إذا صدق رئيس وزراء الكيان الصهيوني ارئيل شارون هذه المرة في تنفيذ خطته القاضية بإخلاء 17 مستوطنة صهيونية مقامة في قطاع غزة، من بين 21 مستوطنة في القطاع، فانه يكون قد خيب ظن الفلسطينيين فيه، الذين اعتادوا إلا يصدقوه في أي حديث منه عن السلام أو جنوحه إليه. ويتابع الفلسطينيون بكثير من القلق، وقليل من التفاؤل، إعلان شارون عن إخلاء مستوطنات في القطاع والضفة الغربية، لقناعتهم أن شارون يقدم على تصريحاته ليخرج من أزماته المتتالية عليه داخليا، والمأزق الذي وصل إليه في التعامل مع المقاومة الفلسطينية. لكن مجرد إعلان شارون نيته عن إخلاء عدد كبير من مستوطنات قطاع غزة، بعد أن كان شارون أهم دعاة الاستيطان ، واهم الداعمين لإقامة المستوطنات حيث تولى اللجنة الوزارية الخاصة بشؤون الاستيطان إبان شغله منصب وزير الزراعة عام 1977م، ونادى يومها بإقامة مستوطنات في كل أنحاء الضفة وغزة لمنع إقامة دولة فلسطينية، وإعلانه هذه المرة يعتبر في رأي الكثير، انتصارا للإصرار الفلسطيني على اقتلاع المستوطنات من وسطهم. فالكثيرون يرون في قيام زعيم ليكودي مثل شارون، بإخلاء مستوطنات، كسرا لتابوت وضعه اليمين الصهيوني لمنع إزالة أي مستوطنة، وفاتحة طريق أمام أي زعيم إسرائيلي في المستقبل، خصوصا من اليسار، للإقدام على تفكيك مستوطنات، ارتكازا على هذه السابقة، التي دشنها عراب الاستيطان أصلا. ولعل دعوات شارون الشهيرة للشبان الإسرائيليين باحتلال تلال الضفة الغربية قبل أن يحتلها غيرهم - يقصد الفلسطينيين - إبان كان وزيرا للخارجية قبل عقد من السنين تقريبا، مازالت عالقة في أذهان العالم بأثره، نتيجة لما إثارته دعواته تلك من إشكاليات سياسية لإسرائيل مع العالم. وتقضي الخطة التي يعدها مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الجنرال غيورا اييلاند، بإخلاء إسرائيل ل17 مستوطنة صهيونية من اصل 21 مستوطنة منتشرة على طول قطاع غزة وعرضه، وتسطير على 40% من مساحته تقريبا، ولا يقطنها إلا اقل من 6000 مستوطن، يعيشون وسط سكان القطاع الذي يربوا عددهم على المليون وربع مليون نسمة، وتقول الخطة إن الحكومة ستنقل مستوطني قطاع غزة إلى مستوطنات في الضفة الغربية بعد أن تعمل إسرائيل على توسيعها، وضم عدد منها إلى حدود إسرائيل في محاولة لفرض وقائع جديدة على الأرض الفلسطينية. لكن إخلاء المستوطنات، أو ما اصطلح على تسميته ب ( فك الارتباط )، لم يستقبله الفلسطينيون بارتياح وتفاؤل كبيرين، فالكثير من الفصائل الفلسطينية اعتبرت إقدام شارون على الانسحاب، انتصارا للمقاومة، فيما اعتبره الكثير من المحللين الفلسطينيين، تصريحات علاقات عامة للخروج من أزماته، ولترويج نفسه لدى الإدارة الأمريكية. فكيف يقرأ الفلسطينيون أحدث تصريحاته؛ المتعلقة بالانسحاب، وما هي الأسباب الوجيهة التي دفعت شارون للتصريح بذلك ؟ وهل يصدق شارون أقواله هذه المرة ؟وكيف سيتعامل معها فلسطينيا ؟ لعل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وصفت مخطط شارون وصفا جامعا مانعا، حيث رأت في بيانها الذي صدر عنها عقب اجتماعها في رام الله في السابع من الشهر الحالي " أن المخطط يهدف إلى تقسيم الأراضي الفلسطينية إلى معازل وكانتونات في الضفة وغزة، والاستيلاء على معظم أراضي الفلسطينية، وضم القدس الشريف كليا إلى إسرائيل.. ثم تصوير ذلك على انه صيغة حل نهائي ". وأكدت اللجنة في بيان لها، على رفضها أي تعامل رسمي أو واقعي مع هذا المخطط والتي لن تسلم بأية من نتائجه والتي يحاول شارون تحويلها إلى أمر واقع من خلال إكمال بناء جدار الفصل العنصري. بينما يصف ذياب اللوح، مسئول دائرة الإعلام بحركة فتح، تصريحات شارون، بالمسرحية، الهادفة إلى تضليل الرأي العام العالمي، وإيهامه بان شارون يسعى لتحقيق السلام، محذرا من مغبة اتخاذ هذه الخطوة الأحادية من الجانب الإسرائيلي، مشيرا إلى أن شارون يخطط - حال تنفيذ تصريحاته -لإحكام السيطرة على بقية المحافظات الفلسطينية. وقال إننا لا نريد تصريحات، ولا نريد تفكيكا، أو إزالة بعض الكرافانات، بل المطلوب هو رحيل الاحتلال. فيما أكد الشيخ نافذ عزام القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، أن تصريحات شارون، كانت تتويجا لصمود الشعب الفلسطيني، واستمرار المقاومة، وتضحيات أبناء الشعب، وسقوط الآلاف من الشهداء والجرحى، فهذه كلها، وضعت الصهاينة في مأزق كبير تسبب في إثارة جدل واسع داخل الكيان الصهيوني، منوها إلى أن قطاع غزة كان عبئا على الاحتلال منذ مدة طويلة. ويرى الدكتور عزمي بشارة، العضو العربي في الكنيست الإسرائيلي، أن تصريحات شارون تأتي في سياق ما يطلق عليه " فك الارتباط الأحادي الجانب "، موضحا أن الانسحاب من المستوطنات في قطاع غزة سيكون " ثمنا بخسا بسيطا" سيمكن العدو الصهيوني من فرض حدود الأراضي الفلسطينية على الأرض لفترة طويلة من الزمن، وبدون مفاوضات، ومن جانب واحد. ينصح بشارة الفلسطينيين، عد الاستعجال في قضية تخمين فرص نجاح شارون في حال كونه جديا في الانسحاب، في مواجهة قوى اليمين المتشدد التي تعترض على ذلك. ويرى أن شارون يطلق هذه التصريحات في إطار التحضير لزيارته المقبلة إلى الولاياتالمتحدة ولقاءه مع الرئيس الأمريكي جورج بوش، حيث يريد الذهاب ومعه طرح، وبديل أخر لأنه يريد أن يعلن من هناك وفاة خارطة الطريق. فيما طالب الدكتور علي الجرباوي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، السلطة الفلسطينية بعدم الترحيب، أو التنسيق مع شارون في إجراءاته لإخلاء القطاع، إذا أقدم على تنفيذ هذا الأمر؛ وكذلك عدم عرقلة هذا الانسحاب. ويوضح الجرباوي:" يجب إلا يكون هذا الانسحاب ضمن اتفاق فلسطيني إسرائيلي، لأنه إذا تم اتفاق ضمن الحدود الدنيا للحقوق الفلسطينية فسيكون هناك إشكالية كبرى". وأشار إلى فرضية أن تصريحات شارون حول الانسحاب من مستوطنات في غزة، مجرد " بالونات اختبار سياسية للتغطية على مشاكله الداخلية خاصة قضية الفساد " التي تورط فيها مؤخرا. سبا