من يتذكر اتحاد المغرب العربي؟ قبل عشرين عاما، قام "اتحاد المغرب العربي" الذي ضم المملكة المغربية والجزائر وليبيا وتونس وموريتانيا. أنه تجمع يضم خمس دول عربية يجمع بينها الكثير كما يفرقها الكثير. ولكن، لدى النظر الى المصالح المشتركة في ما بينها، فإن ما يجمع بين الدول الخمس أكبر بكثير مما يفرق. كان الهدف من هذا التجمع الاقليمي التوصل الى نوع من الاتحاد المرن بين الدول الخمس وذلك على نسق الاتحاد الأوروبي. كان الطموح كبيرا بدليل تسمية التجمع ب"الاتحاد". بعد عشرين عاماً، لم يبق من الاتحاد شيئا. تحول الاتحاد الى قصص نجاح فردية لكل دولة من الدول الخمس. يعطي ذلك فكرة عن الفشل العربي عموما في القيام بأي جهد مشترك لولا استثناءات قليلة تبقى ضمن حدود معينة تحققت في اطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي تأسس في أبوظبي في العام 1981. لا يزال المجلس يعقد قمته السنوية ولا يزال يقدم على خطوات معينة وان متواضعة ولا تزال لديه أمانة عامة تعمل وتجهد، قدر المستطاع طبعا. لا يزال حيّا يرزق، ربما لأنه تفادى استخدام كلمة اتحاد وأكتفى بتسمية "مجلس التعاون" تعبيرا عن مقدار كبير من الواقعية والبصيرة والتفهم لأحوال المنطقة. الاتحاد أو الوحدة يحتاج كل منهما الى ظروف موضوعية مختلفة لم تنطبق الاّ على كيانات تشكل الوحدة حالة طبيعية فيها مثل اليمن. في عشرين عاما، تغيّرت كل من الدول الخمس التي تشكل منها اتحاد المغرب العربي. تغيّر المغرب الذي اندفع في اتجاه الفضاء الليبيرالي سياسيا واقتصاديا وعمل على تقوية مؤسسات الدولة ومكافحة ظاهرة الإرهاب في وقت انصرف الملك محمد السادس الى معالجة ما يعتبره الهمّ الأول للمملكة، أي مواجهة الفقر عن طريق التنمية الشاملة والمتوازنة لكل المناطق، من أقصى الجنوب في الصحراء الى الشاطئ المطل على البحر المتوسط. والأهم من ذلك كله، كان اتجاه محمد السادس الى الانفتاح على العالم وعلى أوروبا التي هي على مرمى حجر من التراب المغربي. ونجحت الجزائر في تجاوز محنتها المتمثلة في الحرب على الإرهاب والجهل اللذين كان يمكن ان يوديا بالبلد الى الهاوية. نجحت الجزائر بفضل الحملة المضادة المستمرة التي شنها الجيش والأجهزة الأمنية على المتطرفين الذين تغطوا بالدين الحنيف لإرتكاب أبشع المجازر في حق المواطنين العاديين. الآن تبدو الجزائر في وضع أفضل بكثير من الماضي، على الرغم من المشاكل الداخلية الكبيرة التي يعاني منها البلد. لكن الواضح أنها أستفادت الى حد كبير من ارتفاع أسعار النفط في السنوات القليلة الماضية كي تحدّ من النقمة الشعبية في مرحلة ما، خصوصا في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي. ونجحت ليبيا في السنوات العشرين الماضية في التحَّول من دولة منبوذة الى دولة محترمة. أستطاع العقيد معمر القذافي بفضل القرار الشجاع الذي أتخذه والقاضي بالتخلص نهائيا من أسلحة الدمار الشامل من العودة الى الأسرة الدولية وفك الحصار الظالم الذي أستهدف الجماهيرية بعد جريمة لوكربي التي سيتبين يوما