الاحتلال يواصل توغله برفح وجباليا والمقاومة تكبده خسائر فادحة    صعقة كهربائية تنهي حياة عامل وسط اليمن.. ووساطات تفضي للتنازل عن قضيته    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    انهيار جنوني للريال اليمني وارتفاع خيالي لأسعار الدولار والريال السعودي وعمولة الحوالات من عدن إلى صنعاء    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    باستوري يستعيد ذكرياته مع روما الايطالي    فودين .. لدينا مباراة مهمة أمام وست هام يونايتد    انهيار وافلاس القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين    "استحملت اللى مفيش جبل يستحمله".. نجمة مسلسل جعفر العمدة "جورى بكر" تعلن انفصالها    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    فضيحة تهز الحوثيين: قيادي يزوج أبنائه من أمريكيتين بينما يدعو الشباب للقتال في الجبهات    خلافات كبيرة تعصف بالمليشيات الحوثية...مقتل مشرف برصاص نجل قيادي كبير في صنعاء"    الدوري السعودي: النصر يفشل في الحاق الهزيمة الاولى بالهلال    في اليوم ال224 لحرب الإبادة على غزة.. 35303 شهيدا و79261 جريحا ومعارك ضارية في شمال وجنوب القطاع المحاصر    الطرق اليمنية تبتلع 143 ضحية خلال 15 يومًا فقط ... من يوقف نزيف الموت؟    الدكتور محمد قاسم الثور يعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقه    الحوثيون يتكتمون على مصير عشرات الأطفال المصابين في مراكزهم الصيفية!    رسالة حاسمة من الحكومة الشرعية: توحيد المؤتمر الشعبي العام ضرورة وطنية ملحة    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    بن مبارك يبحث مع المعهد الملكي البريطاني "تشاتم هاوس" التطورات المحلية والإقليمية    السعودية تؤكد مواصلة تقديم المساعدات والدعم الاقتصادي لليمن    الحوثيون يعلنون إسقاط طائرة أمريكية MQ9 في سماء مأرب    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    المطر الغزير يحول الفرحة إلى فاجعة: وفاة ثلاثة أفراد من أسرة واحدة في جنوب صنعاء    مسيرة حاشدة في تعز تندد بجرائم الاحتلال في رفح ومنع دخول المساعدات إلى غزة    رئيس مجلس القيادة يناقش مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي مستجدات الوضع اليمني مميز    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي الشمالي.. كم يبلغ راتبه في إنتر ميامي؟؟    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    بيان هام من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من صنعاء فماذا قالت فيه ؟    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن والسعودية شريكان في الحرب على الإرهاب (7)
نشر في 26 سبتمبر يوم 26 - 03 - 2009

كلفة تأجيل المشاركة في الحرب على الإرهاب عالية جداً
تناولت في الحلقة السابقة من هذا المقال عرضاً للمحتوى الرئيسي والأفكار المحورية لمقالات الأخوين عبد الفتاح البتول ومروان الغفوري المنشورة في صحيفتي ( الناس ) و( المصدر) بشأن الإرهاب وفيلم ( الرهان الخاسر ).. كما تناولت في حلقتين سابقتين عرضاً للرؤية الفكرية
التي يسترشد بها كل من الحركة الصحوية الإخوانية السلفية في اليمن والسعودية من جهة, وتنظيم " القاعدة " وجماعات العنف الجهادية من جهة أخرى. وبالنظر الى إدمان الخطاب الإعلامي والدعوي لحركات الإسلام السياسي على البحث عن ذرائع لتبرير الإرهاب وإظهاره في صورة ( مقاومة وطنية مشروعة ), بما في ذلك الخلط التعسفي بين الفعل المقاوم في الأراضي الفلسطينية المحتلة , وبين الجرائم المعادية للإنسانية التي ترتكبها الجماعات الإرهابية في افغانستان والعراق والشيشان, فسوف أتناول في هذه الحلقة بعض الأفكار الواردة في مقالات الأخوين البتول والغفوري ذات الصلة بهذا الالتباس, على ان أواصل مناقشة بقية أفكارهما في العدد القادم.
