منذ انطلاقة الثورة الشبابية الشعبية في فبراير 2011، والأحزاب والقوى السياسية في حالة حراك مضطرد، إماً بحثاً عن دور و موقع في يمن ما بعد الثورة، أو تجنباً لمصير يتهدد الحزب الحاكم والقوى السياسية و الاجتماعية التي ارتبطت بالنظام. وفي الوقت الذي سارعت فيه أحزاب اللقاء المشترك المعارض للالتحام بالثورة، كان المؤتمر الشعبي الحاكم يعيش حالة تذمر داخلية، أفضت إلى استقالة العشرات من قياداته التي أعلنت تأييدها للثورة، وانضوت فيما بعد في إطار سياسي جديد باسم: تنظيم العدالة و البناء. بالإعلان عن التنظيم الوليد توالت التساؤلات عن خارطة ما بعد الثورة من قبيل، هل تنتقل السلطة إلى اللقاء المشترك المعارض، وتنتهي حقبة المؤتمر الشعبي العام؟ و أين موقع الحراك الجنوبي و جماعة الحوثي مستقبلاً؟ و ماذا عن تمثيل شباب الثورة في السلطة؟. هذه الأسئلة وغيرها كانت مثار نقاش جاد و محتدم في مختلف الساحات الثورية، وتجاورت مع شعارات صاخبة عنوانها الأبرز: لا حزبية لا أحزاب.. ثورتنا ثورة شباب. لكن بمرور أيام الثورة، تبين أن غالبية الثوار كانوا حزبيين و ينشط عدد كبير منهم في إطار التوجيه الحزبي، الأمر الذي دفع باللقاء المشترك المعارض للتعاطي مع المقترحات السياسية التي نقلت مطلب التغيير الشعبي من مربع الثورة إلى مربع الأزمة، فجاءت المبادرة الخليجية التي اعترفت بطرفين أساسيين في المشهد السياسي اليمني: المؤتمر الشعبي العام، واللقاء المشترك المعارض. - المؤتمر الشعبي العام:- برغم الثورة لا يزال المؤتمر الشعبي العام في حكم الحزب الحاكم في اليمن، ورغم الانشقاقات التي تعرض لها الحزب منذ أشهر وخروج عدد من قياداته إلى صفوف الثورة و المعارضة، إلا أن المبادرة الخليجية تمنح بقية الحزب الحاكم فرصة البقاء في السلطة كشريك أساسي خلال الفترة الانتقالية التي قد تمتد إلى أكثر من سنتين حسب الآلية التنفيذية للمبادرة. غير أن الحزب الذي ارتبط بالرئيس صالح معرض للتفكك بمجرد خروج صالح من المشهد السياسي اليمني، وقد ينحسر تماماً مع إجراء أول انتخابات نيابية عقب الثورة، وهو ما يفسر نزوح كوادر الحزب وانضمامها لتكتلات حزبية أو ثورية جديدة. الإيجابي هنا أن قوى الثورة لا تتجه – حتى الآن- إلى حل الحزب الحاكم كما حدث في مصر و تونس و العراق من قبل، بل وثمة من يراهن على المؤتمر الشعبي كعامل في معادلة التوازن السياسي المستقبلية. لكن السلبي هنا أن المؤتمر يعمل بقوة في توجيه و قيادة الثورة المضادة، ولن يكف عن هذا الدور خلال الفترة الانتقالية، وهو أمر قد ينعكس سلباً على الثورة وبالأخص أن أداء القيادات المؤتمرية التي تصدرت المشهد الإعلامي يجعل منها و من الحزب شريكاً في الجرائم التي طالت الثوار بمختلف ساحات الحرية و التغيير. - اللقاء المشترك المعارض:- بحسب المبادرة الخليجية، فإن زمام السلطة باليمن خلال الفترة الانتقالية سيكون بيد اللقاء المشترك وعلى رأسه حزبي الإصلاح و الاشتراكي، مع إسناد من المجلس الوطني لقوى الثورة السلمية الذي يضم القوى القبلية والعسكرية المنظمة للثورة، بالإضافة إلى ممثلين عن أحزاب المشترك و الأحزاب الممثلة في لجنة الحوار والوطني، و قلة من الشباب والنساء. و ما لم تطرأ مستجدات مغايرة لمسار الثورة و التسوية، فإن فرصة اللقاء المشترك ستكون الأفضل في أول انتخابات نيابية بعد الثورة، وسيكون حزب الإصلاح تحديداً على موعد مع نجاح آخر للإخوان المسلمين في ظل الربيع العربي. وعليه فإن السلطة مستقبلاً ستكون برسم الإصلاح و المشترك، فيما يبقى تشكل خارطة المعارضة رهن أداء القوى السياسية والثورية خارج اللقاء المشترك، و منها:- - الحراك الجنوبي:- لا يوجد طرف واحد يمثل الحراك الجنوبي، بيد أن القضية