في كتاب للاستاذ خالد الخميسي الذي يرصد فيه اوضاع المجتمع المصري.. من خلال «حواديت» مسجلة من افواه الناس.. يتضح ان المجتمعات العربية وليس المجتمع المصري لوحده.. من اكثر شعوب الارض عشوائية.. واتكالية.. وتعيش تحت مقولة «اصرف مافي الجيب يأتيك مافي الغيب» ومن دراسة اخرى حول اوضاع المجتمع اليمني.. وبالمقارنة مع بقية مجتمعاتنا العربية نجد اننا في اليمن اقل المجتمعات العربية استخداماً لاساليب الادخار والتوفير للمال. وبالطبع لكل مجتمع ثقافته المالية التي تختلف عن أي مجتمع آخر ..وقد يأتي الاختلاف نتيجة لمؤثرات اجتماعية.. ولاختلاف الموارد اضافة الى اسباب تاريخية في تركيب المجتمع ووعيه. ونحن في اليمن حيث يأتي القات من اخطر المؤثرات على كافة مناحي الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.. بل ان القات يسحق ويلتهم كل موارد الفرد والاسرة اليمنية.. فلا يترك له فرصة التفكير في الادخار والتوفير.. خاصة تلك الاسر التي تعتمد في مصادر دخلها على الحرف المهنية أو موظفي الدولة.. خاصة ذوي المرتبات الدنيا وقد يلجأ الموظف الى زيادة دخله بالرشوة.. وهذا موضوع آخر «الفساد وتعاطي القات» اضافة الى لجوء المهني الى الغش.. والملاحظ ان افراد الاسر الذين لايتعاطون القات اكثر الناس تنظيماً في حياتهم.. واكثر الناس توفيراً للمال واستغلاله في مشاريع يعود بالفائدة على افراد الاسرة.. وبالمقابل ان الاسر التي افرادها يتعاطون القات نجدهم اكثر الناس تذمراً.. واكثرهم فقراً.. واكثرهم عشوائية في الشكل والتفكير.. ونتيجة للنزيف اليومي لموارد الاسرة لمواجهة شراء القات فاننا نجد ان الطبقة الوسطى بدأ خصرها يضيق وبالمقابل نجد ان قاعدة الطبقة الفقيرة تزداد يوماً بعد يوم وطبقة من القلة وهي الثرية.. وهنا يسهم تعاطي القات في انقراض الطبقة الوسطى في اليمن وتحويل كل متعاطي القات او معظمهم الى القاعدة الدنيا من المجتمع مالياً.. لوعدنا الى عدة عقود.. أي قبل تفشي تعاطي القات في اليمن لوجدنا ان المجتمع اليمني كان معظم افراده ينتمون الى الطبقة الوسطى.. نسبة للدخل في ذلك الزمن. بل ان الميزة التي كان يتميز بها الحضارم.. والتي بفضلها اضحوا مدرسة في عالم المال والاستثمار.. حينها لم يكن القات قد غزا واحتل الافواه.. فكانوا سادة الادخار حتى امتلكت بعض الاسر امبراطوريات مالية في شرق آسيا او في دول الخليج وحتى في شرق افريقيا.. اضافة ان ماعرف عن بعض البيوت المالية في عدن في عهد الاستعمار البريطاني.. واليوم يلاحظ ان القات وتعاطيه في حضرموت قد اسهم في افساد المجتمع خاصة الشباب بتناولهم للقات وتحويلهم الى افراد متذمرين اذا تجاوزنا اثر القات في ترسيخ ثقافة التواكل .. وحياة سمتها العشوائية دون طموح يذكر.. أوآمال تحلق بنا بعيداً عن اوهام القات.. وضغط احتياجاته اليومية الى مؤشرات سلبية تصل الى حد ان لايهتم متعاطي القات بهندامه.. او بأطفاله وافراد اسرته نتيجة لضيق مافي اليد.. بل ان المتابع قد يلحظ الارهاق والشحوب على ملامح متعاطي القات.. ويستطيع ان يفرق بين ملامح الذي لايتناول القات وملامح من يتناوله. ومن جانب آخر فان اصحاب المهن من سائقي الحافلات والتكاسي.. يستطيع الناظرأن يميز تلك المركبات ويعرف من خلال نظافة المركبة وصيانتها ان صاحبها يتناول القات من عدمه.. من خلال تدهور المركبة واهمال صيانتها كون مالكها يصرف كل مدخراتها وكل موارده للقات دون ان يهتم بحافلته او عربته ولايتركها الآخر دون اصلاحهايوماً بعد يوم.. اما المحلات الحرفية والتجارية الصغيرة فسيلاحظ المتردد عليها ان العاملين فيها من متعاطي القات هم اكثر اهمالاً وغشاً وعدم التزام بالمواعيد .. أوبجودة العمل وذلك نتيجة الى ان تعاطي القات يومياً يهدر كل او معظم الارباح على حساب تحسين الخدمة وتطويرها والاهتمام بصيانته وتطوير المحل. والعجيب ان عدداً من مزارعي القات قد هجروا تعاطيه.. فهم يزرعونه ويسوقونه لكنهم وصلوا الى قناعة بعدم تناوله وتوعية ابنائهم على عدم تعاطيه.. وانا اعرف اسراً كثيرة من مزارعي القات هجرت تناوله.. فتحسنت اوضاعهم المعيشية اضافة الى اهتمامهم بتعليم اولادهم وتوفير وادخار ما يجنونه واستثمار ذلك في شراء الاراضي والدخول في مشاريع مربحة تنمو يوماً بعد يوم-. وحين نتحدث عن اثر القات من الناحية الاقتصادية على افراد المجتمع ..فاننا نركز على ذوي الدخول الدنيا.. التي يؤثر اهدار مواردهم يومياً.. وهناك تجار كبار وموظفون كبار تؤثر على مصروفات القات على حياتهم وان كان يصل مايصرفه الفرد في الشهر الواحد الى اكثر من «200.000 ريال» على القات. القات كارثة تقف حجر عثرة امام تطور ونماء المجتمع اليمني.. ونحن بحاجة الى مشروع انتشال مجتمعنا من خطر كارثة زراعة وتعاطي القات.. ولا أمل بوجوده في أية تنمية حقيقية.