أدار أعقد شبكة من العناصر والمؤسسات الإقليمية والوطنية المختلفة (مؤسسات مدنية، هيئات دبلوماسية، شخصيات سياسية، أجهزة أمنية، وسائل إعلامية متنوعة القدرات) خلال الأعوام الثلاثة الماضية لكنه لعب دوراً في رسم اتجاهات عاصفة الربيع العربي وكان الرجل الذي يتحرك وسط غيمة سوداء من التغيرات ويراقب تحركات القوى الصاعدة ويحصي أخطاء القوى المنهارة وفي أحيان كثيرة لا تتردد في إعطاء من تراد مغادرته السلطة جرعة من تهديد أو تلويح بعقوبة أو همسة تنقل سراً لخطر لا يعلمه إلا الرجل الأقرب لأوباما والذي يتلقى معلومات لا حصر لها من أجهزة الCIA والأمن القومي لتكون أدواته في التعامل مع زعامات استهدفها الربيع العربي، هذا هو جون برينان الذي كان واجهة أوباما في مواجهة أقوى حكام الشرق الجمهوري الأوسط. إذا كان جيرالد فاير ستاين هو السفير الوحيد الذي يحق له النوم على وسادة الأحزاب المشتركة في صياغة الربيع اليمني فإن جون برينان مساعد الرئيس الأمريكي لشئون الإرهاب والذي سيصبح مديراً لجهاز الCIA يتميز بكونه أكثر رجال الأمن حنكة في قدرته على تدقيق النوايا وتقديم استنتاجات تجعل من المسافة الفاصلة بين البلد الذي يعمل على تجنيبه مهاوي الحروب الأهلية ومصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية وغايات "ثوار المنطقة" لا يبدو أنها تأخذ مساحة كبيرة من التمايز، فهو من تمكن من استراق سمع نوايا الإخوان في اليمن وقدم تقديراً لإمكانيات القوى المدنية الحداثية فأكد أن مصالح هذه القوى ومصالح أمريكا شيء واحد كونه قد اطمأن إلى التعامل الأمني معه باعتباره المرشد لاتجاهات السياسة الخارجية الأمريكية التي كانت الغطاء للأداء الأمني، بل وفي أحيان كثيرة كان كل جهاز يؤدي دوراً مكملاً للآخر، فنجاح برينان وتمديد فاير ستاين يعد نموذجاً لهذا التعاون الذي مد نفوذ الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى كل مستويات صناعة القرار في المنطقة العربية وجعل قضايا هذه المنطقة تأخذ سمات أمنية ويصبح مئات الوجوه والأسماء والألقاب وكأنهم أعضاء نشطون ضمن خلايا برينان لإدارة المنطقة، وهذا لعمري يجعل العودة إلى السؤال: هل أوباما بتعيينه جون برينان يكافئه على نجاحاته واختراقاته الأمنية لكل مؤسسات دول الربيع العربي أم أن الأمر يتعلق بكيفية إدارة المرحلة التالية لما بعد نجاحات الربيع العربي، الذي جعل الإخوان أكثر القوى انتفاعاً من المكاسب التي خلفتها التغييرات طبعاً بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية، أي أن برينان الذي قاد ونسق للحرب على الإرهاب سوف يتعامل مباشرة مع مؤسسات المعرفة والتثقيف والإنتاج لناموس الإرهاب الفكري في بنية الكيانات التي سوف تشيدها الحركات الإسلامية بعد أن أصبحت هي القابض على السلطة. لا أظن أن الأحزاب التي عملت معه تخطيطاً وتنفيذاً خلال مراحل التحضير وأثناء عمليات التنفيذ سوف تتحاشى أو تمانع العمل معه، فإذا كان قد تولى تنسيق جهود هذه التنظيمات السياسية والمنظمات المدنية تدريباً وتمويلاً وإعداداً وكان دائماً الذراع التي تعتمد عليها في تجرؤها على حكامها، فإن هذه المنظمات قد صارت بترقي جون برنيان جزءاً من ملف أمني وفيلقاً وكتيبة من فيالق صناعة القرار الأمني سواء في المطبخ أو في المؤسسة، ويبقى اختبار كبير أمام برينان هو إلى أي حد يستطيع أن يحافظ على بقاء يد أمريكا نظيفة وهي توجه بأسلوب استخباري حل قضايا ومعالجة مسائل ظلت لعقود ولقرون لها طابع القدسية وموضع احترام وميدان فداء كالقضية الفلسطينية وقضية تنمية العملية الديمقراطية وقضية التنمية التي لابد أن يعوزها الإسلاميون لأنفسهم ولشعوب بلدانهم ولا يمكنهم أن يحذفوا بجرة قلم أو بمكالمة هاتفية من برينان إلى زعماء المرحلة الراهنة ليتصرفوا خارج المؤسسات التي ستنشأ على أرضية أن ما حدث في المنطقة ثورة وعربية ويقودها إسلاميون يحبون برينان ويحبهم هو الآخر، تلك هي المسألة والخيارات محدودة أمام حكام المرحلة الذين عليهم أن يخوضوا بدل أمريكا حروبها.