أن غير طرف واحد شارك فيها. فهم العقيد القذافي في مرحلة معينة الفارق بين المستحيل والممكن ولجأ الى الممكن كي تستفيد بلاده من خيراتها بعيدا عن الشعارات التي لا يمكن ان تؤسس لسياسة بناءة على أي صعيد من الصعد. لكن قصة النجاح الأبرز في المغرب العربي هي قصة تونس التي استطاعت الوصول ألى مصاف الدول المتقدمة نسبياً عبر اعتماد سياسة تقوم على الإنفتاح والحداثة ترتكز قبل كل شيء على توسيع الطبقة المتوسطة. في عقدين من الزمن، نقل الرئيس زين العابدين بن علي تونس الى دولة حديثة فيها برامج تعليمية متطورة تخدم سوق العمل في بلد لا يملك اية ثروات تذكر في باطن أرضه. أكثر من ذلك، عرف الرجل كيف يتصدى منذ البداية للتطرف الديني موفراً على تونس المآسي التي مرت فيها الجزائر، الجار القريب. يكفي من أجل أعطاء فكرة عن النجاح التونسي أن عدد السياح الأجانب في البلد بات يتجاوز السبعة ملايين في السنة الواحدة. حتى موريتانيا، عرفت كيف تتطور وكيف تتخلص من الحكم العسكري وتنتقل الى نظام شبه ديموقراطي كاد أن يأخذ البلاد الى المجهول لولا استعادة العسكر المستنيرين المبادرة للحؤول دون أي صعود للتطرف الديني وتسلله الى المؤسسات العامة... على حساب الحرب على الارهاب الذي تعاني منه كل منطقة جنوب الصحراء حيث بات ل"القاعدة" قواعد ثابتة. هل كان الاتحاد المغاربي حاجة لأطراف معينة في العام 1989 فولد ميتا مع انتفاء هذه الحاجة. ربما كان هذا هو التفسير المنطقي لما آل اليه هذا التجمع الأقليمي. كانت حاجة الجزائر في تلك المرحلة الى تقارب مع المغرب، خصوصا بعد أحداث خريف العام 1988 والانتفاضة الشعبية العارمة على الحكم. الآن تستطيع الجزائر، التي عادت الى ممارسة دور الدولة الطامحة الى أن تكون قوة اقليمية، السماح لنفسها بإبقاء الحدود مغلقة مع جارها القريب. كذلك تستطيع الاستفادة الى أبعد حد من بقاء جرح الصحراء الغربية مفتوحاً! نشأ اتحاد المغرب العربي نتيجة تقارب مغربي- جزائري. الى ان يعود هذا التقارب يوما، تستطيع كل دولة من الدول الخمس الانصراف الى شؤونها الداخلية والتعامل مع أوروبا أو الدول الإفريقية التي يمكن التعاون معها. اليس ذلك أسهل من الدخول في متاهات عربية- عربية لا منطق لها من نوع الإصرار على ابقاء قضية الصحراء الغربية معلّقة؟ كان اتحاد المغرب العربي عنوانا لمرحلة معينة. أنتهت المرحلة أم لم تنته، هذا هو السؤال الكبير. ولكن يبقى ان الهدف الذي نشأ الإتحاد من أجله يجب أن يبقى حيَّا. انه هدف متواضع الى حد كبير وهو "فتح الحدود بين الدول الخمس لمنح حرية التنقل الكاملة للأفراد والسلع والتنسيق الأمني وانتهاج سياسة مشتركة في مختلف الميادين". مثلما نجحت كل من الدول الخمس في حماية مصالح خاصة بها، في استطاعتها اذا عادت الى المنطق التفكير بطريقة مختلفة ترتكز على ان التكامل والتعاون في ما بينها يصب في مصلحتها في المدى الطويل. يبدو مطلوبا التفكير في المستقبل وليس في الحاضر والمصالح الآنية فقط. عندئذ يمكن أن يتذكّر العالم اتحاد المغرب العربي مجددا.