غادرتني دمشق والناس يومها افواجا الى بيت الله الحرام وفؤادي يهفوا الى وطن ظلمه اجدادنا حين اسموه كذبا بالوطن السعيد . ثلاث ساعات وانا ارسم لليمن صورا في ذاكرتي تتراوح بين الانجازات والتطور وبين نفحات التاريخ وخصال الانسان اليمني النبيل ، وزميلي بجانبي يرى حجم الشوق ويقرئه في عيوني وانا استنكر عقارب الساعة وحركتها البطيئة ، وكلمات تتزاحم في ذاكرتي ولوحات ادبية وخدوش من بقايا ذاكرة قديمة احاول ترميمها كلما تذكرت تلك المصطلحات التي سمعناها كالثورة والتغيير والحرية وحرية التعبير . وفي مشاعر الرهبانية والحنين الى الوطن ...كان انقطاع الإضاءة في الطائرة دليل يوحي اننا في سماء اليمن ، وان تتلاشي بعض من الاحلام الكبيرة التي رسمتها في مخيلتي . هبطت الطائرة بسلام ...وما ان عانقت الوطن بنظرة عاشق حتى ملئت روحي بنسيم هوائه وانا اذوب عشقا وحبا بين احضانه . تدافعنا الى الجوازات ...بعضهم من لوعة الفراق والبعض كروتين من الحياة اليمنية ، وعيوني تتغلغل في تفاصيل كثيرة ...المطار ، النظافة ، الناس والانتظام ، الموظف ، لوحة الاعلانات والكثير من التفاصيل التي استغرقتها الفترة المتوقعة لتأشيرة الجواز ...وفجأةيأتيني البشير ليقول : انت ممنوع من الدخول وعليك الانتظار ويغادر بجوازي بناء على توجيهات عليا ؟ وانا في الانتظار ...احاول التذكر كم مرة حملت السلاح ( عفوا القلم ) في وجه الفساد ؟وكم مرة قلمي حاول المساس من قداسة الجهات العليا ؟ ومن هي الجهات العليا ؟ وهل القديسه الجديدة ....هي السيدة امنة ؟ نصف ساعة في صالة الانتظار...كانت كفيلة بان اكفر بمضامين الثورة والحرية والتغيير وانا اشاهد الكثير يمرون بسلام وانا ممنوع من دخول وطني .فما الذي تغير يا قداسة الجهات العليا؟ يقترب من جانبي احد الضباط ويفتح معي حديثا مطول حول الكثير من الامور وان على الصحافة التوقف عن النيل من المنجزات وعرقلة عجلة التنمية ، وان كتاباتي مزعجة وان الوطن بألف خير وربما جنتان عن يمين وشمال ....وانا انظر اليه بابتسامة خفيفة مالذي تغير ؟ ليأتي الموظف حاملا الجواز وقد تم السماح لي بدخول وطني ...ولكن بعد تدخل جهات عليا ؟ وفي الحقيقة انني خلصت الى حقيقة مرة في وطن كاليمن لايجتمع حب الوطن وحب الجهات العليا ...والولاء للجهات العليا فرض عين وللوطن فرض كفاية . اعود الى وطني ...وطني الذي غادرته جريحا اعود اليه وهو مقبرة مفتوحة ...واضرحة تسكن بموتى حكم عليهم القدر بالحياة ...وصدى انيين من كل مكان . اعود الى وطني ...والالم فريضة سادسة في ديانة التغيير التي سنتشارك سويا في تسابيحها في الحلقات القادمة .