(التهديدات للأردن الكامنة في مقترحات السلام الأميركية المتداولة حاليا حول قضية اللاجئين الفلسطينيين لا تقل خطورة عن التهديدات الكامنة في أية حرب قد تندلع مجددا) بقلم نقولا ناصر* الإشادة الأحدث بكفاءة القوات المسلحة الأردنية نقلتها وكالة نوفوستي يوم الثلاثاء الماضي عن صحيفة روسية عززت إشادتها بالإشارة إلى طلب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "ناتو" من المملكة مشاركة الحلف في تدريب جيش يعاد بناؤه في إحدى مسارح عمليات الحلف الرئيسية، لكن اعتزاز القيادة الأردنية بكفاءة قواتها لم ينسها أنها قوات دفاعية في المقام الأول، هدفها الحفاظ على السلم لا الحرب، وكما قال الملك عبد الله الثاني في معرض رده على سؤال من هيئة تحرير "شيكاغو تربيون" يوم الخميس الماضي حول مضاعفات احتمال أن تتسلح إيران نوويا على الأردن، فإنه "لا يعقل ان يكون لبلد مثل الأردن، بحجم الأردن، برنامج عسكري" نووي، لذلك جدد الملك في هذا اللقاء كما في كل لقاءاته الإعلامية والرسمية أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن التحذير من الحرب والحث على صنع السلام، عاجلا قبل آجلا. فالحرب هي المسؤول الأول عن الأزمات الاقتصادية والديموغرافية والأمنية التي تحتل حاليا رأس جدول الأعمال الوطني الأردني، وكانت هي المسؤول الأول عن موجات اللاجئين التي اجتاحت المملكة فقادت إلى هذه الأزمات، بحيث يحتل الأردن المرتبة الرابعة في العالم من حيث نسبة عدد اللاجئين الذين يستضيفهم إلى عدد السكان كما قال د. احمد الشياب مدير مركز دراسات اللاجئين والنازحين والهجرة بجامعة اليرموك، ناهيك عن الحقيقة المعروفة بأن المملكة هي المضيف لأكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين في العالم، بما في ذلك الأراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 1967 حيث تقول "الأونروا" إن عدد هؤلاء اللاجئين المسجلين لديها في الأردن حوالي ثلاثة ملايين لاجئ بينما عدد المسجلين لديها من أشقائهم في الضفة الغربية لنهر الأردن وقطاع غزة يبلغ (1.7) مليون لاجئ. إن التقارير الإعلامية الأخيرة عن إرسال وفد أميركي إلى عدد من الدول العربية لإقناعها أو الضغط عليها، لا فرق، من أجل توطين اللاجئين الفلسطينين، وهي تقارير لم تنفها واشنطن، إنما هي مؤشر فقط إلى إحياء جهود أميركية – إسرائيلية قديمة متجددة تبحث عن حل أو تصفية لقضية اللاجئين الفلسطينيين قبل التفاوض عليها، ليتم فرض أي حل كهذا كأمر واقع يدرك اصحاب هذه الجهود أن المفاوض العربي والفلسطيني سوف يقبلها بعد أن روضه عقدان من عمر "عملية السلام" للإدمان على قبول الأمر الواقع. فالتهديدات للأردن الكامنة في مقترحات السلام الأميركية المتداولة حاليا في إطار الوضع الراهن السائد لا تقل خطورة عن التهديدات الكامنة في أية حرب قد تندلع مجددا. وكان رد الفعل الأردني القوي على "القرار الخاص بمنع التسلل" رقم 1650 الذي وقعه اللواء غادي شامني قائد قوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الفلسطينية لنهر الأردن في الثالث عشر من تشرين الأول / أكتوبر العام الماضي والذي بدأ تنفيذه بعد ستة أشهر في الثالث عشر من الشهر الجاري مؤشرا لم يترك أي مجال للشك في المخاطر التي يستشعرها الأردن سواء في الحرب ام في السلم. ولم تكن الصداقة الاستراتيجية بين الأردن وبين الولاياتالمتحدة كافية لطمأنة المملكة حيال التهديدات الكامنة في مقترحات السلام الأميركية، ف"في أميركا على وجه التحديد، يسمع المرء (السؤال التالي): حسنا، لماذا لا يأخذ الأردنالفلسطينيين في بلدنا؟" كما قال الملك للوول ستريت جورنال في الخامس من الشهر، موضحا أن الأردن يجب أن يشارك في هذه الحلول المقترحة