يكذب على نفسه ويغالطها مثلما يفتري على الله قبل وطنه من يدعي أن لديه قضية ومشروعاً بنائياً، ويكون القيام بحركة ارتدادية عن المبادئ والعودة إلى ماضٍ، سبيله إلى تحقيق ما يدعيه. وليس ذلك وحسب إذ ينفث أمثال هؤلاء المرتدين سموم حقدهم ضد كل مستثمر ومنتج كل ذنبه أنه يحمل وطنه في قلبه ليمنحه كل ما في جيبه ووسعه من مال ينتفع به ومنه، إلى جانبه العشرات من العاطلين والمحتاجين. فما هي وسيلتهم للبناء الذي يدعون؟ إلا أن يكون ذلك متطابقاً مع السعي لإعادة الزمن الاستعماري وهو الذي يتكفل بدفع عناصره للدخول في النشاط التجاري. وتلك صورة طبق الأصل للأحوال التي سادت عقب الاستقلال، وتجلى فيما بعد أنها عملية إحلال استعمارية جديدة أو من طراز جديد لا أقل ولا أكثر. وغير القادرين على التفكير المستقل وإبداع البدائل والحلول الذين يحتل الوطن المكانة أو المساحة الهامشية في أحاسيسهم وتوجهاتهم، هم وحدهم الذين يستهويهم أمر الاستتباع ويستكينون لمصدره وتلك واحدة من الوجهات المفسرة لما يجري على الساحة الوطنية من محاولات لتأزيم الأوضاع وإفساد عملية التطور الديمقراطي. ويستوي في ذلك من يقترف أعمال الشغب والتخريب ومن ينافح عنها تحت ضغط وإغواء الوهم السياسي بإمكانية التكسب من ورائها وليضاف إلى طابور المغرر بهم إن لم يكن في صف المطلوبين للعدالة، وليس بعيداً أو خارج نطاق الموقف السلبي تجاه متطلبات الاستقرار السياسي والاستمرارية الإنمائية، من يلوذ بالمواقع السياسية للأداء الذي يصب في مجرى توسيع رقعة التداعيات والدفع بالأوضاع إلى حافة الانهيار. وهناك أحداث على جانب كبير من الخطورة والاحتمالات التدميرية ولا تحتمل التجاهل والمراوحة ولابد من موقف واضح يتخذ تجاهها ويكون من الوجاهة إزاءها أن يؤخذ بذنب الشراكة في تحمل وزرها من كان بلا موقف محدد وواضح. وهناك قيم ومبادئ عظيمة كالحوار والتوافق الوطني على المحك السياسي - وهي عرضة للانتهاك والانهيار - ما يخرج الأداء الحزبي من دائرة المماطلة والتسويف والإبقاء على أوضاع التأزم. وتلك واحدة من الاتجاهات التي تتسبب في تجريد العلاقات بين مكونات الحياة السياسية من أسباب وعوامل التعامل الودي وتمكين ردود أفعالها من التحكم في التصرفات التي يمكن لتداعياتها أن توقع الجميع في مستنقع الكراهية وسفك الدم واستبساط قتل النفس المحرمة واحترافه هو المحصلة الوحيدة للعمل على نشر ثقافة الكراهية وما يسعى إليه من إثارة مشاعر الحقد وتعميمها على جموع البشر وفق الفرز الجغرافي. إنه الحقد الأعمى الخالي من أية إمكانية للتمييز بين الأمور والاستثناء في المواقف، وتكون البراءة والطبائع الإنسانية أول وأكبر ضحاياه. ولا ينهج هذا السبيل سوى المتجرد عن القيم والمبادئ الوطنية والإنسانية والمسكون بالعقلية التصفوية وله فيه ماض وتاريخ شنيع. وأما الحاقدون الجدد فهم موضوع إحالة إلى الأطباء النفساويين بداعي الإصابة بكل العقد والأمراض التي يلم بها علم النفس وهذا في الحالات التي يؤمل في شفائها. ومن كانت إصابته مزمنة وبلغت في تطورها ذروة الانفصام فحكمه إلى الضياع. وتطبيق حكم الشرع والقانون في العدوان على الشخص البريء في دمه وماله وعرضه كفيل بعقلنة السلوكيات وبناء الإنسان السوي.