كما أن الحكومة مطالبة بالشفافية ومصارحة الجميع بحقائق الأوضاع ومجريات العملية التنفيذية كذلك هي أحزاب المعارضة معنية بالموضوعية والمصداقية في ممارسة أدوارها دونما تهويل أو تزييف للوقائع والتجني على غيرها. وتخسر الأحزاب التي تصر على السير في الاتجاه المعاكس في كل الوقائع أكثر مما تمس من تستهدفهم وتلحق بهم ما تتصوره أو ترمي إليه من ضرر. وحين يكون الخطاب عاما ويجري بثه إعلاميا عبر الوسيلة الجماهيرية فإنه يصل إلى عامة الناس ويلقي فيهم بتأثيراته التي تتحدد كيفية استقباله بقدر ما ينطوي عليه من سلبية أو إيجابية في التناول وعرض أوجه الاعتراض فيه وعلى الجميع الاعتراف بأن جمهورنا اليمني أصبح على قدر من الوعي الذي يمكنه من التمييز بين الغث والسمين والتفريق بين المصداقية والدجل. والقاعدة العامة أن لغة التهجم والمفردات الخارجة على اللياقة والموجهة ضد الأعراض والمستخدمة للأغراض الشخصية لم تعد مقبولة بالمطلق وتندرج في إطار التجرد من الأخلاق. ولم تعد لهجة الإنكار مستساغة وهي غير مربحة لمن يتعاطاها ولا تزيد من رصيده التعاطفي بقدر ما تكون سحبا منه وعلى حساب مكاسبه القادمة. وما لم تقدم المعارضة البدائل لما ترفضه فستظل تراوح في مكانها أو تظل كما يقال: محلك سر. وطالما ظلت القواسم الوطنية المشتركة بمنأى عن أجندة التزامها المبدئي وبقيت قيم التوافق مقصية عن موجهاتها المسلكية كلما اتسعت الهوة بين الواقع ومبدأ الشراكة الوطنية، وبعد زمن الالتقاء والتلاحم التجسيدي بينهما. وغريب أمر معارضة تزاول الاستعلاء والابتزاز وخطاب الترهيب مع من يختلف معها أو يحمل قناعات ويعبر عن آراء لا تتطابق مع رؤاها ومواقفها وفي ظل الحياة الديمقراطية وهي لما تزل خارج السلطة فكيف تتصرف عند تسلمها؟ وتدلنا المحصلة النهائية لمجمل السلوك المعارض أنه وفي أغلبه على غير توافق مع أساسيات ومتطلبات المفهوم الديمقراطي لتداول السلطة. وأول ما يحتمه ذلك على أطرافه تركيز الجهد والمسعى في اتجاه البحث عن أسباب التعثرات التي تعترض طريقهم، في ما يعتور مسارهم من أوجه قصور وخلل في الرؤى والتوجهات. وذلك أنفع من الاستغراق في البحث عن الشماعات الحكومية لإلقاء عجزها عليها بقصد إلهاء منتسبيها أو إغواء جمهورها الذي سيصحو ذات لحظة على الحقيقة ويقرر اتخاذ الموقف الذي يختاره منها، وما كان ينبغي لمن يمارسون الإلهاء والإغواء أن يتناسوا أن أبواب الخيارات الأخرى صارت مفتوحة على مصراعيها وأن العضوية التنظيمية قد تحررت بشكل كامل من أسار الانضباطية أو الاستحكام الشمولي بفعل إحلال الديمقراطية كمنظومة شاملة للحياة اليمنية. والعاجزون وحدهم الذين يسعون لمكاسب غير مستحقة، ونوع من البطالة السياسية أن يركن البعض إلى تحقيق عوائد معينة وإحراز مكانة ما بأساليب الابتزاز والمساومة بدون بذل أي جهد ديمقراطي. وللديمقراطية تقاليدها التي يرقى لمستوى الضرورة تمثلها والاحتكام إلى أطرها الدستورية والنظامية. وعلى أن يظل القانون سيد الموقف وفوق الجميع حتى تستقيم التعاملات والعلاقات وتستقر الأوضاع وتتهيأ الظروف الملائمة لعملية البناء والنماء وتحقيق النهضة الحضارية الشاملة.. ودون ذلك ليس سوى طريق الدمار والهلاك.