نواصل في هذه الحلقة القاء بعض الأضواء الكاشفة على المرشحين الثلاثة للفوز بالبيت الابيض ونتناول اليوم سيرة المرشح الأسود باراك أوباما بعد ان تناولنا في مقال سابق سيرة السيدة هيلاري كلنتون على أن نختم في مقال لاحق بسيرة المرشح الجمهوري جون ماكين. يمكن للمرء أن يتخيل مزاج العنصريين المتعكر هذه الأيام في الولاياتالمتحدةالامريكية فلو، قدر لهم اعتلاء منصات الخطابة المرسلة الى ملايين الامريكيين لربما قالوا: بعد إعصار العراق وإعصار كاترينا ها هو عهد جورج بوش يتسبب باعصار اوباما.والقول لن يكون خاطئا تماما ذلك أنه لولا السياسة الفاشلة التي ميزت اداء الرئيس بوش على كل صعيد ربما لم يكن بوسع مرشح نصف مجهول و فريد من نوعه أن يخلب الباب الأمريكي بهذه السرعة القياسية وأن يسير بخطى ثابتة نحو البيت الابيض رغم الصعوبات التي اعترضته وقد تعترضه للفوز بترشيح حزبه خلال الصيف المقبل.ولد باراك أوباما في العام 1961 في هاوي المشهورة بتمازج الاعراق من أب كيني الجنسية يدعى حسين أوباما جاء للدراسة في الولاياتالمتحدة وعمل مستشاراً اقتصادياً لحكومته، ومن أم شابة متخصصة بالانتروبولجيا تولهت بالزنجي الساحر فكان ثمار هذا الوله باراك اوباما واسمه الاول مستمد من صفة البركة العربية. كان أجل الغرام قصيراً بين الزوجين، فقد عاد الأب الى بلاده بعد انتهاء فترة دراسته، وترك طفله البالغ من العمر سنتين في عهدة والدته المتحدرة من اسرة الرئيس الامريكي الاسبق جيفرسون دايفيس الذي تولى رئاسة الولاياتالمتحدة خلال الحرب الاهلية الامريكية الشهيرة. لن يطول المقام بالطفل أوباما بعد رحيل والده فقد تزوجت والدته ثانية من طالب اندونيسي وذهبت للعيش معه في جاكرتا صحبة طفلها الذي سيعود الى امريكا في العاشرة من عمره ليعيش في عهدة جديه لامه، وفي هذه العودة سيكتشف التمييز العنصري بين البيض والسود بأبشع صوره.فقد قرر جده أن يسجله في مدرسة مخصصة لاولاد النخبة البيض ومنها سيكتسب أمرين الأول يتصل بتخصصه اللاحق ذلك ان هذا النوع من المدارس هو ممر اجباري للوصول الى الجامعات العريقة التي دخلها اوباما من بعد، ونعني بذلك جامعتي كولومبيا وهارفرد حيث درس العلوم السياسية والقانون. والأمر الثاني هو حقده على العنصريين ففي تلك المدرسة كان بعض رفاقه يمثلون أمامه مشية القرد وحركاته ويثيرون ضحكا صاخباً في الفصل الدراسي علما انه ليس زنجياً افريقيا فحسب بل عصارة تلاقح بين العرقين الابيض والاسود لجهة الام والاب لكن التعصب العرقي البدائي لا يعترف بالفوارق وانما باعتقاد مبسط مفاده ان من ليس ابيض البشرة فهو اسود والعكس صحيح في عرف هذه الفئة البغيضة. سيتخلص اوباما من اهانة العنصريين في المرحلة الجامعية حيث يضعف التمييز العرقي في اوساط طالبية كوسوموبوليتية لكنه سيصمم على أن تكون هذه القضية مصيرية في حياته وسيعمل على مكافحتها بوسائله العلمية والوظيفية المحدودة .وعليه سنجد اوباما في مكان بعيد عن "وول ستريت" والشركات المتعددة الجنسية التي توظف خريجين من امثاله وتبحث عنهم بتصميم واصرار دون الانتباه الى لون بشرتهم واصولهم.سنجد أوباما إذن في احياء الفقراء السود في شيكاغو كناشط اجتماعي يسعى لتوفير الطبابة وفرص العمل والعدالة الاجتماعية ومن ثم في مكتب شهير للمحاماة متخصص بالدفاع عن الحقوق المدنية للمهمشين. في هذا المكتب سيقع اوباما بغرام ميشال روبنسون التي تنتمي الى اصول افريقية من الزنوج الارقاء في الولاياتالمتحدة وهي سيدة جميلة تصغره بخمس سنوات و محامية لامعة في شيكاغو وتقول عن لقائها الاول به: ".. لقد شعرت عندما جاء للمرة الأولى الى مكتبنا انه مهضوم وساحر ومسكون بروح الدعابة وجدي على تواضع خال من الادعاء" الزواج بين ميشال وباراك سيكلل بطفلتين وسيكون