الأزمة الراهنة التي يمر بها الوطن اليمني منذ أكثر من ثمانية أشهر هي بكل تأكيد من أصعب الأزمات والتحديات التي واجهت اليمن في تاريخه المعاصر فقد طالت هذه الأزمة وتداعياتها وتأثيراتها وأضرارها كل مواطن صغيراً كان أو كبيراً موظفاً أو عاملاً.. سياسياً أو تاجراً غنياً أو فقيراً.. موالياً أو معارضاً فالكل تضرر، والكل احترق بنار أو بشرر هذه الأزمة الطاحنة. وكما تجرع الناس ويلات هذه الأزمة فإن الوطن أيضاً لم يسلم هو الآخر من الانعكاسات السلبية لها والتي ألحقت الأذى باقتصاده وأمنه واستقراره ومسارات بنائه ونهوضه وتوجهاته التنموية، وتكبد الوطن جراء ذلك الكثير من الخسائر الفادحة، حيث طال الضرر كل المجالات والمرافق والمؤسسات ومشاريع البُنية التحتية، فضلاً عن التأثيرات الأخرى التي لحقت سمعته واسمه ورصيده الحضاري والإنساني، مما يصح معه القول بأن هذه الأزمة قد ألقت بظلالها على كل شيء في هذا الوطن أرضاً وانساناً سلطة ومعارضة أفراداً وجماعات. وإذا كان هناك مستفيد من وراء هذه الأزمة فليس سوى تجار الحروب والأزمات وأعداء اليمن وثورته ووحدته ونهجه الديمقراطي، الذين يناصبون هذا الوطن العداء ويضمرون له الشر، ويتربصون به الدوائر إما بدافع الحقد أو الغيرة والحسد أو رغبة في الانتقام والتدمير والتخريب أو لمجرد البحث عن دور أو أدوار أو للوصول إلى مصلحة أو منفعة ذاتية أو حزبية أنانية ضيقة، أما غير هؤلاء فإن جميع من في الوطن قد اكتوى بلهيب هذه الأزمة الماحقة التي أكلت الأخضر واليابس. وطالما أن الضرر قد أصاب الجميع دون استثناء فليس من مصلحة أحد إطالة أمد هذه الأزمة والسماح لها بالمزيد من التمدد على حساب أمننا واستقرارنا وسلمنا الاجتماعي وكرامة وطننا وسمعته وسيادته. بل إن مصلحتنا جميعاً تكمن في سرعة التوافق على الحلول والمعالجات الكفيلة بإخراج الوطن من أتون هذه الأزمة وتجنيبه المزيد من الويلات والمآسي والأزمات والفتن، وذلك من خلال الاستفادة من دروس هذه الأزمة وعظاتها وعبرها مستوعبين تماماً حقيقة أن هذا الوطن هو وطن كل أبنائه، وأن عليهم أن يحافظوا جميعاً على مقدراته وإنجازاته وتحولاته التنموية والاقتصادية والسياسية والديمقراطية باعتبارها إنجازات ومكاسب تخص كل اليمنيين. إن العودة إلى طاولة الحوار والتجاوب مع قرار رئيس الجمهورية بتفويض نائبه المناضل عبدربه منصور هادي لإجراء هذا الحوار مع الأطراف الموقعة على المبادرة الخليجية، ولما من شأنه إيجاد آلية تنفيذية لهذه المبادرة، تفضي إلى انتخابات رئاسية مبكرة تضمن انتقالاً سليماً وديمقراطياً للسلطة، هو عين العقل بل أن خطوة كهذه تشكل انتصاراً لنهج الديمقراطية والاعتدال والتسامح وقيم الخير والسلام. وما نعوله هو أن ينحاز الجميع لليمن قبل الأحزاب، وأن يضعوا مصلحة الوطن فوق المصالح الحزبية والذاتية الضيقة.. فقد آن الأوان لكي نسمو على اختلافاتنا وتبايناتنا ونجعل من هذه التباينات والاختلافات حافزاً لتوطيد دعائم الوحدة الوطنية والوئام الاجتماعي. فليس عيباً أن نختلف ولكن العيب كل العيب أن نجعل هذه الخلافات تتحول إلى خصومات سياسية تقودنا إلى منزلقات خطرة. وإذا ما سلمنا بأن الاختلاف أمر طبيعي، وهو ما جبلت عليه الفطرة البشرية، فلابد أن نسلم أيضاً بأن الحوار هو الخيار الحضاري لحل الخلافات بروح وطنية تنطلق من إرادة واعية، لأننا أبناء وطن واحد وأسرة واحدة، وعلينا أن ندير خلافاتنا بواقعية سياسية لا مجال فيها للشطط والمقامرات والمغامرات والرهانات الخاسرة.