المثير للدهشة أن كل ما جاء في مقالات الأخوين البتول والغفوري من التباس حول عدم التمييز بين المقاومة والإرهاب, والزعم بأن الشائع في العالم العربي هو توصيف المقاومة بالارهاب ليس جديداً, بل يكاد ان يكون ترديدا سمجا لاسطوانة مشروخة درج الخطاب الاعلامي للاسلام السياسي الصحوي في اليمن والسعودية على تسويقها منذ احداث 11 سبتمبر 2001م الارهابية التي تصادف وقوعها بعد تخطيط طويل مع اندلاع الانتفاضة الثانية في الإراضي الفلسطينية المحتلة, ومحاصرة القائد الفلسطيني الرمز الرئيس الراحل ياسر عرفات, حيث سمعنا كلاماً يشبه ما يقوله الغفوري والبتول من قبل بعض الجماعات الإسلامية السياسة التي كانت تتحدث حول الإرهاب باستحياء خجول, وتتهرب من تحديد موقف واضح منه بذرائع ملتوية.. ولا زلنا نتذكر إن أول اجتماع لمجلس التنسيق اليمني السعودي بعد أحداث 11 سبتمبر2001م انعقد تحت ضغط الحاجة لتحديد موقف واضح من اليمن والسعودية ضد الإرهاب من جهة، وتحت ضغط الخطاب الإعلامي القومي و الإسلامي الصحوي الذي كان يطالب الدول العربية بعدم المشاركة في الحرب على الإرهاب بذريعة عدم وجود تعريف دولي للإرهاب من جهة أخرى.
والحق أقول أن الحكومتين اليمنية والسعودية كانتا صريحتين في تحديد موقف موحد ضد الإرهاب رغم ضغوط الخطاب السياسي الاسلامي الصحوي, على نحو ماجاء في البيان المشترك الصادر عن الدورة الرابعة عشرة لاجتماعات مجلس التنسيق اليمني السعودي أواخر عام 2001 م, حيث أكدت بلادنا وجارتها السعودية عزمها على مواصلة التصدي بحزم للإرهاب, ومكافحته بكل اشكاله وصوره ودوافعه, سواء كان صادرا عن أفراد أو جماعات أو دول, بما في ذلك الارهاب الذي تمارسه اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل. ولاريب في ان أهمية ذلك الموقف تكمن في كونه جاء معززاً وداعما ً للجهود الرامية الى عقلنة الخطاب العربي إزاء هذه القضية الشائكة, وتمهيد الطريق لإطلاق مبادرة السلام التاريخية في مؤتمر القمة العربية الذي انعقد في مارس 2002م بالعاصمة اللبنانية بيروت. حيث أسهمت قراراته وتوجهاته ومبادراته النوعية و الجريئة في سد فراغ خطير كاد ان يضر بالمصالح العربية عموماً, والقضية الفلسطينية خصوصاً, من جراء عدم وضوح الموقف العربي من الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب التي تقودها الشرعية الدولية ممثلة بهيئة الأمم المتحدة استناداً الى قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1373) الصادر في 20 سبتمبر 2001, مع الأخذ بعين الاعتبار ان اليمن والسعودية كانتا من بين دول عربية قليلة ابدت تعاوناً مع هذه الحملة في اطار قرار مجلس الأمن الدولي الخاص بمكافحة الإرهاب, وقطع مصادر تمويله, وعدم تمكينه من الحصول على ملاذ آمن, وما ترتب على ذلك من تعرُّض هذه الدول التي سبق لها ان اكتوت بنار الارهاب لحملات التشكيك والابتزاز والمزايدات الكلامية والتحالفات الانتهازية من قبل بعض الحركات الإسلامية الصحوية وحركات المعارضة العربية القديمة والمتطرفة التي أعلنت في البيان الصادر عن المؤتمر القومي الإسلامي المنعقد في بيروت أواخر عام 2001م تضامنها مع تنظيم " القاعدة " و نظام "طالبان ", وطالبت الدول والحكومات العربية برفض قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1373 الخاص بمكافحة الإرهاب, وفتح ابواب التعبئة تحت مسمى ( الجهاد ) وارسال ( المجاهدين ) الى افغانستان لمحاربة قوات التحالف الدولي الى جانب مقاتلي نظام " طالبان " وتنظيم " القاعدة " بحسب ماجاء في ذلك البيان !!
مما له دلالة عميقة ان الحكومة الإسرائيلية برئاسة ايريل شارون آنذاك حاولت منذ اللحظات الأولى لأحداث 11 سبتمبر الإرهابية, استثمار تلك الأحداث وتوظيفها لخدمة السياسات الإسرائيلية العدوانية ضد الشعب الفلسطيني, وتصوير كفاحه المشروع ضد حرب الاباد ة التي شنها الجيش الإسرائيلي ضد السلطة الفلسطينية وقائدها البطل ياسر عرفات في تلك الفترة على انه امتداد للارهاب الذي تحاربه الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.. وبموجب هذا المنطق المقلوب جرى تقديم إسرائيل الى الرأي العام العالمي كضحية للارهاب, كما تم تقديم ما تقوم به قوات الكيان الصهيوني من جرائم حرب وجرائم معادية للانسانية ضد الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية في صورة الدفاع عن النفس في مواجهة ( الإرهاب ) !!
