يجري الاستعداد على قدم وساق للدورة الستين للجمعية العامة لهيئة الأممالمتحدة التي سيعقد في إطارها لقاء قمة زعماء العالم (14 – 16 سبتمبر الحالي). وسيغدو هذا المحفل حدثا انعطافيا ليس بالنسبة الى مصير هيئة الأممالمتحدة اللاحق فقط ، بل لحد كبير بالنسبة إلى جميع منظومة العلاقات الدولية في ظروف العولمة. وتبذل الجهود من أجل أن تساعد الدورة على إعلاء الدور التنسيقي لهيئة الأممالمتحدة في مجالات التعاون الحيوية ، وتعزيز منظومة الأمن الجماعي ، وبناء نظام دولي مستقر وعادل. ومن المهم ان تتكلل القمة بتلاحم الدول أكثر ، وبتثبيت تواصل أهداف ومهام بيان الألفية ، وتقوية الجهود من أجل بلوغها ستكون دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في هذا العام يوبيلية فهي الستون في تاريخ المنظمة. وقد أدت الأممالمتحدة خلال العقود الستة بأكملها وظيفة فريدة كان بوسع جميع الدول في عهود المجابهة الثنائية القطبية "الحرب الباردة" أن تصوغ فيها وجهة نظرها وأن تعول على أن يستمعوا اليها على أقل تقدير. وكانت الأممالمتحدة أيضا مجسدة لمفهوم القانون الدولي السائد في ذلك الحين والذي نص على الطابع المقدس لمبدأ عدم تدخل دولة في شؤون دولة أخرى. لكن هذا المبدأ لم يتسن تطبيقه دائما بالطبع. لأن مصالح الدول العظمى كانت تدفعها على الأغلب إلى انتهاك المبادئ المرعية. لكن رد الفعل المعنوي على أي توسع بالقوة كان حتميا من جانب الأممالمتحدة سواء أكان ذلك رد الفعل على تدخل الولاياتالمتحدة في غرينادا أم على دخول القوات السوفيتية إلى أفغانستان. وكان موقف المجتمع الدولي يجبر حتى أقوى الدول على المناورة والتخلي عن المظاهر الصارخة للعدوان المباشر. ولنتذكر أن الولاياتالمتحدة "دعتها" الى غرينادا سلطات الدول المجاورة لها الواقعة على الجزر وأن القوات السوفيتية ظهرت في أفغانستان حسب التفسير الرسمي بناء على طلب السلطات الأفغانية. وبالمناسبة لم تنقذهما هذه التعليلات من الشجب من جانب أغلبية الأعضاء في الأممالمتحدة وجعلت "الدولتين العظميين" في وضع محرج من العزلة السياسية. لقد ساعدت الحاجة الى الأممالمتحدة كساحة للحوار على العمر المديد لهذه المنظمة. ولنتذكر أن عصبة الأمم التي سبقت الأممالمتحدة لم يستمر وجودها سوى عقدين من السنين و "احترقت" في لهيب الحرب العالمية الثانية. بيد أن المشاكل بدأت تزداد لدى هيئة الأممالمتحدة بعد أن أصبحت "الحرب الباردة" في طيات الماضي وأخذ العالم يتحول من ذي قطبين إلى منظومة متعددة الأقطاب. أولا، يرى عدد من البلدان أن توزع القوى في مجلس الأمن يعكس الوضع السياسي قبل ستين سنة. وبالفعل لماذا تتمتع بالعضوية الدائمة فيه بريطانيا وليس ألمانيا؟ ولماذا لا تمثل أميركا اللاتينية على سبيل المثال في شخص البرازيل التي زادت قدرتها الاقتصادية خلال العقود الأخيرة من السنين؟ لماذا تهمل أفريقيا التي كانت متألفة كلها تقريبا في عام 1945 من مستعمرات؟ بيد أن كل محاولة "لإحلال العدل" يمكن أن تؤدي فقط إلى نشوء تناقضات جديدة. ومن الواضح أن الصين، مثلا، لا تريد أن ترى في مجلس الأمن على قدم المساواة معها اليابان حيث تنعكس الذكريات عن عدوان الطغمة العسكرية اليابانية في الثلاثينات والأربعينات على المنافسة الجدية بين هاتين الدولتين في أيامنا هذه. ومن سيمثل بالذات أفريقيا: جمهورية جنوب أفريقيا أم نيجيريا أم مصر؟ ثانيا، وهذا ليس أقل أهمية أن الولاياتالمتحدة المهيمنة في العالم المتعدد الأقطاب تسعى إلى تحريف مبادئ القانون الدولي بأن تتيح لنفسها ولحلفائها الحق في التدخل في عدد من الحالات. وعلى سبيل المثال للأغراض الإنسانية من أجل تلافي التطهير العرقي - وقد استغل هذا التعليل لدى التدخل في يوغسلافيا في عام 1999. ولمكافحة الإرهاب - كالعملية العسكرية ضد طالبان في أفغانستان. ولمنع صنع سلاح الدمار الشامل - الأمر الذي كان تعليلا رسميا للحرب العراقية (لكنها لم تجد في الحقيقة سلاح الدمار الشامل بيد أن نظام صدام أسقط مع ذلك). وماذا بعد ذلك؟ حرب ضد إيران التي تمارس الأبحاث النووية بالتطابق التام مع نص القانون الدولي التقليدي بعد توقيعها معاهدة عدم انتشار السلاح النووي والتزامها بمراعاته؟ أم حرب ضد فنزويلا تشافيس التي يتهمها الأميركيون بزعزعة الوضع في عدد من بلدان أميركا اللاتينية مثل إكوادور وبوليفيا اللتين تنتشر فيهما حركة الاحتجاج الشعبية؟ ومن الواضح أن مجموعة الذرائع الممكنة للتدخل المسلح يمكن أن تكون واسعة جدا. ومن الواضح بالدرجة نفسها أن الأممالمتحدة لا يمكن من حيث طبيعتها ذاتها أن توافق على رئاسة تلك القوى التي تصوغ نسخة جديدة للقانون الدولي. ولهذا تحققت العمليات العسكرية المذكورة أعلاه التفافا على الأممالمتحدة. وتعارض ثلاث دول من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بهذه الدرجة أو تلك الدول الأطلسية التي تعتبر نصيرة للتركيز على الإرغام على الديمقراطية بالقوة. ولكن يجب أن نكون في الوقت ذاته واقعيين. فقد أشير أعلاه الى أن الأممالمتحدة لم تتمكن حتى في سنوات ازدهارها من درء الكثير من العمليات العدوانية. إن إمكانات المنظمة محدودة جدا. وبوسع نقادها أن يذكروا دائما أن المنظمة لم تتمكن من منع إبادة الجنس في كمبوديا أو أنها التزمت الصمت عن أفعال الحكام أكلة لحوم البشر في أفريقيا الوسطى. لكن بمقدور الأممالمتحدة أن تفعل شيئا آخر فهو إظهار أن العالم المتعدد الأقطاب الحديث يقوم لا على القوة العسكرية فحسب بل كذلك على المثال الايجابي. حتمية تنشيط دور هيئة الأممالمتحدة في مجال تثبيت النظام العالمي على أساس سيادة القانون. الدعوة الى الالتزام بلا حيد بأحكام القانون الدولي وبالمبادئ المثبتة ضمنا في ميثاق هيئة الأممالمتحدة. مناقشة موضوع الحدود المسموح بها في استخدام القوة في إطار هيئة الأممالمتحدة ، وإعداد معايير الموافقة عليه من قبل مجلس الأمن الدولي. تناقش بصورة ملموسة الجوانب المختلفة لهذه القضية. و أن أهداف ومبادئ ميثاق هيئة الأممالمتحدة المترابطة يمكن أن تغدو أساسا لهذا الحوار. ومن الأهمية بمكان أن يجري النقاش حول هذه المسألة ليس بصورة منعزلة، بل بارتباط وثيق مع مناقشة مجموعة قضايا إقامة منظومة فعالة للوقاية من النزاعات والأزمات الدولية على أساس الاستخدام الأكمل للوسائل السلمية الفعالة في معالجة الخلافات الدولية ، وكذلك إقامة وتعزيز تعاون هيئة الأممالمتحدة مع المنظمات الإقليمية أما فيما يتعلق بمفاهيم " المسئولية عن الحماية" أن الدور الرئيسي في حماية السكان يجب أن تمارسه الدول التي يمكن لدى الضرورة ان تقدم المساعدة إليها من قبل المجتمع الدولي. كما يجب على هيئة الأممالمتحدة بدورها وفي إطار نشاطها في مكافحة " الكوارث الإنسانية" أن تصبح بمثابة الضامنة لدرء استخدام الدول أو المنظمات الإقليمية تدابير قمعية غير مرخص بها أو القيام بالتدخل العسكري. وفيما يخص اتخاذ القرار حول استخدام القوة لمواجهة خطر في داخل الدولة من أن مثل هذه التدابير ممكنة فقط إذا ما اعتبر مجلس الأمن الدولي أن الوضع المعين يشكل خطرا على السلام والأمن في العالم. علما بأن مفهوم "الخطر" يجب ألا يتجاوز الإطار المحدد في الباب السابع من ميثاق هيئة الأممالمتحدة. ويتسم بأهمية حيوية إعلاء فاعلية الجهود الدولية تحت رعاية هيئة الأممالمتحدة في مجال تقديم المعونة إلى الدول في مرحلة الانتقال من النزاع إلى إعادة البناء. . ومازال الإرهاب يشكل تحديا رئيسيا للأمن الدولي كالسابق، وهو يغير بحذق أساليبه وأشكاله. ويجب على التحالف المضاد للإرهاب الذي تشكل بموجب قرارات هيئة الأممالمتحدة أن يتصدى لهذا التحدي بانتهاج الخط المناسب مع قيام لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن الدولي بدور المنسق وتعريف الارهاب والمقاومة الشرعية ومساعدة الدول الفقيرة التي تنشط فيها الجماعات الارهابية ينبغي تلاحم الجهود الدولية في مكافحة خطر المخدرات الشامل وغسيل الاموال وغيرها من مظاهر العنف والدمار الاقتصادي والحد من انشار اسلحة الدمار الشامل وعدم الازدواجية في القرارات الدولية التي تسبب في وجود فوضى في العلاقات الدولية نتيجة احتلال العراق وتنفيد قرارات الشرعية الدولية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية فالفرصة سانحة في الوقت الراهن لتقوية دور الاممالمتحدة وبعد الفشل الامريكي في العراق الذي لم يستند للقرارات مجلس الامن * موسكو.. علاقات دولية وسياسة خارجية [email protected]