بقراءة متمعنة لطبيعة الانكماش الاقتصادي الذي يضرب العالم الناتج عن تأثيرات الأزمة المالية سنجد أننا في اليمن لم نكن بمنأى عن تداعيات وانعكاسات تلك الأزمة العاصفة التي وإن لم نتأثر بعواملها المباشرة فإن إفرازاتها غير المباشرة كما أشار إلى ذلك الدكتور علي محمد مجور - رئيس مجلس الوزراء، قد أصابتنا بضررها البالغ من خلال الانخفاض غير المسبوق لأسعار النفط في الأسواق العالمية والذي يعد المورد الأساسي الذي تعتمد عليه ميزانية الدولة بنسبة تزيد عن 65% وهو ما دفع بالحكومة مضطرة إلى اتخاذ عدد من الاجراءات التقشفية ولما من شأنه تطويق العجز في الموازنة عند حدود آمنة وبما يحول دون تفاقم هذا العجز وارتفاعه إلى معدلات كارثية تودي بالوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطنين واستقرار قيمة العملة الوطنية. وأمام هذا التحدي الاقتصادي الجديد تبرز إلى الواجهة العديد من التساؤلات حول السبل الكفيلة بترتيب أولويات الشأن الوطني وتحقيق التوازن المطلوب في قائمة الاهتمامات لدى كافة المكونات الاجتماعية والسياسية والحزبية والثقافية التي لا شك أن الكثير منها قد أغفل حقيقة الدور الذي ينبغي أن يضطلع به تجاه ما يتعلق بتطوير البنية الاقتصادية عبر الاسهام الفاعل والمؤثر في دعم خطط وجهود الدولة الهادفة إلى تهيئة مناخات الاستثمار وكذا توفير الأرضية الملائمة لتنشيط قطاع السياحة إلى جانب دعم الخطوات المبذولة على صعيد تنمية الموارد البشرية التي تصبح فيها القوى العاملة المؤهلة والمدربة تدريباً عالياً رافداً رئيسياً لخطط التنمية الشاملة، حيث والمؤسف حقاً أن معظم تلك المكونات قد حصرت اهتماماتها في الجانب السياسي وظلت تتحرك على ضوء إيقاعه دون إدراك من هذه النخبة التي يفترض أن تكون كذلك، من أن دورها الحقيقي لا يتوقف عند حدود العمل السياسي والحزبي بل إنها معنية بالمشاركة الإيجابية في توجيه طاقات المجتمع وقدراته المختلفة صوب مواجهة تحديات التنمية الاقتصادية بفعل جماعي قادر على حلحلة الصعوبات والاشكاليات التي تعترض المسيرة التنموية والاقتصادية في بلادنا عن طريق التصدي لكل الموروثات المتخلفة والمظاهر والممارسات الخاطئة التي تصطدم بها عملية البناء والتطوير والتحديث. ولا نعتقد أن بإمكاننا أن نواصل الخطو الصحيح على طريق تحقيق طموحاتنا الوطنية، إذا ما استمر اهتمامنا مكرساً في العمل السياسي مقابل إسقاط الخيارات الأخرى من أولوياتنا خاصة إذا ما علمنا أن مثل هذه الأحادية في التفكير تصبح أكثر ضرراً بانحراف العمل السياسي والحزبي عن مقاصده وطغيان الطابع البراغماتي والانتهازي على مجرياته وتحوله إلى عائق لخطط البناء ومسارات النهوض الاقتصادي ولا نظن - أيضاً- أن بوسعنا بلوغ التطلعات المنشودة دون أن نتوقف بين الحين والآخر لكي نسأل أنفسنا ذلك السؤال المهم والضروري وهو: ماذا قدمنا لوطننا ومجتمعنا؟؟ وهل بالسياسة وحدها والمكايدات الإعلامية تبنى الأوطان وتزدهر وتصبح رقماً مهماً بين الأمم؟ فالتوقف أمام هذا السؤال لابد وأنه الذي سيقودنا إلى فهم معنى الحزبية التي تمثل في حقيقة الأمر مجرد وسيلة وليست غاية بحد ذاتها وأن أي تقاعس تجاه القضايا الأخرى هو أسلوب غير صحيح فالأمم الناهضة لم تصنع نجاحاتها من بوابة العمل السياسي والحزبي فقط، وإنما صنعت ذلك بالعمل الجماعي والأداء الجاد وتغليب العام على الخاص وجعل المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار. ولذلك فإن الواجب أن يعي الجميع أن التغلب على المعضلة الاقتصادية وتداعيات الأزمة العالمية يتطلب إعطاء أهمية خاصة للقضايا التي تدفع بالتطور الاقتصادي والإنمائي لارتباط هذه المسائل بضمان حاضر ومستقبل اليمن وتحقيق الرقي الديمقراطي وترسيخ الأسس المتينة للدولة اليمنية العصرية والتغلب على المصاعب الناتجة عن محدودية الموارد والانفجار السكاني وزيادة طوابير العاطلين عن العمل. وقد حان الوقت لكي يستشعر الجميع اننا في مرحلة هامة وعلينا أن نكون في مستوى ما تفرضه من تحديات بالأفعال وليس بالأقوال وبالمواقف الصادقة والمخلصة وليس عكس ذلك!!.