يتوجب الاعتراف بان جانباً كبيراً من الخطاب السياسي والاعلامي العربي اتسم في الأيام الأولى التي تلت أحداث 11 سبتمبر الارهابية بالارتباك والالتباس والتحفظ وعدم الحماس ازاء المشاركة في الحملة الدولية لمحاربة الارهاب, والافراط في التشديد على ضرورة تعريف الارهاب, كشرط للاسهام في هذه الحملة, ناهيك عن ان بعض المشاركين في مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية الذي انعقد في الدوحة بعد احداث 11 سبتمبر2001م اشترط إدانة الارهاب من خلال عقد مؤتمر دولي يتولى تعريفه !!
الثابت ان مراكز الابحاث والجامعات والشخصيات الأكاديمية الأمريكية والأوروبية المتعاطفة مع اسرائيل كانت ترصد بدقة متناهية مختلف ردود الأفعال في المنطقة العربية, حيث تم استغلال الكثير من الظواهرالسلبية لصالح الموقف الإسرائيلي والمخططات المعادية لكفاح الشعب الفلسطيني في سبيل الحرية والاستقلال واقامة الدولة الوطنية الفلسطينية, وذلك من خلال ابراز احاديث قادة تنظيم " القاعدة " عبر الشبكات الفضائية بعد احداث 11 سبتمبر, وخاصة تلك التي تبنوا فيها المسؤولية عن الاعتداءات الارهابية التي حدثت يوم 11 سبتمبر الأسود في نيويورك وواشنطن, ومحاولة ربطها بالقضية الفلسطينية، وتقديم تلك الأعمال المشينة التي أدانها المجتمع الدولي كدعم للانتفاضة الفلسطينية الثانية, والتهديد بمواصلة الهجمات الإرهابية على المدنيين الأبرياء في الأبراج السكنية العالية, وتقسيم العالم المعاصر إلى فسطاط إيمان وفسطاط كفر, واعلان الحرب الدينية على عالم الكفر !! ؟؟
و زاد الطين بلة ً قيام بعض الجماعات الشعبوية القديمة والاسلامية الصحوية بالربط التعسفي بين الارهاب والمقاومة الوطنية المشروعة, وعدم التمييز بينهما, وذلك من خلال تنظيم مظاهرات مؤيدة لنظام " طالبان " وتنظيم " القاعدة " في الاراضي الفلسطينية وبعض المدن العربية, استجابة لنداء المدعو امير المؤمنين في دولة "طالبان " الملا محمد عمر الذي دعا الشعوب الاسلامية للتظاهر ضد حكوماتها ( الموالية للكفار وإعلان البراء من موالاة الشيطان ) بحسب ما جاء في خطابه الصوتي الذي أذاعته قناة " الجزيرة " الفضائية. وقد حملت بعض المظاهرات التي انطلقت غداة اعلان ذلك البيان في صنعاء وعمران والخرطوم وغزة والعاصمة الاردنية عمّان صور زعيم " القاعد ة " اسامة بن لادن،ورددت شعارات تضامنية مع نظام " طالبان " ومقاتلي " القاعدة ", الى جانب العديد من المقالات والاحاديث الصاخبة عبر الصحف والفضائيات التي توعد فيها ممثلو وانصار هذه الجماعات والاحزاب بهزيمة قاسية ونكراء للقوات الامريكية على ايدي مجاهدي " طالبان " و " القاعدة " حال انتهاء مرحلة القصف الجوي وانتقال المعارك الى الارض قبل سقوط نظام " طالبان " وفرار قادته ومقاتلي " القاعدة " الى مناطق القبائل الباكستانية المحاذية لأفغانستان!!
