دعوة رئيس الجمهورية للحوار والتصالح والتسامح وضعت كافة القوى السياسية والحزبية في السلطة والمعارضة أمام مسؤولية وطنية وتاريخية تقتضي من الجميع الارتفاع إلى مستواها واستشراف دلالاتها ومقاصدها وغاياتها النبيلة واستغلال الفرصة التي وفرتها بما يساهم في تعزيز علاقات الثقة والارتقاء بالعمل الديمقراطي والتوافق حول الإصلاحات السياسية، التي يتعين إجراؤها في إطار ما سبق مناقشته والإجماع على ضرورته. وما يجب أن يكون في حسبان الجميع هو أن جميع الأطراف معنية بدرجة رئيسية بالتهيئة لنجاح الحوار باعتبار أن أمراً كهذا لا يقع على طرف دون آخر بل أن كافة الأطراف مطالبة بتكريس كل جهودها من أجل حلحلة أية تعقيدات أو مصاعب تحول دون بلوغ الحوار أهدافه المنشودة. وطالما أن ثمار النجاح ستنعكس بمردوداتها على الجميع فإن أي انتكاسة يتعرض لها الحوار ستلقي بضررها على كافة الأطراف المتحاورة فضلاً عما سيترتب على الإخفاق من تأثيرات بالغة على الوطن والمجتمع بالنظر إلى علاقة الارتباط بين الانفراج السياسي والاستقرار المجتمعي والنشاط التنموي وشواهد الحياة بمختلف جوانبها. والشق الجوهري في هذا الجانب يؤكد على أن الجميع شركاء في السلب والإيجاب والنجاح والفشل، وإذا ما سلمنا بهذه الحقيقة فإن منطق العقل يفرض على أطراف الحوار التحلي بإرادة صادقة ومخلصة تقودها وترشدها إلى الطريق القويم، الذي تسلكه في حواراتها بعيداً عن التعرجات والأساليب الالتفافية والمناورات التكتيكية والشروط التعجيزية وأي شكل من أشكال العناد والمكابرة التي ليس لها من نتيجة سوى استثارة ردود الأفعال ودفعها في اتجاهات متشنجة تضيق بالحوار وقواعد الممارسة الديمقراطية وأخلاقيات الاختلاف في وجهات النظر والرأي والرأي الآخر. وعليه فإذا كان الحوار يمثل الوسيلة الناجعة والحضارية للتقريب بين المواقف والرؤى والتوجهات فإن هذه الوسيلة تفقد معناها إذا ما تم التعاطي معها من منظور نفعي أو ميكافيلي أو انتهازي أو طغت عليها النوازع الذاتية أو الحزبية الضيقة، وبالتالي فإن من مصلحة المصفوفة الحزبية والسياسية الإقبال على الحوار من منطلق الحرص على ما يخدم المصلحة العليا للوطن الذي يغلب فيه العام على الخاص والأهم على المهم، بحيث يصبح هذا الحوار مرفأ الأمان الذي يلجأ إليه الجميع لنفض أي غبار من على جدارنا الوطني. وفي هذه الحالة سيصبح أي لقاء تحاوري رافداً جديداً من روافد رسوخ التجربة الديمقراطية وديمومة تطورها ورقيها، بل أن هذه اللقاءات الحوارية ستؤسس لمدرسة ديمقراطية يمنية رائدة نفاخر بها أمام الآخرين. ونعتقد أن البداية إلى ذلك هي بالتجاوب والتفاعل مع الدعوة الموجهة من فخامة رئيس الجمهورية للحوار والتصالح والتسامح دون أي تلكؤ أو تبريرات أو شروط تعجيزية من شأنها تعطيل الحوار وإضاعة الوقت الزمني المحدد لإنجاز قضاياه، خاصة وأننا بحاجة أكثر من أي وقت مضى للوقوف صفاً واحداً لمواجهة المؤامرات والدسائس التي تحاك ضد الوطن والتصدي لمحاولات الاستهداف التي يسعى من خلالها المتربصون بهذا الوطن إلى النيل من أمنه واستقراره وإغراقه في دوامة الفوضى والفتن ظناً منهم أن ذلك سيسمح لهم بإعادة تفتيت اليمن والانقضاض على وحدته المباركة المحروسة بإرادة الله والشعب اليمني. ومما لا جدال فيه أنه وفي ظل هذه التحديات فقد آن الأوان للمصفوفة السياسية والحزبية الوطنية أن تتجه نحو التوافق على ما يمكن الاتفاق عليه وإخضاع ما هو مثار خلاف لمزيد من الحوار، فذلك أجدى لها وللوطن وأبنائه الذين لابد وأن تتشابك أيديهم في مجابهة دعاة الفتنة وعناصر التخريب والارتداد وحفنة المتآمرين والعملاء والمرتزقة، الذين يريدون ملء جيوبهم بالأموال المدنسة وتحقيق الثراء الفاحش من خلال المتاجرة بالوطن والتآمر على وحدته وأمنه واستقراره والنيل من سلمه الاجتماعي، دون أن تدرك هذه الحفنة المنبوذة أن كيدها سيرد إلى نحرها وأنها بما دأبت عليه قد حكمت على نفسها بالمصير المحتوم، شأنها شأن كل من سبقها من المتآمرين والعملاء، الذين سقطوا في مهاوي الخزي والعار.