{ عندما أشاهد الرئيس التركي عبداللَّه غُل لا يمكن إلا أن أرى بجانبه صديقه ورفيق دربه رجب طيب أردوغان.. وعندما تتذكر أو تشاهد أردوغان لا يمكن أن تتوقف عن ترديد : «ما شاء اللَّه.. ما شاء اللَّه.. ما شاء اللَّه».. فهذا الرَّجُل رَجُل دولة حقيقي.. وَرَجُل اقتصادي من الطراز الماسي.. وَرَجُل اجتماعي وصحي وتعليمي وسياسي من الصنف الذي لا يتكرر ولا تعرفه الشعوب إلا نادراً. وليسامحنا الأشقاء الأتراك لو حسدناهم - ومثلنا غيرنا - على هذا الرَّجُل الذي يُسمّى في عالم الاقتصاد العالمي ب «طيب الإنجازات».. فخلال ثمان سنوات - فقط - أثبت الرَّجُل أنه «مهاتير» تركيا.. وأبو الأتراك على غرار «أبو السنغافوريين».. الذي حقق نهضة سنغافورة.. وهنا يحق للغة الأرقام أن تفخر وتتمختر بالسرد إلى جانب بائع البطّيخ الذي أصبح في 2002م رئيساً للحكومة التركية.. وأرقام أردوغان تجعل كل إنسان يتمنى أن يبدأ حياته ببيع البطّيخ لعله يصل إلى ما وصل إليه بائع البطّيخ النموذجي السيد أردوغان. انظروا ماذا تقول الأرقام وفق تقارير دولية وإقليمية ليس فيها «زيّدوا هذه.. نقّصوا هذه» : - تركيا في المرتبة الثامنة في الاقتصاد الزراعي العالمي.. ومنتجاتها تذهب لأكثر من (177) دولة. - تركيا في المرتبة ال (30) في صناعة الفولاذ على مستوى العالم. - في عام 2002م كانت نسبة التضخم في الاقتصاد التركي (34.9%).. في عام 2009م انخفضت إلى (5.7%).. وهو أدنى مستوى منذ (39) عاماً. - في عام 2002م كان احتياطي البنك المركزي التركي (26.5) مليار دولار.. وفي عام 2009م وصل إلى (72.5) مليار دولار. هل يكفي ذلك كمؤشرات عامة تدل على ما هم فيه وعلى ما نحن فيه ونحتاج إليه؟ لا أظن.. وسأستمر في السرد : - منذ عام 1961م أبرمت تركيا (19) اتفاقية لقروض مع صندوق النقد الدولي.. وتمكنت حكومة أردوغان من الوفاء بمتطلبات ميزانية الدولة ونصوص الاتفاقيات على حدٍّ سواء.. وحصلت على جميع أقساط القروض.. وهي المرة الوحيدة التي تتمكن فيها حكومة دولة على مستوى العالم من القيام بذلك الإنجاز.. حسنا أحياناً نسمّي الحصول على القروض كاملة انبطاحاً وليس إنجازاً.. ولكن انظروا ماذا حصل.. ورثت حكومة أردوغان ديناً لصندوق النقد الدولي يبلغ (23.5) مليار دولار تم تخفيضها إلى سبعة مليارات في عام 2009م دون إبرام أي صفقات لديون جديدة.. وسيتم سداد كامل ديون تركيا للصندوق في عام 2013م. واللَّه لأزيدنّكم : كانت تلك أبرز معضلة واجهت أردوغان منذ بداية عهده في 2002م.. ولكن بحلول نهاية 2008م بدا وكأن فصل الربيع الزاهر سيختفي مع وقوع الأزمة المالية العالمية.. ولكن وبعزيمة أولي العزم الحقيقيين أقدمت حكومة أردوغان على سياسات جعلت معدل البطالة الذي ارتفع في الربع الأول من عام 2009م.. يصل إلى (16.1%) بسبب الأزمة المالية العالمية.. وهو معدل قياسي وفق تصنيف خبراء الاقتصاد.. أقدمت الحكومة على سياسات قهقرت معدل البطالة إلى (11%) بحلول الربع الثاني من نفس العام.. وقال تقرير لبيت التمويل الكويتي صدر أواخر 2010م.. إن الاقتصاد التركي يتعافى بقوة.. رجاءً ركّزوا : «يتعافى» و«بقوة» من تداعيات الأزمة العالمية.. في الوقت الذي لا تزال فيه بعض الاقتصاديات العالمية تعاني من التداعيات.. وأصبح الاقتصاد التركي واحداً من أعلى الاقتصاديات الناشئة بعد الصين والهند.. وفي النصف الأول من السنة المالية 2010م وفّرت (1.5) مليون وظيفة جديدة. وعندما يصبح المال في قبضتك تستطيع أن «تنفخ» فوق الناس «براحتك».. قال أردوغان باختصار : «البورصة وحدها تكفي لإظهار الأساس المتين الذي يتقدم وفقه اقتصاد تركيا». وتعالوا إلى «النفخ» على أصوله.. فوزير الاقتصاد التركي علي باجان يقول لصحيفة ألمانية في ديسمبر الماضي : «ليست لدينا رغبة في الانتماء إلى منطقة اليورو الأوروبية.. وإذا أراد الأوروبيون فنحن على استعداد لإعطائهم دروساً في تنظيم الموازنة»!! «هات يا ابي هات»!! أسوق كل ذلك الهدير الاقتصادي وصولاً إلى نقطة مهمة جداً جداً.. ولكن قبل ذلك لا تزال بعض الكلمات تزاحم على الخروج.. فالضمان الاجتماعي في تركيا وصل إلى حد فتح حساب مصرفي لكل مولود جديد تضخ إليه الحكومة مبالغ شهرية بحيث تستخدم لاحقاً في الإنفاق على تعليم المولود الجديد حتى يتخرج من الجامعة.. ولمزيد من الضمان فتحت الحسابات بأسماء الأمّهات.. لأن الآباء «لا أمان عليهم». خذوا - أيضاً - العناية الطبية المجّانية تقدم لكل شخص دون سن ال (18).. وإذا أردتم المزيد على الصعيد السياسي فشغّلوا ذاكراتكم وراجعوا. أقول : نحن في حاجة ملحّة للتعلّم من التجربة التركية الطرية.. الناضجة سريعاً.. الفاعلة بقوة.. المنتجة بلا جدال.. ولروّاد مدرسة التعلم من حيث انتهى الآخرون فأمامكم التجربة التركية.. واتركونا من السيرة الهلالية لمنظمة الجات الدولية والتباهي بنجاح خطوات مساعي الانضمام إليها.. في الوقت الذي توقفت فيه دول عديدة عن مباحثات الانضمام بعد الأزمة العالمية نهاية 2008م.. اصحوا يا فطاحلة اقتصادنا المحلي وحَمَلَة الدالات الهلامية. اتركونا - مؤقتاً - من كذبة إنشاء بورصة مالية محلية.. وواجهوا حقائق متطلبات وجود البورصة من وجود إنتاج زراعي وصناعي حقيقي داخل البلاد.. ودعوا أحلام «وول ستريت» حالياً.. تعلّموا من الأتراك كيف نصنع.. كيف نزرع.. كيف نهتم بالإنسان.. كيف نجذب الاستثمارات الحقيقية التي تدرّ علينا الأموال لا الاستثمارات التي تأتي لتنفيذ مقاولات في اليمن وإخراج الأموال. لنتعلم من الأتراك.. لنجلس مع «مراد علمدار».. فهو أفضل عِبرة من عنترة بن شداد وقصصه التنويمية.