الجنوبية محل إجماع الجنوبيين، وباتت على رأس أجندة القوى السياسية و الثورية، ويمكن لليمنيين التوافق على شكل النظام السياسي المستقبلي في إطار حوار وطني شامل يفضي إلى معالجة واقعية للقضية الجنوبية تقوم على أساس الفيدرالية. على أن التلاقي والتقارب بين القيادات الجنوبية في الخارج مع مثيلاتها في الداخل، قد يفضي إلى إعلان إطار واحد يمثل الجنوب / القضية، فيما يبقى التمثيل السياسي محصوراً بدرجة أساسية في حزبي الإصلاح و الاشتراكي. - جماعة الحوثي:- ينظر للحوثيين كجماعة مسلحة في الأساس، لكنهم استطاعوا خلال الأشهر الماضية تغليب الوجه المدني في مختلف الساحات، ما ساعدهم على التقارب مع كثير من الأحزاب و القوى الثورية، ومع أن الجماعة ليست ممثلة في المجلس الوطني القريب من المشترك إلا أن علاقاتها بأحزاب اللقاء المشترك ما تزال جيدة، و يمكن استثمار هذه العلاقة بشكل أفضل مستقبلاً. بيد أن الحوثيين مع معظم شباب الثورة غير متحمسين للمبادرة الخليجية، ما يعني صعوبة اشتراكهم في السلطة خلال الفترة الانتقالية. وفوق ذلك ما يزال من السابق لأوانه الحديث عن موقع الجماعة في السلطة أو المعارضة ما داموا خارج الخارطة الحزبية حتى الآن. ( للعلم فإن الجماعة حالياً شريكة في السلطة بمحافظتي صعدة و الجوف، و إذا اختاروا خط المعارضة خلال الفترة الانتقالية، فهذا يعني أنهم كمن يضع رجلاً في السلطة و أخرى في المعارضة). وتواجه الجماعة اليوم تحديات عديدة، فهي إذ تجذب كثيراً من الشباب و من النازحين عن الحزب الحاكم، فإنها لم تقدم بعد الإطار السياسي للراغبين من أعضاء الجماعة الانخراط في النشاط العام، بل على العكس يحرص الحوثيون على التمدد التنظيمي في إطار تعبئة مذهبية، يجعل من الجماعة وجهاً آخراً للأصولية الدينية في اليمن. يشار إلى أن الحوثيين يدعمون حالياً الملتقى العام للتنظيمات الثورية الذي يجرى تشكيله في معظم المحافظات والمديريات، وينتظر أن يشكل إضافة نوعية لقوى الثورة السلمية، وقد يساعد الجماعة على الفكاك من فخ العصبية الدينية المحدقة بحاضر و مستقبل الحوثية. - السلفيون:- خلال الأشهر الأولى للثورة، عقدت عدد من الجماعات السلفية ملتقى عام في تعز، تعاطى بشكل إيجابي مع ثورة الشباب، و دل على أن السلفيين قد ينخرطون في العمل السياسي/ الحزبي مستفيدين من التجربتين الكويتية و المصرية. وإذ تشترك القاعدة الشعبية للسلفية مع قاعدة الأخوان المسلمين، فإن الخطاب السلفي يعد الأقرب لفكر تنظيم القاعدة و الجماعات الإرهابية، ما يفرض على السلفية مواقف أكثر وضوحاً تجاه الإرهاب إن هي انخرطت في التعددية الحزبية، وفوق ذلك سيكون من العسير على السلفيين التميز سياسياً عن التجمع اليمني للإصلاح، إذ الموقف من الحزبية والانتخابات هو الفارق الأبرز بين الأخوان والسلفيين. - تشكلات جديدة:- إلى جانب الخارطة السياسية التقليدية يبدو أن التغيير الثوري يتجه نحو خلق كيانات سياسية جديدة بعضها مرتبط بالساحات الثورية، والبعض الآخر مرتبط بالقوى التقليدية، فلا شك أن التحالف الوطني المرتبط بالحزب الحاكم سيكون الأقرب إلى التداعي، خاصة وأنه يضم أحزاب صغيرة مستنسخة عن أحزاب أصيلة مؤطرة في اللقاء المشترك. وإذا كان من الطبيعي أن يبقى تحالف المشترك قائماً خلال الفترة الانتقالية، فقد ينفض هذا الإطار في أقرب تنافس انتخابي، و هذا يعني أن خارطة المستقبل ستعود إلى تشكلاتها الأولى، كأحزاب سياسية قد تتشارك في حكومة ائتلافية، لكن خارج الإطار القديم الناظم لأحزابها. وسيكون على الأحزاب الصغيرة [ والجديدة] داخل المشترك و [خارجه] البحث عن إطار توازني معارض مقابل السلطة المستقبلية التي يرجح أن يكون قوامها الرئيس من الإصلاح و الاشتراكي.