قد تكون المرة الأولى في تاريخ الولاياتالمتحدة التي يحاط بها رئيس أمريكي بكل تلك الضجة الإعلامية والاهتمام العالمي الذي رافق باراك أوباما إلى الرئاسة الأمريكية، إلا أنها حتماً لم تكن إيماناً بأفضلية أوباما وبرنامجه الانتخابي بقدر ما كانت اجماعاً عالمياً على أن سلفه «جورج بوش» أسوأ الرؤساء الأمريكيين وقد ضاقت البشرية ذرعاً من تهور «الجمهوريين» وعهدهم الدامي !! ربما لو لم يكن الحال كذلك لما فاز أحد «السود» برئاسة الولاياتالمتحدة، وسنغالط أنفسنا والواقع إن بقينا مصرين على اعتبار فوز أوباما انتصاراً للديمقراطية على الثقافة العنصرية، لأن واقع الحياة الأمريكية يؤكد غير ذلك، حيث إن «السود» يمثلون الطبقة المسحوقة في المجتمع الأمريكي، ويمارس بحقهم تمييز عنصري كبير، ولد لديهم إحساساً بالنقص ما لبث أن صنع من فئة كبيرة منهم لصوصاً ومجرمين ومدمني مخدرات . هذه الحقيقة هي نفسها التي كشف عنها إعصار «كاترينا» الذي ضرب قبل بضعة أعوام سواحل «فلوريدا» حيث الأحياء الفقيرة للسود، التي مسحها الإعصار من الخارطة بعد أن تطايرت مساكنهم أمامه كما لو كانت من ورق .. ! إن مجرد الحماس الذي تولد في مختلف عواصم العالم للحديث عن «التمييز العنصري» وربطه بالانتخابات الأمريكية وفوز أوباما لهو تأكيد على وجود المشكلة في الحياة الأمريكية، غير أن ما حدث حمل بعدين: : أولهما أنه كشف عن استشعار الشعب الأمريكي لخطورة الأزمات التي جرهم إليها «الجمهوريون» بقيادة الرئيس بوش، وأن الحاجة للتغيير باتت حتمية.. أما البعد الثاني فهو تجاهل الأفق العنصري في المفاضلة طالما وأن المسألة ليست شخصية بقدر ماهي وطنية، تتعلق بمستقبل الولاياتالمتحدةالأمريكية خاصة عندما يكون باراك أوباما هو الخيار الوحيد لإنقاذ الوطن. لا شك أن هذه المسألة هي وحدها التي تستحق الاعجاب لكونها تترجم حالة الولاء والانتماء التي يتحلى بها الأمريكيون، والتي تدفعهم للإيثار بأحاسيسهم ومواقفهم الخاصة في سبيل المصلحة العليا للوطن. أما بالنسبة للموقف العربي والإسلامي المتحمس لانتخاب أوباما فإنه لم يقتصر على ما ترجمته الحكومات عبر إعلامها، بل إن الجمعية اليمنية الأمريكية للنشاط السياسي على سبيل المثال وقفت منذ البداية مع باراك أوباما، وتحركت معها جميع الجمعيات والهيئات العربية الأخرى داخل أمريكا، لتعكس بذلك حجم الضرر الذي طالها جراء الحرب على الإرهاب التي قادها بوش، وعرّض من خلالها الجاليات العربية والإسلامية للمساءلات والشبهات، وزج الكثير من الابرياء في السجون، أو أبعدهم من أراضي الولاياتالمتحدة، فضلاً عن الضغوط الهائلة والابتزاز الذي تعرضت له الكثير من الحكومات والدول تحت شعار مكافحة الإرهاب. إن عهد الرئيس جورج بوش كان الأعنف في تاريخ العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وأنه أوصل الجميع إلى رغبة جامحة بالخلاص، لكن فوز باراك أوباما يعني أن الولاياتالمتحدة أصبحت على كف عفريت، لأن الحركات العنصرية لن تقف مكتوفة الأيدي، وستحاول التخلص من الرئيس «الأسود» بأي ثمن كان.. وحتماً إن تعرّض حياة الرئيس الأمريكي الجديد لأي خطر سيعني نهاية الولاياتالمتحدة لأنه سيفجر حرباً عنصرية بين السود والبيض تأكل الأخضر واليابس في غضون ساعات.. وهو ما يضع الأمريكيين أمام مسئولية عظيمة في الحفاظ على حياة الرئيس إذا ما رغبوا في الحياة لمزيد من العمر.