نشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية تحيقاً أعده جيسون بيرك هو الاول منضمن ثلاثة تقارير تنشرها الصحيفة عن المملكة العربية السعودية ونفوذهاالواسع في العالم العربي بصفتها اغنى دوله، وكيف تعتزم الحفاظ على ذلكالنفوذ وسط منطقة مشتعلة بالثورات. وهنا نص التحقيق: "كان اجتماعا هادئاللغاية في قلب الريف الإنجليزي. المتحدث الرئيسي كان الامير تركي الفيصل،أحد أكثر أمراء السعودية شهرة وأفضلهم اتصالا بعلاقات عالمية. وكان الحضورضباطاً عسكريين أميركيين وبريطانيين. أما المكان فهو قاعدة سلاح الجوالملكي البريطاني مولزورث، وهي واحدة من ثلاث قواعد تستخدمها القواتالأميركية في بريطانيا منذ الحرب العالمية الثانية. والآن تشكل القاعدةمركز استخبارات حلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي يركز على البحر المتوسطوالشرق الأوسط، وهو مقر شاهق وسط الحقول الخضراء، الملتقى المثالي لمناقشةالمواضيع الحساسة التي يريد طرحها الأميرتركي، الرئيس السابق للاستخباراتالسعودية. بعد أن روى حكاية قصيرة حول كيف استمع فرانكلين روزفيلت الى وينستونتشيرتشل يقول له وهو (تشيرتشل) عار أنه لا يجب إخفاء أي شيء بينهما أو بينبلديهما، انتقل تركي إلى هذا الموضوع: "العقيدة الأمنية الوطنية السعوديةللعقد المقبل". ولمدة نصف ساعة، تحدث الدبلوماسي المخضرم، وهو سفير سابق لبلاده في واشنطن،ومرشح ليكون وزير الحارجية التالي في الرياض، مقدما لجمهوره مسحا شاملا عنمصادر قلق بلاده في إقليم تسوده تغيرات كبرى. وقال إنه، مثل تشرتشل، "ليسلدى المملكة ما تخفيه". وحتى لو كانوا يريدون ذلك، فإن قادة المملكة الصحراوية كانوا سيواجهونصعوبات كبيرة في إخفاء قلقهم من التطورات المذهلة في العالم العربي، التيلم يجلب الكثير منها – باستثناء عائدات بيع النفط بسعر 100 دولار للبرميلمعظم السنة- الارتياح إلى الرياض. واكبر التحديات من وجهة نظر حكام المملكة هي صعوبات الحفاظ على الاستقرارفي المنطقة التي يساقط فيها فيها حكام مستبدون بقوا في السلطة لعقود واحداتلو الآخر، والمحافظة على الأمن في الوقت الذي تتيح فيه الفوضى الناتجةالفرصة لجماعات الاعداء المختلفة، والإبقاء على علاقات جيدة مع الغرب،وربما الأهم؛ التاكد من أن إيران، أكبر ولكن أفقر خصم إقليمي تاريخي ودينيلا يبعد كثيرا عن المنطقة الشرقية السعودية، لا تخرج فائزة بينما تستمرتقلبات الربيع العربي هذا الصيف. ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن وزير الداخلية السعودي الامير نايف، الثانيفي صف ولاية العهد السعودية، قوله: "الملك، وولي العهد، والحكومة لا يمكنهمتجاهل الأوضاع العربية، نحن نعيش الوضع العربي ونأمل أن يعود الاستقرار". وأضاف الأمير المعروف بآرائه المحافظة أن احتمال "وجود تدخل خارجي لإطالةأمد الفوضى والقتل بين أبناء الأمة العربي، لا يمكن تجاهلها". وتبقى إيران، الدولة ذات الغالبية الشيعية والملتزمة بأيديولوجيا إسلاميةسياسية متشددة، مصدر قلق من هذا النوع في السعودية وهي دولة سنية بشكلأساسي تحكمها