أخر النصائح الواردة إلى مكتب الرئيس الأمريكي جورج بوش تشير إلى خطأ منهجي في السياسة الخارجية الموجهة والحاضنة أو التي حاولت احتواء الجماعات الدينية في منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الأربع أو الخمس الماضية. وتقترح على إدارة الرئيس بوش تغييراً جوهريا في سياسة الانفتاح الاندفاعي الذي انساقت إليه ضمن توجهات مشاريع الإصلاح والتغيير عقب 11سبتمبر2001م وكان من نتائجها الفادحة بحسب الخبراء استقواء الأحزاب والجماعات المتشددة في المنطقة بالحالة السياسية الأمريكية الطارئة .. ومجاراة الغزل الأمريكي لانتزاع إنجازات نوعية واكتساب قوة إضافية متزايدة في بلدانها والفضل يعود إلى السياسة الأمريكية التي انقلبت على نفسها بصورة كاملة وتصورت استخدام "الإخوان" كورقة ضغط على الحكومات والتلويح ببديل محتمل وجاهز في لعبة "الشرق الأوسط الجديد" وهو ما صادف هوى وقبولا من قبل الإخوان نكاية بحكوماتهم من جهة وطمعاً في تحالف قوي يبعدهم عن دائرة الاشتباه والإدانة بالإرهاب والتطرف ويقربهم من كراسي الحكم والسلطة من جهة ثانية.. فيما أمريكا اعتقدت أو توهمت أنها بذلك تحل مشكلة الإرهاب والتطرف وتخرج الجماعات من عزلتها لإدماجها في الحياة السياسية والعمليات الديمقراطية مع ازدياد الاعتماد الأمريكي على برامج وسياسات الإصلاح السياسي و"الديمقراطي". لبعض الوقت لا غير ساد غزل انتهازي متبادل بين الجانبين وفي لحظة تجل اكتشفت الإدارة الأمريكية أن شهر العسل المصطنع مع الإخوان افرز نتائج كارثية على كافة الأصعدة في أكثر من بلد وفي النتيجة النهائية حصدت السياسة الأمريكية وبالا وهي تشاهد الحالة السياسية في مربعات شطرنج "الأوسط الجديد" تغلي وتعنف على نحو غير مسبوق والخلاصة التي لم تود إدارة الرئيس بوش سماعها أو الاعتراف بها إلا مؤخراً هي أن جهودها أثمرت عكس ما توخت ووجد "الإسلاميون" فرصتهم المنتظرة للوثوب بإسناد ضمني مباشر من السيد "باول" ولاحقا من السيدة "رايس" وهكذا تتمرغ السياسة الأمريكية اليوم في وحل المكاسب غير العادية التي حققها المتشددون والراديكاليون في عواصم عدة على حساب الجماعات الليبرالية أو تلك الأحزاب المتناغمة مع الشعار العلماني وعناوين المجتمع المدني والدولة الديمقراطية بالمعنى الغربي/ الأمريكي وحتى على حساب الأنظمة والحكومات المرنة والمتجاوبة مع التغيير والإصلاح المتدرج. من المؤكد أن المتشددين والتشدد عموما قد زادت أسهمهم في سوق الشرق الأوسط الكبير الجديد حينما انزلقت إدارة بوش إلى المضاربة بهم سعياً منها لإعادة ضبط وتوجيه مؤشرات البورصة الأوسطية. ومؤكد ثانياً أن سيد البيت الأبيض وأركان إدارته ليسوا سعداء ولا راضين عما آلت إليه الأمور آخر النهار سواء أكان في العراق أو في لبنان وفلسطين أو حتى في مصر وبدرجة أساسية الدور الخطير الذي باتت تلعبه جماعات دينية ومذهبية متطرفة في المشهد العراقي ومشاركة أساسية في الحكم والحكومة بفضل أمريكا أولا وأخيرا.. دراسة أخيرة لفريق من الخبراء والمختصين خلصت إلى التحذير الجدي من خطر السياسة الأمريكية الحالية على المنطقة والاستقرار فيها وعلى أمريكا بصورة أساسية والنصيحة الممكنة وربما الوحيدة هنا هي محاصرة السياسة الحالية الاعتباطية ومحاصرة الجماعات الراديكالية التي ترفع الشعار الديني بصورة استحواذية ومتأصلة وارتداع إدارة البيت الأبيض عن خطأ وخطيئة المراهنة السياسية بالجماعات تلك في حفلة زار الشرق الأوسط. وتؤكد خلاصة النصائح المقدمة لبوش في هيئة تقرير تحليلي ودراسة بحثية على ضرورة التعامل الحازم وإتباع نفس السياسة التقويضية التي استخدمتها أمريكا والدولة الغربية لتفكيك وتعطيل فاعلية الأحزاب والجماعات الراديكالية الشيوعية في أوربا الشرقية خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين. ومهما قيل عن أن الدراسة أعدتها مجموعة من السياسيين والمخططين المعروفين بميولهم الانحيازية تجاه إسرائيل إلا أن الرئيس بوش والإدارات الأمريكية المختلفة كانت دائماً في صف إسرائيل وخصوصاً الإدارة الأخيرة وهي ذاتها التي انفتحت على الإسلاميين وتجاوبوا معها تماماً ولم يقل احدهم أن هذه الإدارة تناصر إسرائيل ولن نتعاون معها بل على العكس كان التعاون اندفاعياً من الطرفين فكون مجموعة الدراسة الأخيرة من هذه الشاكلة لا تؤثر شيئا في توجيه الرؤية المستقبلية لما يمكن لإدارة بوش أن تفعله بخصوص مشاريعها المحتملة نحو الإسلاميين والجماعات الحزبية المتشددة. المؤكد (أخيرا) هو أن أمريكا غير راغبة في مواصلة اللعبة أو اللعب مع الإسلاميين والإخوان على الأقل بنفس الوتيرة وبذات القدر من الانفتاح والاندفاعية السالفة وغير واضح حتى الآن أن الإخوان يفهمون ذلك ويصدقونه فاحتفائهم بأمريكا لا يزال يفوق الوصف وربما كانوا ينخدعون لشعور براق تجاه فوائد حصدوها ولا يريدون التعامل مع الاحتمال الآخر .. أن يخسروا أكثر منها لاحقاً!.