ليست المرة الأولى التي نجد فيها أحزاب اللقاء المشترك تتخبط في مواقفها وطروحها ومسارات عملها، لكونها أصلاً لا تعلم ماذا تريد، وإلى أين تمضي، وفي أي اتجاه تسير. ولن تكون المرة الأخيرة التي تظهر فيها هذه الأحزاب غارقة في تناقضاتها واندفاعاتها المتهورة، فهي في السابق كما هي في الراهن، تفتقد الرؤية الصحيحة والسليمة إلى درجة باتت تشعر معها بالغرق نتيجة تصرفاتها التي يغلب عليها الطيش والرؤى الطوباوية الملتبسة والتي تمثل نتاجاً طبيعياً لحالة الانسداد الذهني والفكري لدى قياداتها، التي صار من الواضح أنها لا تمتلك أي أفق سياسي أو خبرة تمكنها من التكيف والتواؤم مع المثل العليا للديمقراطية واستحقاقات ممارستها من المنظور السياسي الاستراتيجي وبفعل احساس هذه القيادات بالغرق فإنها تسعى إلى إغراق الوطن معها. وكنا نتمنى ألا تصل تلك الأحزاب وقياداتها إلى هذا المستوى المؤسف من الانفصام والانحدار، خاصة وأنه كان بوسعها تجنب الوقوع في هذا المنزلق، لو أنها تعلمت من تجارب الآخرين واستفادت منها في تصحيح مفاهيمها ومجريات أدائها، إذ ليس عيبا أن يتعلم الإنسان من أخطائه ولكن العيب كل العيب أن يقع فيها مرة أخرى. وليس تجنياً أو تحاملاً إذا ما قلنا أن هذه الأحزاب ونتيجة ذلك النفق المظلم الذي أدخلت نفسها فيه، فقد تعززت قناعات الكثيرين في الداخل والخارج بأن هذه الأحزاب قد داهمها الخمول بحيث أصبحت عاجزة عن تقويم نفسها، واستلهام آفاق العمل السياسي وتحولاته، ولذلك فهي وبدلا من أن تتجه نحو الأمام تعود إلى الخلف وتتقهقر إلى الوراء. وقطعاً فإن عدم حرص هذه الأحزاب على أن تكون لها خطة عمل تتحرك بموجبها، فقد أفضى ذلك إلى خروج المراقبين لأداء هذه الأحزاب سواء كانوا في الداخل أو ضمن المنظمات والجهات المهتمة بمسيرة العملية الديمقراطية في اليمن بقناعة حقيقية ان أحزاب اللقاء المشترك لا تعرف بالفعل ماذا تريد وهي عاجزة عن أن تصبح أحزابا ذات فاعلية من خلال مشاركتها السياسية الناضجة، حيث تأكد أنها تمارس المعارضة لمجرد المعارضة وأنها ترفض كل شيء ولا تعمل على تقديم البدائل الموضوعية لما ترفضه أو تنتقده وفي هذا ما يومئ إلى حقيقة أن هذه الأحزاب تعيش لحظات شبيهة بمن يلفظ أنفاسه الأخيرة أو هو على حافة الغرق، ولذلك فهو لا يكترث بما يترتب على تصرفاته وأفعاله من نتائج مدمرة لكونه لا يأبه بما يقوم به من أفعال أو تصرفات. وانطلاقا من الوقائع القائمة فإن السؤال الذي يطرح نفسه.. كيف يمكن لأي سياسي يملك الحد الأدنى من الوعي أن يقبل بما يصدر عن أحزاب اللقاء المشترك من تخريجات، فيما هو يرى خطاب هذه الأحزاب يتماهى مع خطاب العناصر الإرهابية الخارجة على النظام والقانون في بعض مديريات محافظة صعدة والتي تحلم بعودة الحكم الكهنوتي الامامي المتخلف، وهو الخطاب الذي يتناغم أيضاً مع العناصر الانفصالية في بعض المحافظات الجنوبية التي تسعى إلى إعادة تمزيق الوطن والنيل من وحدته باعتبار ان خطابا كهذا ليس له أجندة سوى النفخ في كير الفتن ونشر الفوضى واستهداف استقرار الوطن والسلم الاجتماعي؟! فمثل هذا التحالف العجيب والغريب الذي يجمع بين «الأضداد» في الفكر والأيديولوجيا هو أشبه ما يكون ب«سوق عكاظ» فلكل طرف فيه حساباته الخاصة التي تتفق مع هواه ومصالحه وكل يسبح في فلكه، وليس هناك من جامع بينهم سوى أن الذين فقدوا جميعاً التوازن تفكيراً وسلوكاً وتجردوا جميعاً من لغة العقل والمنطق، متوهمين أنهم من خلال نشر الفوضى سيتمكنون من تحقيق أهدافهم ومطامعهم دون إدراك أن ما يلهثون وراءه هو المستحيل بعينه، ففاقد الشيء لا يعطيه كما يقال، ولاندري كيف فات على هؤلاء أن نهاية عصابة الإرهاب الحوثية أصبحت قريبة ووشيكة وأن الشعب ومؤسساته الدستورية وفي مقدمتها القوات المسلحة والأمن مصممون تماماً هذه المرة على وضع حد لتلك الفتنة التي أرادوا من خلالها الانتقام من الوطن وزعزعة أمنه واستقراره. بل وكيف فات على هذا التحالف الانتهازي أنه لا أمل ولا أفق أمام تلك العناصر الانفصالية لبلوغ مراميها الدنيئة في إعادة تمزيق الوطن، وسيتصدى لها الشعب اليمني ويلحق بها الهزيمة المنكرة كما تصدى بالأمس للعناصر المتآمرة والمأجورة ،وأسقط رهاناتها ورهانات كل من حاول المساس بثورته ووحدته ومكاسبه وأمنه واستقراره. وأمام ذلك فإنه يتعين على أحزاب اللقاء المشترك إذا ما أرادت الخروج من عزلتها مراجعة مواقفها وتصويب توجهاتها ومساراتها واستيعاب حقائق الواقع من حولها بدلاً من التمترس وراء الأوهام واللجوء إلى أساليب الانتحار السياسي ومحاولة هدم المعبد على رؤوس الجميع، حيث وقد آن الأوان لهذه الأحزاب أن تتعظ من تجاربها وتستفيد وتتعلم!!