ولا يمكنه أن يجلس متفرجا على مداولاتها. ويمكن تلخيص دوافع القلق الأردني، أولا، في ان الوضع الراهن "لا يمكنه أن يدوم"، كما قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، ولذلك فإنه "غير مقبول" بالنسبة للأردن لأن الانفجار هو المخرج الوحيد منه إن لم ينزع إحياء عملية السلام فتيله، وأي انفجار يهدد بموجة نزوح فلسطينية جديدة إلى الأردن وغيره من دول الجوار، وثانيا لأن النتيجة الحتمية لاستمرار الوضع الراهن هي إحباط طموحات الحد الأدنى الوطني المقبول فلسطينيا ومخاطر ذلك على الأمن الوطني الأردني غنية عن البيان لأسباب جيوسياسية واضحة، وثالثا لأن مقترحات السلام الأميركي المتداولة تهدد بإكراه الأردن وغيره على القبول بالتوطين، ورابعا لأن هذه المقترحات تضغط على الأردن للقبول بدور يرفضه في الضفة الغربية أو، كبديل، بفرض وجود عسكري أميركي أو لحلف الناتو في غور الأردن سيكون مثل المغناطيس الذي يجذب إليه كل العداء المتراكم لأميركا إقليميا بكل ما يستتبعه ذلك من مخاطر على الأمن الأردني، وخامسا لأن مقترحات السلام الأميركي المتداولة ما زالت تصر على ترك المفاوض الفلسطيني لرحمة التفاوض الثنائي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في إطار موازين قوى غير قابلة حتى للمقارنة بين الجانبين وهو تفاوض ثنائي يستبعد أي مشاركة للأردن حتى في قضايا لها مساس مباشر بأمنه الوطني مثل قضية اللاجئين الفلسطيين، مما يترك للأردن خيارا واحدا فقط هو الرضوخ لما قد تتمخض عنه المفاوضات الثنائية أيا كانت نتائجها. وإذا كان السلام هو الخيار الاستراتيجي للأردن، فإن الشيطان يكمن في التفاصيل، فحجر الزاوية في خطة السلام الأميركية المنتظرة التي ذكرت الواشنطن بوست والنيويورك تايمز مؤخرا بان الرئيس باراك أوباما يتداولها مع كبار المسؤولين في إدارته هو إسقاط حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، ونسبت تقارير إعلامية إلى مسؤولين رفيعي المستوى في إدارته قولهم (أسبوعية "المنار" المقدسية يوم الاثنين الماضي) إنه يعد رسالة ضمانات إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي بهذا التعهد الأميركي يجدد فيها أيضا التعهدات الأميركية التي بعث بها في رسالة مماثلة سلفه جورج بوش الابن إلى رئيس وزرائها آرييل شارون في 14/4/2004. وحسب ما تسرب عن خطة أوباما هذه فإنها تعتمد أساسا لها مقترحات الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في قمة كامب ديفيد الثلاثية مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك أواخر عام ألفين والتي انهارت بعد رفض عرفات لها مما قاد إلى حصاره واستشهاده. وعلى ذمة شلومو بن عامي وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق فإن الصفقة التي اقترحها كلينتون على الطرفين منحت اللاجئين الفلسطينيين الحق في العودة إلى "فلسطين التاريخية" وهذه تشمل الأردن في عهد الانتداب البريطاني، لكنها لم تعطهم "أي حق صريح في العودة إلى دولة إسرائيل". وخطة أوباما تعتمد كذلك على التفاهمات غير الرسمية التي توصلت إليها المحادثات الفلسطينية الإسرائيلية في طابا المصرية أوائل عام 2001 التالي. وحسب الورقة غير الرسمية التي وافق الطرفان عليها ولخص فيها مبعوث الاتحاد الأوروبي ووزير الخارجية الإسباني ميغويل موراتينوس ما توصل إليه الطرفان في طابا فإن الطرفين "وافقا على أنه ينبغي تصفية وكالا الأممالمتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) على مراحل طبقا لجدول زمني يتفق عليه مدته خمس سنوات"، كما "اتفق الطرفان على إنشاء لجنة دولية وصندوق دولي كآلية للتعامل مع التعويض في جوانبه كافة". في وثيقة زاد عدد كلماتها على سبعة آلاف كلمة مؤرخة