محكوما بشعار " وراء كل عظيم امرأة" ذلك ان السيدة اوباما ذات الخبرة والصلات الواسعة في الاوساط النافذة في شيكاغو ستساعد زوجها على الانخراط الواسع في الوسط السياسي، و في صفوف النخبة الاجتماعية وبخاصة الجناح اليساري في الحزب الديموقراطي، ومنذ ذلك الحين لا يكف اوباما عن الصعود فقد انتخب عضوا في مجلس ولاية الينوي ثم في العام 2005 سيناتورا عنها في مجلس الشيوخ الامريكي بنسبة 70 بالمئة من الاصوات وكان الشيخ الاسود الاول الذي يحظى بهذا التمثيل الرفيع في تاريخ الولاياتالمتحدةالامريكية. تأخذ هيلاري كلنتون على المرشح أوباما أنه حديث التجربة وبالتالي من المبكر تسليمه مفاتيح البيت الابيض ومعها سلطة القرار النووي. ويرى آخرون انه شاب وانه اسود البشرة في بلد ليس ناضجا بعد لاختيار رئيس من هذا النوع. بيد أن مناصريه وهم خليط من الشبان والمحبطين من عهد بوش والراغبين في التغيير الجذري والمظلومين السود والمهمشين البيض والفقراء كل هؤلاء لا يسمعون الاعتراضات المذكورة من الاذن نفسها، ذلك ان التغيير في عرفهم لا يأتي من داخل طبقة سياسية مجربة نالت فرصا طويلة لتحقيق العدالة وفشلت في امتحان التغيير. ويعزز اوباما عبر خطبه الحالمة هذا الاتجاه اذ يقول إنه في كل مرحلة تاريخية يتدخل جيل امريكي لتصحيح المسار وأن قدر هذا الجيل ان يتدخل الآن وليس بعد فوات الأوان. ينطوي برنامج أوباما الانتخابي على عناصر تغيير حقيقية تشكل قطيعة فعلية مع برامج المرشحين الآخرين فهو يرفض قانون الاعدام، ويوافق على الاجهاض ويطالب بتحسين الضمان الاجتماعي والصحي وزيادة فرص العمل للمهمشين واعادة تأهيلهم وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية بين كافة فئات المجتمع، بغض النظر عن العرق والأصل الاجتماعي. وعلى الصعيد الخارجي يصر اوباما على الانسحاب من العراق ويؤكد صادقا لناخبيه انه الوحيد بين المرشحين الذي رفض الحرب وانه في حال انتخابه سيوجه رسالة الى العراقيين مفادها ان القوات الامريكية ستنسحب من العراق الامر الذي يضع العراقيين امام مسؤولياتهم الوطنية وسيحملهم على المصالحة والانصراف لاعادة بناء بلدهم. اما في الصراع العربي - الاسرائيلي فلن نجد فروقات كبيرة بين اوباما والمرشحين الآخرين فهو يقول انه مؤيد بقوة لاسرائيل وحريص على أمنها، وان كان يميز نفسه قليلا بالقول إنه ليس ليكوديا نسبة الى تجمع الليكود الصهيوني في اسرائيل. هل يصل أوباما الى البيت الابيض وهل يمكن الجزم أن امريكا مستعدة لقفزة كبيرة على قياس احلام باراك اوباما؟ من الصعب الاجابة عن هذا السؤال رغم تجمع مؤشرات عديدة لصالح المرشح الديموقراطي.فمن جهة هناك رغبة حقيقية بالتخلص من ارث بوش الكوارثي، ويبدو برنامج اوباما الاكثر قرباً من هذه الرغبة، وهناك شعور بضرورة طي صفحة التمييز العنصري وبالتالي توحيد الامريكيين وهو الاكثر استعداداً لتولي هذه المهمة، خصوصا انه من المعجبين بتجربة غاندي ومارتن لوثر كينغ ونلسون مانديلا وهناك رغبة قوية في الخروج من المستنقع العراقي وهو ايضا الاكثر تعبيراً عن هذه الرغبة بين نظرائه. رغم هذه المؤشرات هناك صعوبات جدية قد تحول دون انتخابه من بينها خوف مراكز القوى العملاقة من مشروعه واعتراضها على توجهه الاصلاحي المرتفع الكلفة، ناهيك عن الضغوط الحثيثة داخل الحزب الديموقراطي من أجل تغليب حظوظ كلنتون على حظوظه بالفوز بأصوات الناخبين الكبار . هذا اذا استبعدنا مخاوف بعض انصاره من ان يتعرض للاغتيال على غرار جون كنيدي وشقيقه روبير. مع باراك اوباما يقترب حالم اسود البشرة من عتبة البيت الابيض بأفكار وأحلام ملونة ومشاريع طموحة من شأنها ان تغير وجه امريكا فهل يحمله الناخبون الى صحن الدار؟ هنا سؤال المليون على ما يردد مذيعو برامج المنوعات.