصناديق ومضى يقول: في البداية كنا متفائلين بالأمر ولكنا قلنا أنه بحاجة إلى مزيدمن الوقت - إلا أن الحقيقة هي كيف يمكن أن نطلب قرضا ليس على درجة من الأهمية ،لتوسعة مشروع وليس لخلق مشروع- . أضاف غانم:عندما ذهبنا للحصول على قرض،وجدنا أنه يتعين علينا في البدايةامتلاك المشروع ومن ثم طلب قرض للتوسعة ..ومع هذه الشروط وجدنا أنفسنا أننافي دوامة طويلة ليس لها نهاية سعيدة على الإطلاق...)). نائب رئيس الوزراء وزير التخطيط والتعاون الدولي أحمد صوفان ،قال :أن مسألة البطالة التي وصلت إلى مستويات أعلى من 37 % عام 2000م ، تعود في جانب كبيرمنها إلى ضعف قدرات الأيدي العاملة اليمنية وبالتالي القصور في استغلال قدراتهاالإنتاجية الضيقة . وتنموالقوى العاملة اليمنية بمعدل 3,6% سنوياً ،وهذا يدل على أن الكثيرممن يتوقع دخولهم سوق العمل لن يتمكنوا من الحصول على وظائف ،إذا ظلت معدلات النمو عند مستوياتها الحالية، التي ينبغي تحفيزها حسب رؤية اليمن الإستراتيجية بحيث تحقق معدل نمو لا يقل عن 9%،(إذا أريد لليمن التغلب على مشكلة البطالة). ويعتقد المانحون أن اليمن بحاجة إلى مليون منشأة صغيرة على الأقل لإمتصاص فائض العمالة المقدر بنحو خمسة ملايين نسمة إلا أن مسحا ميدانيا أظهر في وقت سابق وجود 330 منشأة صغيرة ، لكن 95% منها ظهرت ضمن إنتاجية القطاع الخاص. يقول مستشار المشروع الألماني لتشجيع المنشآت الصغيرة ،عبدالقاهر الزعيمي : كل المانحين تقريباً يحاولون الآن ضبط مساعدتهم لليمن بإستراتيجية التخفيف من الفقر ، أضاف : تم تخصيص سبعة ملايين وسبعمائة ألف يورو لمساعدة اليمن في تنمية القطاع الخاص حتى يكون قادرا على خلق فرص عمل جديدة . وتعول الحكومة على دور قائد للقطاع الخاص ، وفقاً لخطتها الخمسية المنتهيةالعام القادم ، التي توقعت أن يخلق هذا القطاع حوالي 800 ألف وظيفة ، في الوقت الذي لا يزال فيه القطاع الخاص يعاني إحباطات وتناقضات داخلية متعددة. ويعني برنامج المانحين لتشجيع القطاع الخاص ،تقديم الدعم الفني لهذا القطاع لكي يكون قادرا على النمو بعد تهيئة المراكز التدريبية لإنتاج مخرجات ملائمةلاحتياجات سوق العمل الخاص ..كما يعني البرنامج أيضا تقديم الدعم الفني للمؤسسات التمويلية التي تتعامل بالقروض الخاصة للمنشآت الخاصة والمتوسطة . وتتصف بنية القطاع الخاص اليمني بمشاركة عالية في امتصاص الأيدي العاملة، إذ يستخدم هذا القطاع حوالي 89% من إجمالي القوى العاملة ، لكن 53% منهاتعمل في قطاع الزراعة وعند مستوى حد الكفاف ..وفيما يمتلك القطاع الخاص 97% من المنشآت الصناعية إلا أن أهميتها بالنسبة للاقتصاد الوطني غير ذات جدوى ، وربما لخلل التوزيع الذي تحتل فيه المنشآت الكبيرة والمتوسطة نسبة تقل عن واحد بالمائة ،و4 % على التوالي ..