ربما كان من الضروري بعد ذلك المشهد الوطني والحضاري الذي رسمت لوحته جماهير الشعب اليمني وبذلك التلاحم الذي عبر عنه الجميع في "استاد22 مايو" بعدن واستاد "الوحدة الرياضي" بأبين، هو تذكير أولئك النفر من المعتوهين والحاقدين والمتآمرين اللئام الذين تجردوا من مفهوم المواطنة والولاء الوطني، واحترفوا الارتزاق والتسول والمتاجرة الرخيصة على أرصفة بعض العواصم بأنهم وإن لم يفهموا في الماضي حقائق التاريخ فإن هذا الشعب الذي ظلوا يتآمرون عليه ويسعون إلى محاصرته بأكاذيبهم وزيفهم وأراجيفهم وخستهم ودناءتهم قد تكفل هذه المرة بتلقينهم الدرس الذي يستحقونه، حيث ألقمهم حجراً أخرست ألسنتهم وكشفت عوراتهم وأماطت اللثام عن حقيقتهم الكريهة وفكرهم الصدئ، وتاريخهم المليء بالمساوئ والسواد والخبائث، والجرائم الدموية والفظاعات والروح العدائية المثخنة بالحقد والغل والضغينة لهذا الشعب، الذي نكّلوا به ومارسوا بحقه أبشع أنواع الإذلال والتسلط والسحل والتصفيات والمجازر التي طالت الآلاف من علمائه ومفكريه ومثقفيه ونخبه الاجتماعية، ولعل هؤلاء النفر، الذين يلهثون وراء ملذاتهم والأموال الحرام يستوعبون من خلال ذلك الدرس الجماهيري أن الزمن قد تغير وأن أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية الذين سعوا إلى تحويلهم إلى سُخْرة لهم قد استعادوا بوحدة الوطن في ال22 من مايو 1990م إرادتهم الحرة التي حاولوا طمسها وتكبيلها بأيديولوجية الشمولية والدكتاتورية وصاروا اليوم أحراراً رافعين هاماتهم في السماء ولا يمكن أن تتطأطأ هذه الهامات من جديد. وإن الأجدى لأولئك النفر الذين أعمى الله أبصارهم وبصائرهم أن يتعظوا من هذا الدرس، ويفهموا تماماً أن هذا الشعب قد كسر طوق التسلط، وصار مالكاً لقراره، ولن يسمح لأحد مهما كان بالوصاية عليه أو ادعاء تمثيله، باعتبار أن من يمثله ويحق له أن يتحدث باسمه هم من قام بانتخابهم لتمثيله وإدارة شؤونه في سلطات الدولة ومؤسساتها، أما من تلطخت أيديهم بدماء الضحايا الأبرياء من أبناء الوطن ومارسوا الخيانة والتآمر بحقه ووحدته ونهجه الديمقراطي وخانوا مبادئ ثورته، وارتكبوا الانتهاكات اللاإنسانية ضد آبائه وإخوانه، فإنهم سيظلون ملاحقين كمجرمين من قبل هذا الشعب أمام أجهزة العدالة في الداخل والخارج طال الزمن أو قصر حتى ينالوا جزاءهم ويقتص منهم كل صاحب مظلمة فما ضاع حق وراءه مطالب. لقد كان الشعب اليمني عظيماً وذكياً وهو يرفع كرتاً أحمر في وجه أولئك النفر المعتوهين، وقد اختار لذلك أكبر محفل رياضي على مستوى المنطقة العربية كلها هو خليجي 20 الذي لم يدخروا وسيلة لإفشاله، إلاّ أن هذا الشعب كان لهم بالمرصاد فأسقط ما خططوا له ورد كيدهم في نحورهم، بل ووجه لهم صفعة مؤلمة في وجوههم لعلهم يدركون كما أشار فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية في كلمته يوم أمس الضافية والصريحة بمناسبة العيد ال"43 للاستقلال" أن هذا الوطن الحر لا يقبل في جسده النظيف أي نبتة خبيثة، وهم بالفعل ليسوا أكثر من نبتة خبيثة لفظها شعبنا إلى مزبلة التاريخ. ومن الأهمية بمكان لهؤلاء وأمثالهم الوقوف أمام كل الوقائع والشواهد التي وردت في الكلمة الهامة لفخامة الرئيس يوم أمس والتي أكد فيها على كثير من المحددات، التي لا مجال بأي حال من الأحوال للمساومة فيها أو الارتداد عليها، ومن أهم هذه المحددات أن الوطن أكبر من الجميع وأن لا أحد فوق هذا الوطن ولا أحد وصيُّ عليه، وأن من أراد أن يكون رقماً عليه أن يكون مع هذا الوطن صادقاً مع توجهاته ومحافظاً على أمنه واستقراره، وملتزماً بدستوره وأنظمته وقوانينه ومؤمناً بأهداف ثورته ووحدته وثوابته الوطنية، ومسخراً كل جهوده وطاقاته من أجل بناء هذا الوطن ونمائه ورخائه وازدهاره. وبلا شك فقد آن الأوان لكي نتعلم من تلك اللوحة التي رسمها أبناء شعبنا في فعاليات خليجي 20 والتي جسدت أن هذا الشعب لن يقبل بأي فعل شاذ أو خبيث أو يغرد خارج السرب الوطني أو يعبث بأمنه واستقراره أو يحاول عرقلة أو إعاقة مسيرته التنموية والنهضوية، وأن هذا الشعب الذي واجه كل التحديات والأعاصير والمحن وتغلب عليها، لن يتهاون أبداً مع المرجفين أو من تسول له نفسه النيل من مكتسباته ومنجزاته وتطلعاته وطموحاته أو يسعى إلى التلاعب باستحقاقاته الديمقراطية أو يترصد بخطواته من طرف خفي، لأن هذا الوطن صار من القوة والمنعة بما يمكنه من الرد باقتدار على كل الخونة والمتآمرين وقطع دابرهم، لأن من يحميه هو شعب يؤمن بأن رسالته في الحياة هي صيانة وطنه والذود عن حياضه والحفاظ عليه عزيزاً كريماً مهاباً لقناعته بأنه مهما أعطى ومهما قدم من تضحيات من أجل هذا الوطن فإن ذلك لا يفي بأفضال هذا الوطن التي لا تحصى على جميع أبنائه. *افتتاحية الثورة