في كانون الأول / ديسمبر 2009 وزعتها على الدبلوماسيين دائرة شؤون المفاوضات بمنظمة التحرير الفلسطينية وهي دائرة تقول تقارير إعلامية إن الذي يديرها عمليا هو "معهد آدم سميث" البريطاني وتمولها بالكامل حكومات غربية حذرت المنظمة من ضغوط أميركية على الجانب الفلسطيني لاستئناف التفاوض من الصفر مما يهدد "باستبعاد ملف اللاجئين من المفاوضات"، لكنها لم تتطرق أبدا للنص على "حق العودة" بل اكتفت بالحديث عن "حل عادل ومتفق عليه طبقا لقرار الأممالمتحدة رقم 194"، مما يثير تساؤلا عما إذا لم يكن استبعاد هذا الملف أفضل من التفاوض عليه على أساس إسقاط حق اللاجئين في العودة وتصفية الأونروا! ومن الواضح أن مقاربة قضية اللاجئين الفلسطينيين هي مقاربة إنسانية أو سياسية أو اقتصادية تنفي أي حل وطني لقضيتهم سواء في مقترحات خطة السلام الأميركية أم في المطالبة الرسمية للمفاوض الفلسطيني باستئناف المفاوضات على أساس ما انتهى الاتفاق عليه في طابا، وكلاهما يؤسس لعدم ثقة أردنية في كليهما، خصوصا وأن أحد المفاوضين الرئيسيين في طابا هو ياسر عبد ربه صاحب مبادرة جنيف التي تقترح بضعة خيارات لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين أهمها توطينهم في الدولة الفلسطينية الموعودة وتوطينهم خارجها ثم منح دولة الاحتلال الحق في تقرير قبول أو عدم قبول عودة أعداد رمزية من اللاجئين على أساس "إنساني"، وهذا هو المفهوم نفسه الذي تستعد له خطة رئيس الوزراء الفلسطيني في رام الله د. سلام فياض لبناء مؤسسات دولة فلسطينية خلال عامين. وفي هذا السياق يثير الحماس الأردني الرسمي لخطة فياض الكثير من الأسئلة التي ما تزال دون أجوبة واضحة. وهناك أربع تطورات حديثة في السياق ذاته، أولهما مبادرة فرنسية تقترح إنشاء صندوق لتعويض اللاجئين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود في الضفة الغربية على حد سواء، وثانيهما الاشتراط الإسرائيلي الذي تبنته الولاياتالمتحدة باعتراف عربي فلسطيني ب"يهودية" دولة الاحتلال كشرط مسبق لصنع السلام، وثالثها القانون الذي أقره الكنيست الإسرائيلي أواخر شباط / فبراير الماضي ويلزم حكومات دولة الاحتلال بمطالبة العرب بتعويض اليهود الذين هاجروا إليها من الدول العربية وبإثارة هذه القضية كلما "أثيرت قضية اللاجئين الفلسطينيين في إطار مفاوضات السلام" و"بعدم توقيع دولة إسرائيل، مباشرة أو بالوكالة، على أي اتفاقية أو معاهدة مع أي بلد أو سلطة تتعاطى مع أي تسوية سياسية". والتطور الرابع تطوير مبادرة جنيف إلى "اقتراح معاهدة" فلسطينية إسرائيلية تفصيلية تسلم الرئيس الفلسطيني محمود عباس نسخة منها وكذلك رئيس دولة الاحتلال شمعون بيريس دون أن يعرف الرأي العام الفلسطيني والعربي شيئا لا عن تفاصيلها ولا متى تم التفاوض عليها ولا في أي دهليز غير دهاليز أوسلو تم ذلك، فالدبلوماسية السرية الفلسطينية التي ورطت الجميع في اتفاقيات أوسلو ما زالت حرة في تكرار اخطائها الفادحة، أو خطاياها، دون أي رقابة أو مساءلة لا فلسطينية ولا عربية. إن حقيقة خلو كل المعاهدات والاتفاقيات التي وقعها الأردن ومصر ومنظمة التحرير مع دولة الاحتلال الإسرائيلي من أي نص على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، وحقيقة المخاطر الكامنة على الأردن نتيجة لذلك، في الحرب وفي السلام على حد سواء، جديرة بأن تدفع الأردن إلى إعادة النظر في معاهدته مع إسرائيل لسد ثغرة فيها سوف تظل تهدد بنسفها كما هو الحال الآن حيث "الثقة السياسية أصبحت من الماضي" وحيث "كان حالنا أفضل .. قبل ان يوقع أبي معاهدة السلام" كما قال الملك عبد الله الثاني للوول ستريت جورنال في الخامس من هذا الشهر. * كاتب عربي من فلسطين [email protected]*