في الاتجاه الآخر قام التلفزيون الاسرائيلي وشبكات التلفزة الأوروبية والأمريكية بالإضافة الى قناة "الجزيرة " القطرية بابراز مشاهد مصورة لهذه المظاهرات, وإعادة بثها عدة مرات بهدف تعبئة الرأي العام العالمي ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية, والتأثير على صانعي القرار في الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية, الأمر الذي قاد العقلاء من رؤساء وملوك الدول العربية الى تجديد طرائق التفكير والعمل في أكثر من اتجاه, لإنقاذ الشعب الفلسطيني من بطش الآلة العسكرية الصهيونية, وتجنيب الشعوب العربية مخاطر التربص بسيادتها وأمنها واستقرارها, وحماية صورة الإسلام والمسلمين من التشويه والافتراء, بالإضافة الى إدانة الأعمال الإرهابية التي يرتكبها المتطرفون في حق المدنيين المسلمين و((الأغيار)) حسب تعبير الغفوري باسم الدين زوراً وبهتاناً، وهو ما سنأتي على نقده وتفنيده في جزء لاحق من هذا المقال.
وبوسع كل من يقرأ الفقرة الخاصة بمكافحة الإرهاب في البيان الختامي الصادر عن الدورة الرابعة عشرة لمجلس التنسيق اليمني- السعودي الذي انعقد بعد احداث 11 سبتمبر 2001م, ملاحظة انه كان سباقاً في صياغة موقف متوازن من الارهاب, كان جديراً بالدول العربية ان تتخذه بعد وقوع تلك الاعتداءات الارهابية , بدلاً من إهدار الوقت والجهد في تأجيل حسم الموقف من الارهاب والتهرب من إدانته, واشتراط عقد مؤتمر دولي لتعريف الإرهاب قبل المشاركة في مكافحته, ورهن المشاركة العربية في الحرب على الارهاب بموافقة الدول الكبرى على قبول مبدأ التمييز بين الارهاب والمقاومة الوطنية المشروعة, الأمر الذي أسهم في توفير الذرائع لاتهام الدول العربية بدعم الارهاب وتمويله وتوفير ملاذ آمن له, وعدم الاستعداد للمشاركة في مكافحته.
الثابت ان البيان اليمني- السعودي المشترك بعد احداث 11 سبتمبر 2001م دشن منطلقا ً واضحا ً وقويا ً لعزم البلدين الجارين على مواصلة التصدي الحازم للارهاب بكل اشكاله وصوره ودوافعه, سواء كان صادراً عن أفراد أو جماعات أو دول. كما جاء في الوقت نفسه صريحاً بدون أي لبس اوتهاون في إدانة الإرهاب الذي تمارسه اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية, الأمر الذي اسهم في ان يكون اول مؤتمر للقمة العربية بعد تلك الأحداث محطة انطلاق لتجديد وعقلنة الخطاب السياسي العربي بعد مخاض طويل ومعقد اجترحت فيه القيادات العربية المعتدلة مشقة اختراق الحملات الظالمة على الاسلام والمسلمين ،والتمسك بحقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وبناء دولته الوطنية المستقلة, وصولاً الى بلورة الأفكار الجوهرية لخطاب عربي جديد، يصلح للرد على الخطاب الذي صاغه الغرب, ووجهه الى العالم العربي والاسلامي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الارهابية, وسعى من خلاله الى تسويق مفهوم أحادي الجانب للأسباب التي تقف وراء ظاهرة العنف الديني العابر للقارات, على نحو ما جسدته حركة " طالبان " والجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والنصارى ممثله بجهازها السري الخاص والمعروف بتنظيم " القاعدة ". وبالنظر الى مضمون الخطاب الديني لقادة تنظيم " القاعدة " فقد حاول الخطاب الغربي الموجه الى المجتمعات العربية والاسلامية, الإيحاء بان معضلة الإرهاب الذي يقدم نفسه من خلال خطاب ديني إسلامي تعود الى معضلة في النص الديني ذاته, لا الى أسباب سياسية واجتماعية وثقافية. مع الأخذ بعين الاعتبار ان مراكز الأبحاث والجامعات الأمريكية والأوروبية حاولت ان تطرح تساؤلاً يتعلق بالأسباب التي جعلت جماعات العنف في العالم العربي والإسلامي تتخذ طابعاً دينياً وتتبنى خطاباً متطرفاً يجسد فهماً خاصاً للنص الديني.. أي ان الثقافة الإسلامية قابلة لإنتاج وإعادة انتاج هذا النوع من العنف, الأمر الذي يسهم في تكوين موقف سلبي إزاء العرب والمسلمين.
