طالب الرئيس العراقي المؤقت غازي الياور في مقابلة مع فضائية "العربية" من باريس نهاية الأسبوع الماضي بإطلاق سراح وزير الدفاع العراقي السابق سلطان هاشم. قال: إن هاشم لم يرتكب جرما وانه لم يكن متورطا في عمليات طالت الأكراد ومن ضمنها حلبجة.وشرح أن الرجل عسكري محترف يمكنه أن يلعب دوراً مهماً في إعادة اللحمة إلى الجيش العراقي.وطالب الياور في هذا الصدد بدفع رواتب العسكريين في الجيش المنحل واختيار العناصر الجيدة ليتكون منها الجيش الجديد. لم يطلق الياور هذا الكلام من بغداد وإنما من العاصمة الفرنسية التي ذكر مسؤولها تكرارخلال الفترة الماضية أن احتلال العراق غير شرعي وان الخطوات التي اتخذتها السلطات الأمريكيةالمحتلة كانت خاطئة إلى حد جعلت العراقيين بأكثريتهم الساحقة يناهضون المحتل بالسلاح تارة وبالعصيان تارة أخرى وبالانتخابات بالنسبة للبعض الثالث الذي يعتقد أن الاقتراع هو اقصر الطرق لخروج المحتل من ارض الرافدين. تحدث الياور عن إطلاق سلطان هاشم من باريس التي انتقدت بشدة قرار حل الجيش العراقي ومؤسسات الدولة العراقية وطلبت ممن يعنيهم الأمر بإعادة العسكريين إلى صفوف الجيش عل ذلك يؤدي إلى وضع حد للانتفاضة المسلحة المنسوبة بأكثريتها الساحقة إلى أعضاء سابقين في الجيش العراقي المنحل. أغلب الظن أن الياور لم يطلق تصريحه بطريقة عفوية من العاصمة الفرنسية فهل يتصل الأمر بمحاولة فعلية لإطلاق وزير الدفاع السابق الذي قاتل الأمريكيين بأوامر الرئيس صدام حسين وحاز على تقدير أعدائه الذين تحدثوا عن مهنيته وخبرته وقيادته العسكرية المرموقة قبل سقوط بغداد؟ قبل الإجابة عن السؤال لا بد من الإشارة إلى مقابلة مدير المخابرات العراقية الحالي مصطفى الشهواني التي تناقلتها وسائل الإعلام منذ عشرة أيام ومن ابرز ما ورد فيها تأكيده وهو في موقع العليم أن عدد أفراد المقاومة العراقية يصل إلى 200 ألف نسمة وان معظم المقاومين هم من العسكريين العراقيين السابقين، بالتالي ليسوا جماعة ضئيلة العدد من الغرباء او الزرقاويين كما يردد بلا خجل حتى اليوم قسم كبير من الإعلام العالمي نقلا عن المسؤولين في البنتاغون والخارجية الأمريكية. والمفيد في تصريحات الشهواني هو أنها تأتي هي الأخرى بعد استفتاء أمريكي للرأي العام العراقي تبين من خلاله أن 90 بالمئة من العراقيين يريدون رحيل الاحتلال في أسرع وقت ممكن وان النسبة ذاتها أو أكثر لا تحب الولاياتالمتحدةالأمريكية. وأخيراً تتزامن هذه التصريحات مع إعلان أمريكي عن إرسال جنرال رفيع المستوى إلى العراق لإعادة تقويم أداء القوات الأمريكية التي تتعرض لخسائر متصاعدة في عمليات عسكرية تشمل معظم الأراضي العراقية ناهيك عن الخسائر الباهظة التي تتعرض لها قوات الشرطة والحرس الوطني العراقي الذي يعمل مع قوات الاحتلال. ما من شك إن الحديث عن إطلاق وزير الدفاع العراقي وسط هذه المؤشرات يفصح عن قناعة تترسخ يوما بعد يوم من أن الاحتلال لن يتمكن من القضاء على المقاومة العراقية المسلحة بوسائله الخاصة وان الحل يكمن بإعادة الاعتبار للجيش العراقي وبالتالي التخلي عن قرار حله وإعادة قائده وعناصره إلى الخدمة أو التقاعد ومن ثم اعتماد نتائج الانتخابات كمدخل لتسليم زمام الأمور إلى سلطة جديدة ومن بعد الرحيل من العراق والقول بنصف انتصار بدلاً من هزيمة محققة وفقاً للمعطيات المتوافرة حتى الآن . ذلك أن نصف الانتصار يمكن تحويله في وسائل الإعلام إلى انتصار كامل . ويظل في كل الحالات أفضل من الهزيمة. وحتى لا يبدو أن قوات الاحتلال قد خضعت لإرادة المقاومة لربما تعمد الإدارة الامريكية إلى التخلي عن المدن للقوات العراقية على أن تتجمع الوحدات العسكرية في مواقع وثكنات محمية بعيدة عن المناطق ذات الكثافة السكنية الكبيرة بحيث تتمكن من الدفاع عن نفسها بطريقة أفضل.ولكي يتم ذلك لا بد من تسوية تتيح تحييد العسكريين العراقيين السابقين عبر وزير دفاعهم المحترم سلطان احمد هاشم. إن صح هذا السيناريو فانه يوحي بان المسؤولين في واشنطن يفكرون هذه الأيام بطريقة هوليودية وذلك لأسباب عديدة من بينها إن عودة سلطان هاشم تعني عودة الجيش العراقي إلى الساحة السياسية العراقية وليس إلى الثكنات فقط وتعني أيضا عودة النظام السابق بطريقة أو أخرى مطروحاً منه رئيسه. ومع عودة النظام السابق أو ما يشبهه سيكون من الصعب أن يقبل العائدون من الاعتقال بسلطة العائدين من المنافي وبالتالي سيكون من العسير تحديد من يحاكم ومن لا يحاكم من قادة النظام وكوادره العليا ومن يعود أو لا يعود إلى الوظائف العامة. يبقى الحديث عن قبول سلطان هاشم بشروط إطلاق سراحه، أي العودة إلى الجيش وتجميعه وفق خطة المحتل.لماذا يقبل الرجل الذي ظل مخلصاً لبلاده حتى آخر لحظة بشروط المحتل خصوصا عندما يدرك أن إطلاقه تم بسبب ضغط المقاومين؟ ألا يفترض به أن يطرح شروطه الخاصة والتي تستجيب مع رغبات وأماني جنوده الذين قاتلوا حتى لا يفرض المحتل إرادته على بلادهم؟ الاعتقاد الراجح أن الفخ الذي يحيط اليوم بالولاياتالمتحدةالأمريكية في العراق بدأ يضيق أكثر فأكثر بحيث صار المحتل يقبل بما كان يستبعده على الإطلاق قبل شهرين وقد يضطر بعد شهرين إلى القبول بما كان يرفضه قبل شهر وكلها علامات لا توحي بالثقة لا لقواته ولا لحلفائه ولا للمتعاونين معه. إنها سيرورة كلاسيكية عرفنا ما يشبهها في كل الدول التي احتلت أراضيها واستطاعت مقاومتها أن تزيل الاحتلال بلا قيد أو شرط.... لو كان يعرف الرئيس بوش ذلك لربما بقي العراق سالماً من الاجتياح ولو يعلم اليوم ما سيجبر على علمه بعد اشهر لربما يخسر اقل. في اللغة تستخدم كلمة لو بعد فوات الآوان ولعله قد فات فعلاً بالنسبة للاحتلال .