نشرت في مارس آذار الماضي سيرة مختصرة للرئيس الامريكي المنتخب باراك أوباما بوصفه مرشحاً واليوم اعيد نشر هذه السيرة معدلة في ضوء التطورات التي طرأت خلال الحملة الانتخابية وفي ضوء التعديلات التي استجدت على برنامج أوباما الانتخابي خلال الشهور الماضية. فمن هو الرئيس الامريكي الجديد وما الذي سيفعله وهل تتغير امريكا فعلا في عهده وهل تتغير سياستها العربية؟ في السطور التالية محاولة للاجابة عن هذه الاسئلة. يمكن للمرء أن يتخيل مزاج العنصريين المتعكر هذه الأيام في الولاياتالمتحدةالامريكية فلو قدر لهم اعتلاء منصات الخطابة المرسلة الى ملايين الامريكيين لربما قالوا: بعد إعصار الانهيار المالي و إعصار العراق وإعصار كاترينا ها هو عهد جورج بوش يتسبب باعصار اوباما.والقول لن يكون خاطئا تماما ذلك أنه لولا السياسة الفاشلة التي ميزت اداء الرئيس بوش على كل صعيد ربما لم يكن بوسع خلاسي نصف مجهول و فريد من نوعه أن يخلب الباب الأمريكيين بهذه السرعة القياسية وأن يصل إلى البيت الأبيض. ولد باراك أوباما في العام 1961 في «هاوي» المشهورة بتمازج الاعراق من أب كيني الجنسية يدعى حسين أوباما جاء للدراسة في الولاياتالمتحدة وعمل مستشاراً اقتصادياً لحكومة بلاده، ومن أم شابة متخصصة بالانتربولوجيا تولهت بالزنجي الساحر فكان ثمار هذا الوله باراك أوباما واسمه الاول مستمد من صفة البركة العربية. كان أجل الغرام قصيراً بين الزوجين، فقد عاد الأب الى بلاده بعد انتهاء فترة دراسته، وترك طفله البالغ من العمر سنتين في عهدة والدته المتحدرة من اسرة الرئيس الامريكي الاسبق «جيفرسون دايفيس» الذي تولى رئاسة الولاياتالمتحدة خلال الحرب الاهلية الامريكية الشهيرة. لن يطول المقام بالطفل أوباما بعد رحيل والده فقد تزوجت والدته ثانية من طالب اندونيسي وذهبت للعيش معه في جاكرتا صحبت طفلها الذي سيعود الى امريكا في العاشرة من عمره ليعيش في عهدة جديه لامه وتشاء الاقدار ان تموت جدته قبل يوم من فوزه بالرئاسة وبعد أن اقترعت له قبل وفاتها بإذن خاص السلطات المختصة. وفي العودة سيكتشف التمييز العنصري بين البيض والسود بأبشع صوره.فقد قرر جده أن يسجله في مدرسة مخصصة لاولاد النخبة البيض ومنها سيكتسب أمرين الأول يتصل بتخصصه اللاحق، ذلك ان هذا النوع من المدارس هو ممر اجباري للوصول الى الجامعات العريقة التي دخلها اوباما من بعد، ونعني بذلك جامعتي كولومبيا وهارفرد حيث درس العلوم السياسية والقانون. والأمر الثاني هو حقده على العنصريين ففي تلك المدرسة كان بعض رفاقه يقلدون أمامه مشية القرد وحركاته ويثيرون ضحكا صاخباً في الفصل الدراسي، علماً انه ليس زنجياً افريقياً فحسب بل عصارة تلاقح بين العرقين الابيض والاسود لجهة الأم والأب لكن التعصب العرقي البدائي لا يعترف بالفوارق وانما باعتقاد مبسط مفاده ان من ليس ابيض البشرة فهو اسود والعكس صحيح في عرف هذه الفئة البغيضة.لكن هذه المرحلة لن تترك الحقد العرقي على البيض اجمالا يسيطر عليه فقد ذكر في إحدى خطبه أن جدته البيضاء البشرة كانت تخاف من اعتداء السود عليها عندما تسير في الشارع ولعل هذا ما جعله يبدو في نظر ناخبيه محايداً بين العرقين ولا عجب في ذلك طالما انه يجمع العرقين في شخصه. سيتخلص اوباما من اهانة العنصريين في المرحلة الجامعية حيث يضعف التمييز العرقي في اوساط طلبة «كوسوموبوليتية» لكنه سيصمم على أن تكون هذه القضية مصيرية في حياته وسيعمل على مكافحتها بوسائله العلمية والوظيفية المحدودة .