عائلة آل سعود منذ تأسيسها عام 1932. ويرى محللون أن الخطواتالتي اتخذتها المملكة مثل دعوة الأردن والمغرب، وهما مملكتان سنيتان،للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي، المؤلف من دول استبدادية سنية، هي جزءمن جهود الرياض لتعزيز الدفاعات ضد إيران. وكذلكالامر بالنسبة الى نشر قواتسعودية تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي في البحرين، حيث وقعت مظاهرات ذاتطابع شيعي للمطالبة بحقوق ديموقراطية أكبر من حكامها السنة. وتخشى الرياض من أن الشيعة الذين يشكلون 15 بالمئة من المواطنين السعوديين–والذين يعيشون بشكل أساسي في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط- قد يتحركوناستجابة لدعوة إيرانية للتعبئة. وقال مسؤول في وزارة الداخلية السعودية: "هذا نوع من الصراع الأيديولوجي". وصف الأمير تركي إيران في اجتماع مولزوورث بأنها "نمر من ورق" بسبب"حكومتها غير الفعالة، التي لا يمكنها أن تبقى في الحكم ما لم تحقق ازدهارااقتصاديا يهدئ شعبها، وهي لا تفعل ذلك الآن"، وأضاف أن الدولة رغم ذلكتملك "مخالب حديدية، تشكل أدوات فعالة للتدخل في الدول الأخرى". وقال تركي إن طهران فعلت ذلك مع عواقب "مدمرة" في دول ذات مجتمعات شيعيةكبيرة مثل العراق، التي تتخذ "اتجاها طائفيا تحت تأثير إيراني، إضافة إلىدول أصغر مثل الكويتولبنان. وحذر الأمير من أنه ما لم يغير العراق طريقه،فإن الرياض لن تلغي ديون بغداد التي تبلغ عشرين مليار دولار (12.5 مليارجنيه استرليني) أو ترسل إليها سفيرا. وما أثار قلق الدبلوماسيين الغربيين كان تهديد الأمير تركي الضمني من أنهإذا بدت إيران قريبة من الحصول على أسلحة نووية، فإن السعودية ستتبعها، مايهدد بوقوع حرب نووية بين القوتين. وقال تركي: "تطوير إيران لسلاح نووي سوفيجبر السعودية على اتباع سياسات يمكن أن تؤدي إلى عواقب دراماتيكيةكثيرة". وأخبر مستشار سعودي كبير صحيفة "ذي غارديان" أن "من غير المعقول أن يأتي يوم تمتلك فيه ايران سلاحا نوويا ولا تمتلك السعودية مثله". وقال: "إذا واصلوا بنجاح برنامجا عسكريا، فسنحذو حذوهم". وفي الوقت الحالي كما قال الأمير لمستمعيه "تفعل العقوبات (ضد إيران) فعلهاعلى أي حال"، والضربات العسكرية ستكون لها "نتائج عكسية". أحد الخيارات، كما قال الأمير للحاضرين، قد يكون "عصر" إيران من خلال تقليصأرباحها من النفط، وأوضح أن هذا أمر في يد السعوديين. وهم مؤهلون تماماللقيام بذلك بسبب قدرتهم على ضخ كميات إضافية، وامتلاكهم ثروات كبيرة. وكان المال منذ وقت طويل أداة مهمة في السياسة الخارجية للسعودية. ويكشفخطاب تركي المدى الذي تعتمد فيه السعودية على ثروتها لشراء النوايا الحسنةودعم الحلفاء. فلمواجهة النفوذ السوري في لبنان وحزب الله الشيعي هناك،أنفقت السعودية 2،51 مليار دولار منذ العام 2006. وستصل عدة مليارات أخرى للفلسطينيين، إما مباشرة أو عن طريق السلطةالفلسطينية، بحسب ما ذكره تركي. ثم "هناك 4 مليارات دولار كمنح وقروضوودائع لدى حكومة مصر الناشئة"، كلها دون شروط، وهذا يتناقض إلى حد