قال أحد الفلاسفة المعاصرين: «إن كل كتاب أقرأه ما هو إلا نافذة على جهلي». إنها مقولة لا تصدر الا من فيلسوف أو عالم أو فقيه مجتهد فما هو هذا الجهل الذي لا يعترف به إلا فيلسوف أو عالم أو مجتهد؟ وهل الجهل انواع أو مراتب؟ ما اراه هو ان هناك ثلاثة انواع من الجهل: جهل نافع.. وجهل ضار.. وجهل هدام أو مدمر.. ويمكن تسميتها بالبسيط والشائع والمركب.. فالجهل البسيط أو الجزئي هو ما يعترف به أو يكتشفه فيلسوف أو عالم أو مجتهد أو مثقف ...الخ، كون العلم كالابداع لا يمكن ان يكتمل حتى نقول: هذا هو كل العلم أو كل الابداع بل هما متطوران يتجددان تجدد الحياة.. ولهذا نجد المتابع والمطلع يكتشف المزيد من الجديد، وما كان يجهل وما يدفعه لمراجعة مواقفه ومعتقداته حسب ما تتوصل اليه قناعاته الناتجة عن توسع معارفه.. وهذا جهل نافع ولا يستفيد منه إلا العارفون، ومثله الجهل الذي لا خوف منه كما هو حال المثقف أو العالم الذي يعرف أن الزعيم الالماني بسمارك «وحَّد بلاده المانيا» ولكنه يجهل تاريخ ولادته أو وفاته أو أن الارض كروية ولكنه لا يعرف اسم مكتشف كروية الارض. نأتي الى الجهل الشائع او الضار، وهو ذلكم الجهل المطبق بصاحبه من جميع الجهات ابتداءً بالأمية وانتهاءً بعدم التعليم والمتابعة.. وهذا جهل مقدور عليه ببرامج حكومية تتمثل بمحو الامية ونشر التعليم الاساسي واشاعة وسائل التوعية الاعلامية خاصة وسائل الاتصال الاذاعي والتلفزيوني. أما الجهل الهدام أو المدمر أو ما اسميناه بالمركب وهو الاخطر فيتمثل فيما يعشعش في عقول اولئك الذين يطلعون على شيء من المعرفة في مجال ما فيعتقدون أن ما عرفوه أو اطلعوا عليه هو كل شيء ولا شيء غيره.. وما دونه لا يجب أن يبقى على وجه الارض.. والمصابون بداء الجهل الهدام أو المركب هم من قصدهم احد العلماء بقوله: «ما جادلت جاهلاً إلا غلبني» أي غلبني بتعصبه وعدم فهمه. أصحاب الجهل المركب هم المعنيون بالمقولة السابقة ولا سواهم.. كون اصحاب الجهل الشائع من اميين ومعزولين لا يجادلون عالماً بل يسعون اليه للسؤال والاستفادة، كما ان من يكتشفون ما كانوا يجهلون كالفلاسفة والعلماء والمثقفين ..هم من يستفيد منهم العالم الذي يجادلهم بقدر ما يستفيدون منه. إذاً فأصحاب الجهل المركب هم معاول الهدم والدمار حيثما وجدوا وبأية هيئة كانوا.. واذا ما كانت التيارات السياسية المتشددة قد لجأت الى اسلوب الجهل المركب، وقامت بحصر من اختارتهم في مجال معرفي معين وبقدر محدود والاستفادة من قناعتهم بأن ما تعلموه.. او اطلعوا عليه هو كل شيء ولا شيء غيره، فان التيارات الدينية المتشددة المتعصبة المنغلقة قد بنت نشاطها على الاعتماد الكامل على أصحاب الجهل المركب.. الذين تتم برمجتهم أو اعدادهم-بعد اختيارهم من وسط الجهل الشائع- على افكار أو مفاهيم معينة عقائدية او مذهبية ودفعت بهم لاعمال العنف والتكفير واستباحة حرمة حياة الآخرين من منطلق ان ما تعلموه هو كل شيء أو هو الدين وعلومه وما عداه باطل، ولهذا لا يستطيع عالم متبحر في علوم الدين أن يجادلهم ماداموا يدعون امتلاك كل الحقيقة. اما ما المراد مما سبق؟ فنختصره بالاشارة الى صعوبة الحوار بل في عدم جدوى الحوار مع احد من ذوي الجهل المركب، مادام يعتقد بأنه من يمتلك كل الحقيقة وأنه وحده على الصواب.. أما النقطة الثانية وهي الاهم فتخص الجهات المعنية في الدولة ان تفرق بين رجل الدين، وبين عالم الدين، وبين المفتي وبين خطيب المسجد، ومن الذي يحق له ان يفتي في أمور الدين الدنيوية والأخروية وعلاقة الناس الدينية ببعضهم.. وبالآخرين من مذاهب وديانات اخرى.