مايجري في العراق من نزيف مستمر للدم ودمار وخراب ومايتهدد هذا القطر الشقيق من مخاطر الانقسام التي تمس وحدته ومستقبله يفرض وقفة مسؤولة من قبل اشقائه العرب الذين لاينبغي لهم ان يظلوا مكتوفي الايدي او في موقف المتفرج ازاء مايجري في العراق دون ان يمدوا لهذا القطر يداً تحاول ان تلملم بعضاً من جراحاته الدامية وتساعد ابنائه بمختلف اتجاهاتهم واطيافهم السياسية والاجتماعية للخروج من هذا الوضع المتردي الذي يعيشه العراق منذ ان وطأت قوات الاحتلال الاجنبي أرضه سلبته سيادته واستقلاله ولعل أبرز مايواجهه العراق من تحد هو مايمس عروبته ودوره في اطار امته العربية . وانطلاقاً من ذلك جاء موقف اليمن المبكر الداعي الى ضرورة دور عربي ايجابي فاعل في العراق منطلقه الأسس التي تقوم عليها رؤيته القومية وحرصه على بقاء العراق بهويته العربية موحداً أرضاً وانساناً، مستشرفاً بذلك التحديات والأخطار التي يمكن ان تنجم عن الغياب العربي قبل الحرب والاحتلال و بعده.. وهو موقف صحته يؤكدها الادراك المتأخر للأشقاء بعد أن بدأت النتائج السلبية للغياب الجماعي العربي تتجلى واضحة في خطورتها ليس على وحدة العراق وهويته فحسب بل تمتد مترتبات الأحداث في منحاها المأساوي الى كل محيطه العربي ناهيك عن أن تداعيات هذا الغياب كان لها بالغ الأثر على العمل الجماعي العربي المشترك.. ومع ذلك فان تحرك الجامعة العربية رغم مايصاحبه من تأويلات وتفسيرات بقي مهماً فأن يأتي متأخراً خير من أن لا يأتي أبداً.. بالرغم من أن الحكم عليه مازال سابقاً لأوانه فالنتائج التي ستتمخض عنه هي من سيحدد طبيعته وحجمه واتجاهه، فإن كان يسير صوب انهاء الاحتلال الاجنبي لهذا القطر الشقيق والحفاظ على سيادته واستقلاله وأمنه واستقراره موحداً وتعزيز اللحمة بين كافة ابنائه على إختلاف فئاتهم وأطيافهم السياسية والاجتماعية عبر اتفاقهم على وثيقة الدستور الذي ينبغي أن يكون خلاصة لحوار وتفاهم وطني ويعبر عن اجماع كل العراقيين ليكون أساساً لبناء عراق ديمقراطي موحد بهويته العربية المجسدة لحقائق التاريخ والجغرافيا، المحققة للعراق عودة قوية الى انتمائه ومحيطه العربي، وبما يتناسب مع مكانته وامكاناته التي تتيح له الاسهام الفاعل في استعادة التضامن العربي وعلى نحو يستجيب بمعطيات الأحداث ومتطلبات مواجهة ومجابهة التحديات والأخطار في صورتها الراهنة والمستقبلية. هذه هي رؤية اليمن وموقفه الذي أكد عليه مجدداً فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية في خطابه الى ابناء شعبنا والأمة العربية والاسلامية بمناسبة حلول الشهر الكريم رمضان المبارك.. ولعل من الأهمية بمكان ايضاح أن وقوف اليمن ورؤيته لم تهمل تعقيدات وحساسية ودقة الوضع في العراق والصعوبات التي تواجهها أية جهود لاخراجه مماهو فيه مهما كانت ليعني ذلك ان طريق الجامعة العربية ليست مفروشة بالورود وماتعرض له في بغداد وفدها يؤكد هذه الحقيقة وبالقدر نفسه يؤكد موجبات الدور العربي واهميته التي تظل نجاحاته مرتبطة بالخطوات التي حققها في سياق التسريع من إنهاء الاحتلال بالتزامن مع النجاح في جمع القوى السياسية الممثلة لكل العراقيين على طاولة الحوار الموصل الى إنهاء تراكمات مشكلاته التي حلها لايكون الا بحوار أبنائه واتفاقهم على رؤية جديدة تعيد للعراق الأمن والاستقرار وفي اطار صيغة تحفظ له وحدته وهويته العربية على مداميكها تشيد هنا مؤسسات دولة العراق الجديد سياسياً واقتصادياً وثقافياً. بدون ذلك فإن الدور العربي المعبر عنه في تحرك الجامعة العربية سيظل محاولات مرهونة بدواعي آنية لاترقى الى مستوى الاستحقاقات المطلوبة منها، حتى يكون للعرب إسهام يعوض التأخير بما كان يتوجب القيام به مبكراً.. ومن ثم الحيلولة دون وصول تداعيات الأحداث في الى العراق الى ماوصلت اليه اليوم وهذا يفترض ان يكون تحرك الجامعة العربية، هو ترجمة لاستيعاب قيادة دولها لضرورة حضور الدور العربي الجاد القادر على إخراج العراق من حالة الإحتقان السياسي والإجتماعي العرقي والمذهبي الذي عمقته الحرب والإحتلال وهذا يقتضى دعماً صادقاً وملموساً.من كل العرب قادة وشعوباً لجهود الجامعة العربية وإفتراض أن الاحتلال بحاجة الى مثل هذا الدور لو صح يمكن الاستفادة منه وتوظيفه في مصالح إستقلال وإستقرار العراق الديمقراطي الموحد الجديد وعودته معافى الى أحضان أمته العربية والاسلامية دون أن يكون ذلك على حساب مصالح أبنائه وتنوعهم الثقافي الذي يمكن أن يكون مرتكزاً مهماً لنهوضه وتطوره الداخلي ونموذجاً مغايراً للأطروحات الخارجية والمشاريع التي تحاك لفرضها على دول المنطقة بعد أن فشلت في العراق.. معطياً بذلك صورة واضحة أن الديمقراطية والإصلاحات السياسية لا يمكن أن تتحقق كمحصلة لفرض وإملاء خارجي ولو بالقوة لكنها تأتي تلبية لإحتياجات داخلية، العامل الخارجي في أحسن الأحوال ليس الاَّ داعماً ومسانداً لتحقيقها.. ويبقى السؤال: هل الجامعة العربية ستنجح في العراق وتبدد ما يلف دورها من ضباب أسهم العراق في تكاثفه.. مستعيدة مكانتها لدى المواطن العربي؟ الحكم على ذلك متروك لقادم الأيام!. وقلوبنا على العراق النازف جرحه بغزارة والذي تموج في داخله الاحداث المتسارعة وباتجاهات تجعل هذا القطر الشقيق واحلام ابنائه وتطلعاتهم في مهب الريح وعلى طريق المجهول.