حذرنا مراراً وتكراراً من أن الفوضى إذا ما استشرت واستفحلت فإن عواقبها ستكون وخيمة على الوطن وأبنائه دون استثناء. إلاّ أن هذه التحذيرات مع الأسف قوبلت من البعض بنوع من اللامبالاة وعدم المسؤولية. واليوم وبعد أن ظهرت العديد من بوادر ما سبق التنبيه منه، وذلك في ما جرى ويجري من أحداث في عدد من المحافظات والتي كان آخرها الحادث الأليم الناتج عن انفجار وحريق في مصنع 7 أكتوبر للذخيرة بمنطقة الحصن بمديرية خنفر محافظة أبين، والذي كانت قد استولت عليه بعض العناصر الإرهابية من تنظيم القاعدة والمتعاونين معها من تنظيم حركة الإخوان المسلمين "الإصلاح وأحزاب المشترك" بحسب ما تفيد المعلومات, حيث سقط في هذا الحادث العشرات من المواطنين الأبرياء من أبناء المنطقة، الذين زجت بهم تلك العناصر الإرهابية إلى داخل المصنع الذي ما يزال محاصراً حتى اللحظة من قبلها بغرض نهب محتوياته والعبث بها، مما أدى إلى اشتعال مادة البارود والمفرقعات الموجودة في المصنع، لينتهي الأمر إلى سقوط ذلك العدد الهائل من المواطنين الأبرياء الذين وقعوا ضحية فخ تلك العناصر الإرهابية والمتعاونين معها، والتي لم تسمح حتى بدخول سيارات الإطفاء لإخماد الحريق ولا سيارات الإسعاف لنقل الضحايا والمصابين إلى المستشفيات. وإذا كان مثل هذا الحادث المؤلم والمأساوي قد كشف عن بشاعة الفكر التكفيري والإرهابي، فإنه قد أماط اللثام وأزال الستار عن فظاعة ما قد تجلبه علينا حالة الفوضى والانفلات التي يصر البعض مع الأسف الشديد على دفع الوطن إليها، دون إدراك للنتائج المدمرة والكارثية المترتبة عليها. وعلى الرغم من مأساوية هذا الحادث الذي يدمى له كل قلب، فإن هناك حوادث أخرى برزت على السطح سواء في محافظة صعدة أو في الجوف ومارب كان من نتائجها مهاجمة المجمعات الحكومية والمرافق الأمنية والنقاط العسكرية وقطع الطريق أمام ناقلات الغاز والكيروسين والديزل مما حال دون وصول هذه المواد إلى العاصمة وبقية المحافظات وحصول المواطنين على احتياجاتهم منها، فضلاً عن التأثيرات والانعكاسات السلبية التي باتت تلقي بظلالها على حياة المواطنين اليومية، أكان ذلك من نافذة استهداف أبراج الكهرباء الخاصة بالمحطة الغازية بمأرب وتفجير أنبوب النفط وتكبيد الاقتصاد الوطني خسائر كبيرة يومياً نتيجة لذلك بالإضافة إلى الأضرار التي لحقت بالجانب المعيشي للمواطنين بفعل حالة الاهتزاز التي يتعرض لها السوق، أو على الصعيد النفسي الذي لاشك وأنه صار هو الآخر عرضة للكثير من عوامل الاضطراب والقلق، التي تنتاب الجميع جراء الاحتقان السياسي الراهن وما أدى إليه من إفرازات وتداعيات على أرض الواقع. والأسئلة التي تطرح نفسها اليوم هي: - لمصلحة من كل هذا..؟ ومن المستفيد منه..؟.. ومن يتحمل مسؤوليته..؟. - وهل بالفوضى والتخريب والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة وقطع الطرق، وتدمير الوطن يمكن أن نصل إلى التغيير المرجو والمنشود؟!. - وهل حركة الإخوان المسلمين وأحزاب اللقاء المشترك التي تراهن على هذه التداعيات لإسقاط النظام وشرعيته الدستورية والديمقراطية تمتلك الشجاعة الكافية لتحمل مسؤولية الدماء التي أريقت والمنشآت التي خربت والمرافق التي دمرت؟. - وهل بإمكان هذه الأحزاب التي ترفض الحوار والجلوس على طاولته لبحث الحلول والمخارج، أن تتحمل نتائج المعاناة التي يكابدها المواطن يومياً بحثاً عن اسطوانة غاز أو عدة ليترات من الكيروسين أو الديزل أو البنزين..؟. - وهل لدى هذه الأحزاب الجرأة على الاعتراف أمام الشعب بأنها من تدعو عناصرها في قطاع التربية والتعليم إلى ترك مدارسهم والالتحاق بساحات الاعتصامات بهدف تعطيل العملية التعليمية، وأنها أيضاً من قامت بالتعميم إلى المنتمين إلى أحزابها في المؤسسات والمرافق العامة بترك وظائفهم، وتعطيل مصالح الناس، مقابل التواجد في الساحات إياها؟. - فما ذنب أبنائنا الطلبة لتحرمهم من فرصة التعليم؟ وما ذنب المواطنين الذين تتوقف مصالحهم؟ وما ذنب الوطن الذي تسعى هذه الأحزاب إلى إغراقه في أتون الفوضى والضياع؟!!. وهل يعلم أولئك المعتصمون من الشباب الأنقياء حقيقة أنهم صاروا الشماعة التي تعلق عليها هذه الأحزاب أخطاءها وخطاياها ومواقفها المتعنتة والمتصلبة والمكابرة وتجعل منهم دروعاً بشرية ووسيلة لتحقيق مآربها حتى ولو كان ثمن ذلك تدمير الوطن وتمزيق وحدته؟! رغم علمنا أن أولئك الشباب الأنقياء هم أول من رفع شعار "لنطالب بحقوقنا دون أن نؤثر في واجباتنا" حتى لا يكونوا السبب في تراجع وطنهم أو السبب في تعميم الفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار في أي من أجزائه أو محافظة من محافظاته. ولا نعتقد أن هؤلاء الشباب الذين لاشك وأن همهم الأول والأخير هو تقدم وطنهم صوب الأمام، يرضون أن يكونوا مجرد أحجار شطرنج تحركها هذه الأحزاب، لخدمة أجندتها الخاصة ومشاريعها الصغيرة، أو أن يكونوا مطية لأية جهة كانت تهدف إلى زعزعة التماسك الداخلي والنسيج الاجتماعي لشعبهم العظيم. وما نحسبه اليوم هو أن كل الأمور باتت واضحة فالحلال بيّنٌ والحرام بيِّن، وعلينا كأبناء وطن واحد أن نعي جيداً أن الأمن والأمان أمران ضروريان لنا جميعاً، وأن الحفاظ عليهما مرتبط بحاضرنا ومستقبلنا، وعلينا ألاّ نسمح لأية جهة أيّاً كانت بالعبث بها تحت أي شعار كان إذ لا معنى للوطن إذا لم ينعم بالأمن والاستقرار والوحدة والسلام.