تجردت الولاياتالمتحدة وحليفاتها من الغرب الأوروبي من كل ما خلفته الأديان من تعاليم روحية وفضائل خلقية ومبادئ إنسانية الى الدرجة التي أصبحت فيها لا تؤمن في فلسفة الحياة الشخصية إلا بالمنفعة المادية وباللذة الشهوانية، وفي السياسة إلا بالقوة وجبروت السيطرة والغلبة، وفي الحياة الاجتماعية الا بفلسفة الوطنية المعتدية والجنسية الغاشمة على غيرها من الجنسيات، فاستهانت بذلك على أساس فلسفة الرأسمالية المتوحشة بالغايات الانسانية ونسيت مقاصد الحياة وثارت على الطبيعة البشرية ومبادئها الخلقية، وسعت في سبيل فرض فلسفتها تلك- واحدية التوجه والمفهوم القائم على إنكار الروح أو الجانب المعنوي الصنو الملازم بالغريزة للجانب المادي في كل ما يتعلق بحياة الانسان- الى إقناع العالم بكل أممه وجنسياته وأديانه ومذاهبه وأعرافه، أن الكوكب قرية صغيرة « small village » حتى بدأ الاجتماعيون وعلماء السياسة يتحدثون عن القرية العالمية « Global Village » ويجحدون قيمة الجانب المعنوي او الروح وتغذيتها وأثرها على معتقدات وسلوك المجتمعات الانسانية في تربية الحواجز الخلقية التي تكسب الانسان وازعاً معنوياً وروحياً يجمع بين المادة والروح، حيث لا تستقيم الحياة الا بتلازمهما كاستقامة حياة الطائر بجناحيه. وعن طريق تحقيق غاية الامعان في المادة واستبعاد الجانب المعنوي للأشياء أو المفردات أو السياسات، استمرت وحليفاتها من الغرب الاوروبي في تنفيذ سياسة الرأسمالية وتراكم عناصر القوة الهائلة لصالحها حتى أصبحت وحشاً هائجاً يدوس الضعيف ويهلك الحرث والنسل ويرعى الخلافات السياسية والنزاعات بين الامم والعرقيات والاديان والمذاهب تنافساً على قيادة العالم واستئثاراً بموارد الشعوب وخيراتها واسواقها ورؤوس اموالها الهائلة، وصولاً الى غاية سيادتها على العالم، فكان من الطبيعي كنتيجة أن أصبح العالم كله بأممه وشعوبه ومدنياته يسير كقطار سريع تسير به قاطرة المعتقدات المادية الى غاية ليس لها تفسير سوى أنها تسير في اتجاه الجحيم. والمحزن في الأمر أن الأمة العربية والاسلامية قد ركبت ذلك القطار السريع كغيرها من الأمم، فأصبح العرب بتفريطهم العقائدي وغبائهم السياسي وهشاشة الانتماء والإحساس بالهوية ركاباً لا يملكون من أمرهم شيئاً دون أن يدركوا انه كلما تقدم الغرب في القوة والسرعة، كلما اقترب العالم، ونحن بجريرة الغباء او السذاجة من الانهيار الخلقي الكامل وبالتالي من النار والدمار، الاضطرابات والتناحر، الفوضى الاجتماعية والانسانية، لا الفوضى الخلاقة كما وصفتها سمراء واشنطن كوندوليزا رايس، الافلاس الروحي ثم في النهاية الافلاس الاقتصادي، خاصة وأن الغرب وعلى رأسهم الولاياتالمتحدة يستبطئون سرعة السير على قطار او طائرة ويريدون أن يصلوا برأسماليتهم الى غايتهم بسرعة القوة الذرية، والأخطر من ذلك انه ليس هناك حتى الآن على وجه المعمورة أمة أو جماعة تخالف الولاياتالمتحدة في توجهاتها نحو الدمار وإشعال النار وسحق الشعوب وتدمير واستغلال مقدراتها على طول الخارطة وعرضها، وأن الكثير ممن تطلق على نفسها جماعات إسلامية قد اعتنقت عقائدها ونظرياتها وفلسفتها الجاهلية القائمة على مجانبة الجانب الروحي والمعنوي لمقاصد الحياة المتجسدة لتواصل الرسالات السماوية، والتي توجتها رسالة الاسلام فهم بممارساتهم القتل للنفس التي حرم الله، وإشعال النيران والتفجير وتدمير الممتلكات العامة والخاصة بما فيها مساجد الله، وإثارة الفتن والنعرات المذهبية قد نسوا الله فأنساهم انفسهم، وبالتالي فقدوا الاحساس بالروح والإحساس بمعنى ومقاصد الحياة وتعاملوا مع الجانب المادي المجرد الذي يتماشى والسير على نهج امريكا ورأسماليتها المتوحشة. وهنا يمكن لنا تأسيساً على ما سلف ذكره ربط العلاقة بين الأزمة المالية، والحروب المتفشية في أجزاء عديدة من العالم، بالاضافة الى الارهاب، حيث منذ الحين الذي وصلت فيه القوات الامريكية الى الجزيرة العربية بدعوى حمايتها من صدام وأسلحة الدمار الشامل، والغاية الحقيقية تكمن في نهاية المطاف في رغبة الغرب وعلى رأسهم الولاياتالمتحدة فرض رأسماليتها المتوحشة وبسط سيطرتها على ثروات العراق ثم على ثروات الخليج، والقرب بقواتها العسكرية وقواعدها في الشرق الأوسط والخليج من بحر قزوين وثرواته، علاوة على هدفها الاستراتيجي نحو توسط العالم كي يتسنى لها القرب من كل اتجاهاته بقواتها وبالتالي من كل الممرات البحرية. سياسة توسعية القصد منها رفع درجة هيمنة القطب الرأسمالي الواحد على كل أجزاء العالم وصولاً الى النتائج السريعة من عميلتي التركيز « Concentration » لرؤوس الاموال والتمركز « Centralisati » اللتي تؤديان الى زيادة ثراء الشركات العملاقة والمؤسسات والمصارف المالية الهائلة وحصرها في أيدي عدد قليل من تلك الشركات والمؤسسات المحتكرة والمهيمنة على معظم اقتصاد العالم .. وتلك بداية الأزمة.