من نافل القول ان مقالات البتول والغفوري لم تقدم جديداً على صعيد الخلط بين المقاومة الوطنية والإرهاب , لأن ثمة محاولات فكرية عربية سابقة استهدفت تبرير الإرهاب من خلال إظهاره في صورة احتجاج إسلامي يتخذ شكل العنف, فيما أعادت محاولات اخرى أسباب هذه الظاهرة الى وجود انحراف في فهم وتأويل النصوص.. بمعنى ان المشكلة ليست في النص ولكن في طريقة قراءته وفهمه. فقد شهد العالم الإسلامي موجات من الاحتجاج ضد الاستعمار والانقطاع الحضاري بوسائل مشروعة مارستها حركات الإصلاح الديني في اواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين المنصرمين ،سواء بالانفتاح على الحضارة الصناعية الغربية وعدم تكفيرها, والسعي للإفادة من منجزاتها وأدواتها وقيمها, او من خلال حركات التحرر الوطني التي قاومت الاستعمار الاوروبي، وخاضت نضالاً وطنياً تحررياً في سبيل الحرية والاستقلال, ولم يدفعها البطش الاستعماري الى ارتكاب جرائم ارهابية معادية للانسانية ضد المدنيين في عواصم ومدن دول المتروبول, أوإرتكاب اعمال قرصنة في طرق الملاحة الدولية, على نحو ماحاول الغفوري تبريره باسلوب ذرائعي في مقاله الذي نشرته صحيفة "المصدر ".. فكما ان هناك فرقاً بين المقاومة والإرهاب, فان ثمة فرقاً كبيراً يميز القضايا والمبادىء والأهداف التي تؤمن بها وتناضل من أجلها حركات التحرر الوطني،عن المجرمين والقتلة واللصوص والقراصنة الذين لاتوجد لديهم قضايا عادلة مشروعة ترتقي الى مستوى المهام الكفاحية التحررية الوطنية. ومن السخف أن يغامر المرء بالغاء عقله كي يصدق ان الأديان السماوية والمبادئ العظيمة التي يؤمن ويسترشد بها المناضلون الصادقون في سبيل الحرية والعدالة, يمكن أن تحيل من يعتنقونها ويسترشدون بها, الى مجرمين وقتلة يستبيحون سفك الدماء وانتهاك الأعراض في الأرض، أو قراصنة يفسدون في البحر والجو!!
يقيناً ان الإفراط في تأجيل إدانة الارهاب, والتحفظ على المشاركة في مكافحته واشتراط ان يتم ذلك بوجود تعريف دولي للإرهاب, كان يعكس تفريطاً في تجاهل كلفة هذا التأجيل، خصوصا وان لدى الأمم المتحدة حزمة من القرارات الدولية التي تراكمت منذ عام 1961م وأصبحت جزءاَ أصيلاً من القانون الدولي الجنائي والعام , وجميعها يتضمن تعريفاً لمفهوم الارهاب, وتأكيداً على حق الشعوب في مقاومة الاحتلال, على نحو يميز بدون أي لبس بين الإرهاب والمقاومة الوطنية المشروعة . ولذلك فقد استغلت القوى اليمينية والصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية تردد بعض الأطراف العربية عن المشاركة في الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب, وسعت الى تكوين موقف يزعم بوجود بيئة عربية سياسية وثقافية تفرخ الارهاب وتصنع الموت, وما ترتب على ذلك من خلط بين الجماعات السلفية المتطرفة التي تحمل فهماًً منحرفاً للنصوص, وبين حركات التحرر الوطني وجمعها في سلة واحدة.
وفي الاتجاه نفسه استفادت القوى اليمينية المسيحية وجماعات الضغط الصهيونية في الولايات المتحدة وأوروبا من التدليس الذي درج عليه الخطاب الإسلاموي الصحوي لجهة الربط بين مايجري في فلسطين المحتلة وما يجري في أفغانستان, والخلط بين المقاومة والإرهاب وإظهار الجرائم الإرهابية التي يرتكبها تنظيم " القاعدة " في صورة ((مقاومة وجهاد )) على نحو ماقرأناه في مقالات عبد الفتاح البتول ومروان الغفوري , حيث اشتغلت القوى الصهيونية على توظيف مفاعيل هذه المقارنات الخاطئة لخدمة السياسات العدوانية التوسعية لإسرائيل, وإظهار الكفاح الوطني التحرري المشروع للشعب الفلسطيني في صورة " إرهاب " ،الأمر الذي يستوجب تفنيد هذه الأطروحات التي اعاد تسويقها البتول والغفوري عبر صحيفتي " الناس " و " المصدر ", والتمييز بين الفوارق الجوهرية لمشهد المقاومة في فلسطين ومشهد الجرائم الارهابية في أفغانستان, وهو ما سنتناوله في العدد القادم بإذن الله تعالى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.