وعليه سنجد اوباما في مكان بعيد عن «وول ستريت» والشركات المتعددة الجنسية التي توظف خريجين من امثاله وتبحث عنهم بتصميم واصرار دون الانتباه الى لون بشرتهم واصولهم.سنجد أوباما إذن في احياء الفقراء السود في شيكاغو كناشط اجتماعي يسعى لتوفير الطبابة وفرص العمل والعدالة الاجتماعية، ومن ثم في مكتب شهير للمحاماة متخصص بالدفاع عن الحقوق المدنية للمهمشين. في هذا المكتب سيقع اوباما بغرام ميشال روبنسون التي تنتمي الى عائلة متوسطة الحال من الزنوج الارقاء في الولاياتالمتحدة وهي سيدة جميلة تصغره بخمس سنوات و محامية لامعة في شيكاغو وتقول عن لقائها الاول به: «.. لقد شعرت عندما جاء للمرة الأولى الى مكتبنا انه مهضوم وساحر ومسكون بروح الدعابة وجدي على تواضع خال من الادعاء» الزواج بين ميشال وباراك سيكلل بطفلتين وسيكون محكوما بشعار « وراء كل عظيم امرأة» ذلك ان السيدة اوباما ذات الخبرة والصلات الواسعة في الاوساط النافذة في شيكاغو ستساعد زوجها على الانخراط في الوسط السياسي، و في صفوف النخبة الاجتماعية وبخاصة الجناح اليساري في الحزب الديموقراطي، ومنذ ذلك الحين لم يكف اوباما عن الصعود فقد انتخب عضواً في مجلس ولاية الينوي ثم في العام 2005 سيناتوراً عنها في مجلس الشيوخ الامريكي بنسبة 70 بالمئة من الاصوات وكان الشيخ الاسود الاول الذي يحظى بهذا التمثيل الرفيع في تاريخ الولاياتالمتحدةالامريكية. وها هو اليوم رئيسا للولايات المتحدةالامريكية الدولة الاهم في العالم. أوباما في البيت الابيض سيكون ملزما بتطبيق برنامجه الانتخابي. وان كان وفيا لهذا الالتزام فسيكون عليه تغيير الغاء «قانون الاعدام»، وتشريع «الاجهاض»وتحسين «الضمان الاجتماعي والصحي» وزيادة «فرص العمل» للمهمشين واعادة تأهيلهم وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية بين كافة فئات المجتمع، بغض النظر عن العرق والأصل الاجتماعي. وعلى الصعيد الخارجي سيكون على الرئيس الجديد الانسحاب من العراق فهو الوحيد بين المرشحين الذي رفض الحرب وفي دارفور التزم بالتحرك عبر مجلس الامن. اما في الصراع العربي - الاسرائيلي فمن غير المتوقع أن يتغير الموقف الأمريكي جوهريا ذلك أن الرئيس المنتخب عبر مرارا عن تأييده المطلق لاسرائيل وحرصه على أمنها، وان كان يميز نفسه قليلا بالقول إنه ليس ليكودياً نسبة الى تجمع الليكود الصهيوني في اسرائيل. مع باراك اوباما اصبح البيت الابيض للمرة الاولى في تاريخ الولاياتالمتحدة ملونا بأفكار وأحلام ومشاريع طموحة من شأنها ان تغير وجه امريكا في الداخل و ربما ينعكس هذا التغيير على الخارج أقله على المدى المتوسط والبعيد لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة في هذه الظروف هو هل تبقى امريكا على حالها بعد التغيير الجذري الذي وعد به رئيس المكتب البيضاوي المنتخب؟ الجواب الوحيد المؤكد حتى هذه اللحظة هو ان التاريخ في امريكا سيصنف في بعض وجوهه بما قبل وما بعد باراك أوباما.