حين يأتي التفاعل الدولي مع مجريات أوضاعنا السياسية إيجابياً ويدلي بشهادته على موضوعية وسلامة المسار يكون الوقوع أو السقوط في ورطة الإساءة للوطن مآل من سعى عامداً ولا يزال لنشر صورة سلبية قاتمة مجافية للحقيقة عن أحوال الوطن لدى جهات خارجية. وتفضح أمرهم حتى تلك التقارير التي تركز اهتمامها ولأغراض سياسية غير ودية على اللهث وراء ما يثار عن وجود أوجه مظلمة لحالات الحريات والحقوق الإنسانية، عندما يتبين بل تؤكد هي ذاتها أنها استقت معلوماتها من مصادر محلية وتضطر في أحايين ملحوظة للإعلان عن وقوعها ضحية لعملية تضليل. ويمكن الاستناد إلى هذا الذي يتكشف كمؤشر أولي للتدليل على التوجه الخاطئ من قبل البعض نحو فتح قنوات تواصل مع الخارج تحت التأثير التخديري للتصور الواهم بأن في وسعه دعم تحقيق مصالحه وغاياته السياسية النفعية غالباً، إن لم يكن كلياً، متجاهلاً أو متغافلاً أن للخارج أجندته وتوجهاته وأهدافه المرسومة ويجعل منها أساساً لتجاوبه مع الغير. ويحدث جراء ذلك الانحراف والسقوط الثاني الأفدح والأخطر على الشخوص والوطن معاً ويتسبب فيه أصحاب الميول للعب غير العاقل واللا مسئول بالورقة الخارجية. ولقد بلغ الأمر بالبعض حدا من التمادي في استغفال الذات وفي استبساط التعدي على الوطن ليضعنا أمام حالة من الإصابة بالمزدوجة بحمى العبث السياسي المفضي إلى العدمية الإنسانية والوطنية.. والأمر كذلك يصير من الواجب التدخل في المسألة بقصد العلاج وقبل أن تدخل مرحلة الاستعصاء وتطور المرض المزمن وبما يتطلبه من تبني القيام بعملية إنقاذ إنسانية للمصابين وتجنيبهم السقوط في هاوية الخيانة الوطنية. ولعل أسوأ ما يتعرض له الذين يعانون من حالة العمى الوطني إصابتهم بأعراض فقدان الوعي وقوة المناعة في نفس الوقت ضد تقبل وتفهم ردود الفعل الخارجية الإيجابية واستلهام مؤشراتها ودلالاتها التي تساعدهم في تصويب توجهاتهم وتعديل مواقفهم قبل فوات الأوان. والحال أيضاً أن مواقف كهذه لا تعير اهتماماً وتبدي عجزاً إن لم يكن رفضاً لضرورة الالتفات إلى ما هي عليه من قدر مخيف من الجهل بالسياسات الخارجية إقليمية كانت أو دولية. وأظلم ما في هذا الجهل أن الدول كل الدول لا تحترم من لا يقدر نفسه ووطنه حق قدرهما وقد بات معروفاً لدى الأمي قبل المتعلم والمثقف أن لدى كافة البلدان قوانينها التي تجرم الاتصال الخياني بخارجه. ومما يزيد الطين بله أن يتهيأ البعض مختالاً أن له حقا في أن يتساوى مع حكومة بلاده في التواصل مع الخارج وإقامة علاقة ارتباط به في مجافاة صارخة للمنطق الوطني القويم الذي يضع حدودا فاصلة بين تعاملات رسمية تجري عبر قنوات وتتأطر في اتفاقات ومعاهدات مكتسبة للصفة الشرعية المستمدة من السلطات التشريعية وبين تعاملات لا صفة من مشروعية لديها. وعند أن تصل الحكاية لمرتبة الاستقواء بالغير على وطنه وبني وطنه لاهثاً وراء إسناد خارجي لعملية تخريبية محكومة بأهداف شق الصف الوطني فلا مجال للسكوت عليها، وتصبح في عداد مجالات وميادين الخروج على المبدأ السيادي والنظام الدستوري والقانوني. وتظل المسألة جزءاً أساسياً من وسائل وخيارات التصدي لها وإيجاد المعالجات والمخارج منها بالقوة الأمنية أو الحجة الحوارية. ولا حل شاملا بدون النزع المتكامل للفتيل الداخلي والخارجي المثير والمفجر للأزمات