منذ اليوم أصبح هَزجُ الصغار ب"حماحم رمضان وقرعة دراهمه" المنتظرة كما تقول الأغنية التراثية الشهيرة أمرفيه الكثير من الصدقية بعد أن -كنا -نتعامل معها كشكل طقوسي يذكرنا بالمناسبة واستدعائها اليوم من باب أن " الدعاء سلاح المؤمن" لمواجهة طوفان الأسعار التي لم تنضبط منذ زمن وتزداد تصاعدا في الشهر الكريم ..ومن الله القبول!! والداعي هنا مصيبة صنف من التجار لا يلتفتون إلى ثلاثية الرحمة والمغفرة والعتق من النار التي هي معنى وروح الشهر الفضيل لمن أراد النجاة -إذ- كان الأحرى بوزارة الأوقاف والإرشاد وبالتنسيق مع وزارة الصناعة والتجارة تنظيم برنامج وعظي قبيل رمضان لهؤلاء التجار يستمعون فيه لمحاضرات عمرو خالد وعائض القرني وسلمان العودة والحبيب الجفري حتى يعلموا يقينا أن في مثل هذاالشهر فتحت مكة وتم البدءببناء القيروان وفتحت عسقلان ولم يكن شهرا لقص شريط فحش الأسعار وسكاكينها الحادة التي تذبح من (قفا الرقبة) !! وبفعل ذلك أصبح الناس يعومون في بحرمن (حلبة) تتقاذفهم أمواج تجار يتعاملون معنا كأعضاء في منظمة (الجات) لا علاقة لهم بقدسية الشهر الكريم الذي يزكي النفس ويضيق مسالك الشياطين وهكذا يبعدون عن جسد وروح العبادة بالأميال.! وإن شئنا الدقة فالأمر لا يقف عند جشع الأسعار بل يتجاوزه إلى رفد السوق (الرمضاني) بسلع فاسدة ورديئة تم تخزينها بشكل سيئ .. لتصبح قنابل موقوتة معدة لصائمين يمضغونها من بعد دعاء "اللهم لك صمنا".! ونحن صغار علمتنا كتب الدين المدرسية أن "الصيام نصف الصبر" وأن الصوم مدرسة لتهذيب النفس من أدران الدنيا وأن حكمته الجلية تكمن في التموضع في مقام الإحسان والشعور بمعاناة الفقراء والمساكين والأيتام طلبا لنيل الثواب الجزيل..!! مع ذلك يصر بعض التجار على التعامل مع الشهرالكريم من باب تقليد الأفعى في الظلم ..ونتعامل معه نحن زبائن التجار وكأنه "أثقل من جبل" ؟من خلال السعي الدؤوب إلى تنظيف الجيوب والإخلال بميزانية الأسرة بحجة متطلبات رمضان التي يفترض أن تتقلص فيه ومع ذلك نجد إخلاء سريعاً لرفوف المحلات التجارية بمجرد دخول أجواء رمضان وكأننا في حرب بطون .!! المشكلة تنمو وتنموفي ظل غياب تام للوعي الاستهلاكي الاقتصادي لدينا الذي لايذكربه أحد لامناهج ولا وسائل إعلام ولا منظمات مجتمع مدني ولا حتى خطيب مسجد!..والنتيجة تضخم لدى المستهلكين بسبب توقع وتخوف غير عقلاني من ارتفاع الأسعار بشكل مفاجئ يؤدي إلى شراء كميات كبيرة من السلع في وقت واحد لاعتقاد المستهلك بأن الأسعار سترتفع فجأة.! ظاهرة تغذيها الشائعات في ظل غياب المعلومات الصحيحة ولأنها تعدت الحدود العقلانية , أصبحت ظاهرة عالية الضرر وتعرف في علم الاقتصاد (بشراء الهلع)إضافة الى الإسراف في تناول الطعام , والميول الاستهلاكية المرتبطة بالشهر الفضيل ، بخلاف المنظور الديني الحقيقي لها. يرافق ذلك استجابة لرغبة داخلية نفسية لدى الإنسان يغذيها ( الجوع - وعدم الثقة من توفر الغذاء ). لكن من الانهزامية أن نكتفي بعزف تلك المقولة التي تقول ليس بالإمكان أبدع مما كان ..لان هناك حلولاً جاهزة -إذ - بالإمكان استيراد السلع الرمضانية مباشرة وتوفيرها لتجار التجزئة بسعر التكلفة ، لإيجاد منافس لتجار الجملة الذين قد يقومون بتقليص المعروض وبالتالي زيادة الأسعارمع تكثيف الرقابة المفترضة بعد مغادرتها لصوم الدهرللتأكد من التزام المتاجر بالأسعار المعلنة وكفى الله المؤمنين شرالقتال.! هل تفعلها وزارة الصناعة والتجارة والمؤسسة الاقتصادية يوما -ما- ولو كبيضة ديك؟ليتجاوز المواطن إدمان سماع صوته الداخلي المجبول على التشاؤم والتحريض ويكف عن التفكير بأن نزول الأسعار إلى الحدود المعقولة ضربا من خيال مدينة (العم)أفلاطون الفاضلة!!..