ما الذي يجعل سفير أمريكا بصنعاء جيرالد فاير ستاين فائض الحضور في اليمن أكثر من أي يمني آخر، ويمتلك كل الثقة متحدثاً عن الشأن العام اليمني كحكيم وحاكم؟. بإمكاننا أن نضع تفسيرين للحالة التي يعانيها “جيرالد” وكلاهما بنتائج سيئة، أولهما هو أن أمريكا وسفيرها لديهما من السيطرة والقدرة على “البرطعة” في البلد اليمني دون خوف ، وهي تتعامل وكأن اليمنيين أبناؤها، ولا يجب أن يخرجوا عن طاعتها. والثاني أن ما يفعله السفير “فاير” دليل أكيد على أن أمريكا لا تسيطر على الوضع تماماً، وتخشى أن يفلت من يدها؛ فالأفضل أن تكرس وجودها بالبقاء في الصورة، حفاظاً على مصالحها المرتبطة بالنظام السابق، وعلى موطئ قدم في المرحلة القادمة. لكن أنضج ما في هذا الشعب الذي أبتلي بالتدخل الخارجي بشكله الحالي نتيجة سياسات النظام السابق، هو أنه يعرف جيداً أن جيرالد فاير ستاين لا يكف عن الثرثرة والحديث فيما لا يعنيه.. فهل يعي جيرالد ذلك؟ جيرالد بالتأكيد يقرأ كل ما يثار حوله من لغط وحول دوره “المستفز” في اليمن.. قرأ للصحفيين وهم يتحدثون عن دبلوماسيته المارقة عما يشبه دبلوماسيات الدول في اليمن، يتابع الصفحات التي أنشئت على صفحات الفيس بوك استنكاراً على ما يفعله. كما أن هيلاري كلينتون - وزيرة الخارجية الأمريكية - بالتأكيد أطلعته على الرسائل التي تصلها عبر قنوات التواصل لوزارتها عن رسائل غضب من يمنيين، لكنه لا يأبه كما يبدو. تحرص أمريكا على إرسال ثرثارين لإحكام خطة رسمت لنا، لذا يشنفنا مساعد الرئيس باراك أوباما لمكافحة الإرهاب بالحديث عنا كبلد الإرهاب الأول، هذا الولع الذي ازداد قبل الثورة ويزداد وقتها وسيزداد. في خطاب ألقاه في جامعة هارفارد قبل أشهر - بحسب مقال للصحفي البريطاني سيمون تيسدال نشرته صحيفة الجادريان البريطانية- يقول جون برينان: “إن واشنطن ترى اليمن أولاً وأخيرًا معركة جديدة هامة ضد القاعدة أكثر من كونها معقلاً قادمًا للديمقراطية في المنطقة العربية”. وقال: “إن الولاياتالمتحدة لا ترى أن سلطتنا في استخدام القوة العسكرية ضد تنظيم القاعدة لا يقتصر فحسب على المعارك الساخنة مثل أفغانستان”, مضيفًا: “نحن نحتفظ بحقنا في اتخاذ إجراءات من جانب واحد إذا لم تكن الحكومات الأخرى راغبة أو غير قادرة على اتخاذ الإجراءات اللازمة”. وقد يكون برينان قد حافظ على مبدأ استخدام القوة للولايات المتحدة وقتما وأينما تشاء. إذن اليمن ثمن “جديد وهام” لبقاء أمريكا على قيد الحياة، فيما نحن نحترق ببارودها. هنا لا يمكن استجلاب القيم الأمريكية في الديمقراطية والعدالة والتعايش بعد حفلة “قتل” لطائرات دون طيار أمريكية، أسقطت المئات من الأبرياء في إحدى مناطق محافظة أبين.. إنهم يشتركون في محاولة التحكم بنا، واستفزازنا وحصدنا بالطائرات دون طيار وقتلنا. لن تشفق علينا أمريكا إذا لم يشفق علينا جار عربي كالسعودية يعاني تدخلا هو الآخر، أو بعيد مسلم كإيران يعاني نقصاً حاداً في الإنسانية.. أو روسيا وفرنسا وبريطانيا.. اليمن في أحضان التدخل الخارجي العربي والأجنبي، ونحن نتعامل معه كأمر طبيعي، ولا يبقى إلا أن ننتظر إصدار قانون لتنظيم التدخل الخارجي. موت اليمني بقرار أمريكي أو سعودي أو إيراني أو فرنسي أو بريطاني أو روسي.. إلخ ليس قدر الله الذي لا مفر منه، فالأمر مرتبط بقرار منِّا “جماعي” ينطلق من الثابت الوطني لنقول: لا للتدخل الأجنبي وتحويل اليمن إلى ساحة صراع وأبنائها وقوداً لحروب قذرة.