لم يزر الشاعر الروسي بوشكين بعض العواصم . كل مشكلته هي الشعر . كان يزور قبور موتى أقاربه عبر التراسل باللغة، ولأنه شديد الاعتداد بنفسه طلب مبارزة أحد الجنرالات بالمسدس، لكن الشاعر مهما كان متهوراً بفعل المخيلة الشعرية لديه، فإنه لن يكون أكثر مهارة في إطلاق الرصاص على خصمه من جنرال متدرّب ومزوّد بالفولاذ الذي يحيط بعائلته ووزرائه وكلاب حراسته . انتصر الجنرال على الشاعر . مات بوشكين من الطلقة الأولى في صدره . في ذلك الصدر كان قلبه، وفي ذلك القلب كانت تسكن حبيبته . بعد سنوات، وبالصدفة، وعندما بدأ الربيع الروسي القديم يتمدد مجازياً وربما واقعياً إلى الخريطة العربية، استعاد بوشكين عافيته . فجأة رأى خريطة طريق تدله إلى الشرق العربي الذي يحبه قلبه، ولأنه يحب الشمس ويظنها رغيف الحرية اكتشف بفطرته الإنسانية، ذلك التناقض العجيب بين كل تلك الكتب الفكرية التي وضعها ماركس ولينين حول ضرورة الحرية، وإرادة الشعب أو حق التعبير والكرامة، والمجد والإنسان والعدل والمساواة . . فاختار أن يعمل حلاّقاً . الأمر بسيط . . مقصّ . . .وقَصَّة . قَصَّ بوشكين روسيا من غرّتها أولاً وأزالها عن الخريطة الجغرافية العالمية . هكذا في لحظة نزوية انفعالية أزال بوشكين بلاده عن الخريطة . بل، لم يكتف بذلك فراح يزيل بمقص الحلاّق بلداناً أخرى تشبه روسيا بلده العزيز على قلبه مثل الصين التي يجري في سورها العظيم دم بشري أحمر، هو بصورة أخرى دم ذلك الشعب الذي بنى الاسطورة من الحجارة، وهو نفسه الشعب الذي يمكنه في لحظة ما أن يأكل الحجارة . . . بوشكين، أو حلاّق روسيا “الإفتراضي” هنا، يُمكن استعادته بصورة عربية وقد تخفف تماماً من محمولاته الأيديولوجية، وتحرر كلياً من كذب الدولة والحزب وهو يرى يومياً أنه في قلب تلك الحالة المأساوية من المبارزة بينه وبين الجنرال . المبارزة بالتأكيد ليست متكافئة من حيث القوة، فالجنرال معه جيش، والشاعر معه ريشة في رأس قلمه، لكن طبيعة صراع الضعيف مع القوى تشير دائماً إلى أن الشاعر سيحلق رأس الجنرال مهما تسلّح هذا الأخير بما يسمى “الفكر الجائع” . الديكتاتور الجائع يأكل شعبه بالتأكيد، ولكنه في النهاية سيأكل نفسه . الخليج