ليس بغريب على فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية أن يكون دوماً صاحب المبادرة والسبق في دعوة كافة أطياف العمل السياسي في السلطة والمعارضة وجميع أبناء الوطن علماء ومشائخ وشخصيات اجتماعية وثقافية ومنظمات مجتمع مدني وغيرها إلى التصالح والتسامح والحوار والتفاهم تحت سقف الدستور والقوانين النافذة والثوابت الوطنية باعتبار أن سمة كهذه ارتسمت في النهج الذي اختطه فخامته منذ اللحظة الأولى التي تم فيها انتخابه لقيادة سفينة الوطن في السابع عشر من يوليو عام 1978م. وفي سياق هذه المعاني والصفات والسجايا الحميدة فإن تجديد فخامته لمثل هذه الدعوة للجميع في افتتاحية صحيفة (الثورة) في عددها الصادر يوم أمس والتي كتبها الأخ رئيس الجمهورية يعكس تماما على أن اليمن قد تجاوزت المفاهيم التقليدية غير المأمونة لمعالجة أية اختلافات أو تباينات في الرؤى والاجتهادات ووجهات النظر ، بين أطيافها السياسية والحزبية وغيرها وهي التباينات التي تعد من الأمور الطبيعية في أي نظام ديمقراطي تعددي ، لتعتمد بدلاً عن ذلك وسيلة حضارية هي الحوار ، الذي يعد من أفضل الخيارات لتصويب المواقف ، وتحقيق التفاهم ، والوصول إلى التوافق البناء والإيجابي ، الذي تزول فيه التقاطعات ، وتتغلب فيه المصلحة العليا للوطن على ما عداها من المصالح الحزبية والذاتية الضيقة لقناعة قيادتنا السياسية بأن الانحياز للمصلحة العليا هو وحده الكفيل بتحقيق العصمة والمنعة والاقتدار للوطن الذي ننتمي إليه جميعا ونحمل هويته ونحتمي بظله وننعم بخيره وثماره. وبالنظر إلى ما تحمله دعوة رئيس الجمهورية للتصالح والتسامح والحوار من دلالات وطنية عميقة فإن المسؤولية تقتضي من جميع أطراف المصفوفة الحزبية والسياسية وكافة الفعاليات المدنية والجماهيرية والاجتماعية التفاعل مع هذه الدعوة الصادقة والتعاطي معها بروح وثابة وإرادة مخلصة بعيدا عن العناد والمكابرة والشروط التعجيزية والرغبات المزاجية والانفعالات المتسرعة والتوظيف الانتهازي والتكتيكات الحزبية والمطامع الشخصية التي يتقدم فيها الخاص على العام خاصة وأن هذه العوامل والنوازع تتصادم مع قيم الحوار ومنهجيته الحضارية وبُعده القيمي والوطني ، بل إن إخضاع الحوار للشروط المسبقة أو التعجيزية يفقده جوهره الديمقراطي ومضمونه النقي وينزلق به إلى النقيض. ولا نجد منطقية لأي قول يحاول تفصيل قضايا الحوار على مقاسه أو وفق أهوائه واشتراطاته، لأن من يعمد إلى هذه الأساليب إنما هو الذي يجد مصلحته في استمرار الانسداد السياسي واتساع حالة التباينات والاختلافات على الساحة الوطنية ، وأنه إذا ما حل التواصل والتفاهم والوئام السياسي والاجتماعي افتقد تلك المصلحة التي يجنيها من وراء افتعال الأزمات وإشعال الحرائق. وما ينبغي التأكيد عليه مجدداً أن دعوة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح أبناء الوطن إلى الحوار والتصالح والتسامح والابتعاد عن العنف ومناخات التوتر والتأزيم ونبذ ثقافة الكراهية والبغضاء والسمو فوق الصغائر والمصالح الذاتية والأنانية وإن كانت قد وضعت الجميع أمام مسؤولياتهم التاريخية فإنها أيضا فتحت الباب على مصراعيه لتعزيز إرادة التلاقي على قواسم مشتركة أساسها الثوابت الوطنية والتي يتصدرها الحفاظ على مكاسب الثورة اليمنية «26 سبتمبر و14 اكتوبر» ، والنظام الجمهوري والوحدة والديمقراطية والأمن والاستقرار وصيانة السلم الاجتماعي، وهي ثوابت لا يمكن لأحد تجاوزها لارتباطها الوثيق بمسيرة النضال التي خاضها شعبنا وقدم في سبيلها الكثير من التضحيات السخية والغالية على دروب التحرر والتقدم والوحدة والديمقراطية والاستقرار وما دمنا نؤمن بأن الوطن هو وطن كل أبنائه وأنه الذي يتسع للجميع فإن الواجب يحتم على الجميع صون مقدراته ومنجزاته وأمنه واستقراره وحمايته من أي عبث أو تجاوزات أو ممارسات خاطئة تعطل مسيرته التنموية والديمقراطية والاقتصادية. لقد آن الأوان أن نستوعب جميعا أن الديمقراطية لا تتوقف تعبيراتها عند حدود حرية الرأي والتعبير والتداول السلمي للسلطة بل إنها التي تتسع للقبول بالآخر والتعاطي مع أفكاره وأطروحاته طالما أنها لم تخرج على قاعدة الثوابت الوطنية المنطلقة من مصلحة اليمن العليا .. كما أنه قد حان الوقت لنعي جميعا أن القبول بالآخر يعني الحوار معه من موقع الاختلاف وليس الخلاف وهو ما يفترض الابتعاد عن سوء النوايا والأحكام المسبقة والجاهزة والاشتراطات التعجيزية والأطروحات الانفعالية التي تبتعد بالحوار عن مقاصده الوطنية النبيلة. وفي هذا الشأن فإن من الواقعية عدم الإيغال في العناد والمكابرة خاصة وأن الديمقراطية تقتضي أن يؤمن الجميع بحقيقة التداول السلمي للسلطة وأن من هو اليوم في السلطة سيصبح غداً في المعارضة ، والعكس أيضا، وبالتالي فإن من مصلحتنا جميعا أن نسعى إلى تكريس طابع الشراكة الوطنية وترسيخ ثقافة المحبة والتسامح والأخوة بين أبناء الوطن الواحد. فكلنا نبحر في سفينة واحدة وعلينا حمايتها من العواصف والأمواج المتلاطمة لنصل بها إلى بر السلامة والنجاة والأمن والأمان.