في حين تبلغ نسبة المنشآت الصغيرة حوالي 95% . وفوق ذلك يرى البنك الدولي أن التوسع في قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطةلا يزال أيضا متدنيا بالنظر إلى حاجة المجتمع والاقتصاد الوطني لمثل هذاالنوع من النشاطات التي لا تتطلب نفقات إضافية على صعيدمشاريع البنى التحتية . ويشيدالبنك الدولي بشفافية إستراتيجية التخفيف من الفقر ، التي قال أنها مسألة مهمة لتعزيز عوامل الثقة والاطمئنان لدى المنشآت الصغيرة والمتوسطةبما يجري على المستوى الكلي وما تدفعه هذه المنشآت من فوائد على مديونياتها. وفي الحالة اليمنية ، يقول البنك الدولي : إن ما تتصوره المنشآت اليمنيةحول غياب الاستقرار الاقتصادي على المستوى الكلي ، قد يكون مخالفا للواقع ..(لقد أصبحت كل المؤشرات الاقتصادية تقريبا أكثر استقرارا عما كانت عليه في منتصف التسعينات ..). وأظهرت مؤشرات وزعها صندوق تمويل الصناعات والمنشآت الصغيرة ،أن الصندوق أقرض حوالي 1,904مشروعاصغيرا بمبلغ يتجاوز مليار ومائة وسبعة وأربعين مليون ريال ،فضلا عن قروض بالدولار الأمريكي بلغت قيمتها 700 ألف دولار، وتوقع الصندوق الذي يدعمه البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة والحكومةالهولنديةمنذ تأسيسه عام 1991م ،أن تسهم مشروعاته الممولة في تشغيل حوالي 6,934 عامل منهم 1,003 امرأة وبنسبة 14,5% . وبافتراض أن متوسط نسبة الإعالة في الأسرة اليمنية ثمانية أفراد،قال الصندوق أنه يتوقع أن تعول المشروعات الصغيرة التي مولها أكثر من 55,472 فردا. وفيما تظهرالمؤشرات تطورا مدهشا في اعداد القروض الممنوحة ، لكنها تعكس أيضا خللا في التوزيع الجغرافي للمشروعات الممولة ، فكانت عدد القروض الممنوحةخلال الفترة 91-1997م في صنعاء 476 قرضا تليها الحديدة 109 ثم حجة 72 قرضا، لكن محافظات مثل المحويت والمهرة وحضرموت ، لم تتحصل إلا على قرض واحد لكل منها ، ما يفرض على الصندوق اتباع سياسة توزيع أفضل ، سعيا للإسهام في تحقيق التوازن في عملية التنمية الاقتصادية المنشودة . وتبدو نماذج لمشاريع بالغة الصغر أكثر نجاحا ، وهي تمضي الآن لتحقيق أكثرمن هدف بما في ذلك تمكين المرأة من إدارة مشاريع خاصة وتسويق المنتجات المحفزة على تحسين مستوى معيشة آلاف الفقراء. تقول إيمان الشرعي المدير التنفيذي لبرنامج مشروع القروض الصغيرة ،أن البرنامج الذي يعمل ضمن منطقة صنعاء القديمة ، استطاع حشد التأييد الشعبي لخطط وسياسات الإقراض المتبعة ((خاصة بعد أن أثبت البرنامج قدرته في تمكين المرأة اجتماعياواقتصاديا ، وأصبح بمقدور الكثيرات من النساء إعالة ورعاية أسرهن وتلبيةاحتياجاتها اليومية..،). وتزايدت نسبة الإقبال على طلبات القروض ، بعد مانجح مقترضون ، تحقيق توسعات من مشاريعهم الخاصة .قال خياط الأقمشة علي أحمد في محله ، الذي بدأ توسيعه بقرض قيمته خمسين ألف ريال (( بعد سدادي للقرض الأول ،أخذت ثلاثة قروض مرحليةأخرى ، تحول المحل البسيط إلى مشغل للأقمشة ، ثم احتجت قرضا خامسا لشراءسيارة لتوزيع وتصريف الإنتاج .). وفي تعزالمدينة المزدحمة التي تحتل نطاقات رئيسية من اهتمامات إستراتيجيةالتخفيف من الفقر ،ظل غانم سعيد متشائما بالدرجة نفسها ، وقال (( هذه المشاريع مستحيلة بالنسبة لي أنهيت كل شيء لكني لم أحصل على قرض لقاء ذلك )). سبأنت