كبير معالقروض المشروطة التي وعدت الولاياتالمتحدة وأوروبا بتقديمها. وهذا مؤشر على "التباين في القيم بين المملكة والحلفاء الغربيين" وفقا للأمير. والهدف من هذا الإنفاق- وهو جزء صغير من احتياطيات الدولة البالغة 550مليار دولار- هو التقليل إلى أدنى حد من النوايا السيئة تجاه السعودية لدىشعوب الحكام المخلوعين، الذين كانت الرياض تدعمهم في السابق. وكان الملك عبد الله، الذي حكم السعودية منذ العام 2005، قد دعم في الأصلحسني مبارك، وقيل انه تدخل شخصيا لصالحه لدى الرئيس الأميركي باراك اوباما. وقال د. مصطفى العاني، من مركز ابحاث الخليج في دبي: "تقديرات الرياض بسيطةجدا :لا يمكن وقف الربيع العربي ولذلك فالسؤال هو كيف يتم التأقلم معالحقائق على الأرض. وحتى الآن ليست هناك عدائية من الناحية السياسية أوالشعبية للسعوديين داخل تونس او مصر، أو أي بلد آخر". أحدى القضايا الصعبة هي "الضيوف غير المرغوب فيهم". وللسعودية تقاليد طويلةفي عرض مكان للتقاعد للدكتاتوريين السابقين، ويوجد في المملكة حاليا اثنانمنهم هما التونسي زين العابدين بن علي، واليمني علي عبد الله صالح. ويُقالأن بن علي تم إسكانه في فيللا على شاطئ البحر الأحمر. أما صالح فيُعالج فيمستشفى فاخر من الجروح التي نتجت عن قنبلة أجبرته على الفرار من البلادالتي حكمها 33 عاما كرئيس للجمهورية، ويتعرض الآن للضغط من مضيفيه ليتقاعدبشكل كامل. الحكام الإقليميون الآخرون يتعرضون لضغط ملطف للتخفيف من حملاتهم، ويعودالسبب جزئيا إلى استجابتهم للتنديدات الغربية بخصوص انتهاكات حقوقالأإنسان، وفقا لأحد المسؤولين. وتظل اليمن، على أي حال، مصدر قلق أمني كبير للسعوديين، القلقين من وجودناشطين إسلاميين ومتمردين من الشيعة، ينظرون إليهم، مجددا، كعملاء لإيران. وقال مسؤول في الخارجية السعودية: "من المهم للغاية أن نتأكد من ان اليمن مستقر وآمن، وخال من اي صراع داخلي". واعرب تركي في خطابه في بريطانيا عن القلق من أن المناطق النائية في اليمنتحولت ملاذاً آمناً للإرهاب شبيها بالمناطق القبلية فيباكستان. والى جانب المال، استخدم الدين ايضاً كسلاح في السياسة الخارجية السعودية. وقد اتخذ الملوك السعوديون منذ 1986 لقب خادم الحرمين الشريفين – في مكةوالمدينة – وبالتالي "فان (المملكة) تشعر بانها الزعيمة البارزة للعالمالاسلامي"، كما قال تركي. وتتحدى ايران هذا الادعاء. ومن دواعي القلق الرئيسية للغرب تصدير الاتجاهات الاسلامية المتزمتةواحياناً غير المتسامحة. وبين الثورة الايرانية في العام 1979 وهجمات 11ايلول (سبتمبر)كان ذلك يعد جزءاً رئيسياً من الساياسة الخارجيةالسعودية.وارضى هذا ايضاً طبقة علماء الدين على الصعيد الداخلي. وفي العقدالماضي بذل جهد كبير لخفض تمويل التطرف في الخارج. ويقر الناطقون باسمالحكومة بان النتائج مختلطة. وقال مسؤولون كبار في جمعيات خيرية سعودية لصحيفة "ذي غارديان" ان عملهمليس "غير سياسي" وحسب، وانما يتجنب ايضاً أي محاولة لنشر الوهابية، وهوالاسم الذي كثيراً ما يطلق على الممارسة السعودية للاسلام النقي من البدع.