رأينا في الحلقات السابقة كيف تحركت الدول بكل طاقتها واوقدت شموع المعابد الحديثة الاممالمتحدة، مجلس الامن، لجنة حقوق الانسان والاهم قطعت الالسن واخرست، الاقلام وماتت الدبلوماسية الدولية والاقليمية تحت وطأة هذا اليقين الامريكي الاوروبي الذي اكتشف قدرة الشعوب على التحرر كما اكتشف قسوة النظم وبرهن على هشاشتها حداً جعلنا نرى السودان ينقسم امام اعيننا والعراق ينقسم تحت الاحتلال وليبيا يتولى حلف الناتو مهمة اسقاط النظام وتدمير قدراته على الحركة ضمن سيناريو الثورات التي يطلق عليها الربيع العربي. واذا كنا لم نحدد ان كانت نتائج الربيع العربي ستعيد ضم الشرق الاوسط كإحدى ولايات الجمهورية الامريكية لكن الاكيد ان امريكا هي من تصنع الثورات وبأن الرئيس الامريكي.. بل وقادة المنطقة يتعاطون مع سيناريو كتب عام 2000م وينفذه جهاز الاستخبارات ويشرف عليه السيد جون برنيان مساعد رئيس الولاياتالمتحدةالامريكية لكن التنفيذ يحتاج الى عوامل اضافية لم نعطها حقها في سياق التناول لهذا المشهد وربما كان من واجبات الدول التي تختار المخالب الناعمة ان تمعن عند التخطيط في توزيع الادوار بين اللاعبين وربما احتل مركز الصدارة بعد دور الدول المتكتلة ضد الحكام وبعد اعتماد التيارات الاسلامية واليسار المتفسخ ليكونوا قاطرة قيادة أماني الثوار وبعد تجميع عناصر المعارضة من كل منطقة في العالم تسنّى لهم تذكر ارتباط الهويات بحاجات الثورة من اكاديميين وشخصيات سياسية يمكن اللعب بها لاعطاء هذه الثورات الايقاع الامريكي المثير والمحفز للمشاركة فإن اللاعب الرئيس كان بعد الدول نشاط مؤسسات المجتمع المدني يمكن لاي دارس تاريخ نشوء وتطور مؤسسات المجتمع المدني في المنطقة ان يلاحظ امرين:- 1- نشوء وتوالد مفرط في الغزارة لمؤسسات المجتمع المدني خلال الفترة بين 1996-2005م اتسمت بتشجيع هذا التوالد حداً جعل المنطقة تغرق بمسميات وبرامج متماثلة وشخصيات متهافتة على الوصول الى التمويل حتى بدون برامج وبالاخص في اليمن ومصر والاردن والجزائر وتشجيع نشوء بؤر مدنية في المملكة العربية السعودية وكانت قطر حاضنة هذا النشاط، ومؤسسات التمويل الاوروبية والامريكية مصدر الحفاظ على حياة هذه المنظمات وكان الهدف هو اختبار المنظمات المتجانسة والقادرة على العمل ضمن منطق مجاهرة العداء للنظم وتلميع صورة الانتماء لفكرة حقوق الانسان والتحول الديمقراطي وانقضى هذا الربيع بعد عام 2005م ليأتي وهو فرز وتصنيف هذه المنظمات وتمكينها من الموارد اللازمة وتعزيز نفوذها في المحافل وجرى انتقاؤها جميعاً لتكون مجموع قاعدة الممثلين في الهيئات الدولية عبر تسريع قبول تمثيلها على اساس زخم وفعالية انشطة وبرامج هذه المنظمات التي تمول لتكون شاهداً محلياً على الاتهامات المستقبلية عندما يحين الربيع وتلعب دور المؤمن لمصادر المعلومات وطوقت بكل عناصر التحصين بل ومنعت الدول ان توجه السؤال حول مصادر التمويل. كما احتجت السفارات حول اي اشتباه حول الاتصال بمنظمات يقودها معارضون كميشيل كيلو في سوريا وامل باشا وعز الدين الاصبحي ومنظمة هود الاسلامية ومركز المعلومات التابع للحزب الاشتراكي وجميعها كانت تقوم بالدور السلبي في تقييم اداء النظام السياسي لتكون مصنع السخط الوطني والشاهد الملك بيد المجتمع الدولي الذي بدوره وجه مراكز الابحاث التي تزعم انها مستقلة وقدم دكاترة ومنظرين وباحثين ليزكوا ويغذوا الصورة العامة التي رسمتها الدول واكدتها منظمات المجتمع المدني وعمدت بتنظيرات عزمي بشارة الذي جرى استعادته من اسرائيل ليكون المرشد الروحي للربيع العربي في اطار مشروع كسر قيود الذاكرة وقيود الدولة ليتأهل الصحفيون والقادة السياسيون للعب دور جديد البتة لمنظمات المجتمع المدني ومراكز الابحاث وهو جزء من نشاط استخباري محموم . وبعد جهود في التدريب والتأهيل تقوم به مؤسسات مثل اكاديمية التغيير وبرامج مختلفة ربماكان اهمها دور الاعلام بإعتباره العميل رقم واحد في انجاح الربيع العربي كون الاعلام كان رأس فيلق المقاتلين فقد اجترح اسوأ عملية تضليل واقذر صور التزوير واخفى - هذا المهم- التفاعل الداخلي مع معطيات الاعلام حتى بات الناس لا يرون غير ما تريده وسائل الاعلام.. كيف حدث ذلك? 1- جميع وسائل الاعلام الحر اصبحت جزءاً من عملية الاستخبارات وتدار حسب حاجات الموقف ودرجة تقدير النجاح والفشل واختفت جميع الوسائل الدبلوماسية لانها اصبحت عبر الاعلام هي التقرير الاخباري والتقرير الاستخباري والموقف السياسي.. الجميع صار حزمة واحدة (دول ، منظمات مدنية، اجهزة استخبارات، وسائل اعلام)..ربما يحق لنا الحديث عن اهم متغير دولي حدث خلال القرن الحادي والعشرين هو اتحاد كل قوى الشر لتكون اطراف الديناصور.