ينبغي أن تتركز جهود كل السياسيين وقيادات الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والفعاليات الوطنية والاجتماعية في هذه المرحلة الصعبة والمعقدة التي يمر بها الوطن اليمني، في اتجاه إحلال الأمن والاستقرار، وإنهاء التوترات وكل المظاهر المؤدية إلى إقلاق السكينة العامة والسلم الاجتماعي. إذْ أنَّ ما نحتاجه اليوم هو التحلِّي بضبط النفس والابتعاد عن التصعيد، واستيعاب أن الوطن لم يعد يحتمل المزيد من التأزيم، والمزيد من الاستنزاف، والمزيد من الإنهاك، كما أنّ أبناءه الذين يكابدون مشقات الحياة والعيش منذ عدة أشهر بفعل هذه الأزمة الخانقة، لم يعد بوسعهم تحمل المزيد من المعاناة بعد أن أثقلت المتاعب كاهلهم، وصار ما فيهم من العناء يكفيهم، وما ينتظرونه من الأطراف السياسية والحزبية هو مراجعة مواقفها المتصلبة والسير نحو التوافق والاتفاق على آلية تنفيذ المبادرة الخليجية، وبما يفضي إلى انتقال سلمي وديمقراطي ودستوري للسلطة عبر صناديق الاقتراع وإجراء انتخابات مبكرة تكرس لقاعدة التداول السلمي للسلطة، حتى لا نجد أنفسنا في هذا البلد وقد عدنا إلى دوامة الانقلابات والصراعات على السلطة، ولكن بصيغة أخرى لا تختلف عن الوسائل التي جربناها قبل إعادة وحدة الوطن وإقرار النهج الديمقراطي التعددي. وطالما أن تنفيذ المبادرة الخليجية وفق آليات مزمَّنة صار أمراً متاحاً، فإن التلكؤ في التوصل إلى اتفاق حول آليات تنفيذها عن طريق الحوار أمر غير محمود أو مقبول، ومن يعمل على خرق العثرات أمام التوافق إنما يؤكد بذلك أنه لا يريد أن تخرج اليمن من الظرف الراهن الذي تعيشه، ولا يريد أن تتجاوز المنعطف الصعب الذي دخلته نتيجة التداعيات المتسارعة للأزمة الراهنة، شأنه في ذلك شأن من يرفض الانتخابات الرئاسية المبكرة، لأنه لا يرغب في رؤية اليمن وقد اجتازت محنتها ومصاعبها وعاد إليها الهدوء والسكينة والطمأنينة والسلام. إن الوطن اليمني أمانة في أعناق جميع أبنائه بدون استثناء، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن يترك هذا الوطن نهباً لبعض أصحاب الأجندات الخاصة والمشاريع الصغيرة والمصالح الضيقة، الذين يعتقدون أن وصولهم إلى غاياتهم لن يتم إلاّ من خلال الإمعان في نشر الفوضى، وإشعال الحرائق، وإذكاء الفتن وأعمال التخريب والتدمير، وإخافة السبيل وقطع الطريق والاعتداء على أبراج الكهرباء وسلب الممتلكات العامة والخاصة والاعتداء على المعسكرات والنقاط الأمنية، والترصد لمنتسبيها بالكمائن الغادرة. ومثل هؤلاء لايدركون مع الأسف الشديد أن العاصفة إذا ما هبَّتْ ستجرف الجميع وفي الصدارة منهم هؤلاء الذين تمادوا في تجاوزاتهم وتصرفاتهم وممارساتهم فانتهكوا كل الخطوط الحمراء، دون وعي منهم أن هناك حدوداً يتعين على الجميع الالتزام بها من موقع المسؤولية تجاه هذا الوطن، الذي من حقه علينا أن نضع مصلحته فوق كل الاعتبارات، وأن تكون هذه المصلحة ملتقى أهدافنا وحمايتها منتهى غاياتنا، باعتبار أن الوطن هو بيتنا الذي نستظل به ولا وطن لنا غيره. فلنتق الله في هذا الوطن، ولنلتق على كلمة سواء تحفظه من كل الشرور والأخطار.