تحتضن أبوظبي يوم غد “الاحد” اجتماع القمة السادس والعشرين لقادة دول مجلس التعاون الخليجي العربي الذين سيحلون ضيوفا على دولة الامارات التي احتضنت أراضيها أول قمة خليجية في مايو/أيار عام 1981. التطلعات كبيرة ولكن لا يتوقع لهذه القمة ان تخرج بقرارات محورية أو مفصلية وإنما ستكون قمة استكمال الخطوات التي بدأها قادة المجلس منذ قمتهم الثانية والعشرين في عام 2001 والتي انعقدت في مسقط بتوقيعهم على الاتفاقية الاقتصادية لدول مجلس التعاون والمتعلقة بتوجيه المجلس الى ان يركز بالدرجة الاولى على تحقيق التكامل الاقتصادي بين الدول الاعضاء بفلسفة الخطوة الخطوة. فالاقتصاد وقضاياه المتعلقة بمتابعة خطوات تطبيق الاتحاد الجمركي الذي انطلق منذ يناير/كانون الثاني ،2003 والسعي للوصول الى السوق الخليجية المشتركة، بالاضافة الى تتبع خطوات العمل نحو إنجاز الاتحاد النقدي والوصول الى العملة الموحدة في عام ،2010 ومتابعة مشروع إنشاء سكة الحديد الخليجية ومشروع الربط المائي اللذين تم إطلاقهما للدراسة في قمة زايد الاخيرة في مملكة البحرين سيكون هو المحور الاساسي في ما سيتمخض عن هذه القمة من نتائج. السبب بالطبع هو ان دول الخليج استطاعت من خلال بوابة الاقتصاد ان تفتح لنفسها آفاقاً جديدة من التعاون من شأنها ان تجلب الكثير من النفع لجميع الدول الاعضاء، والدليل زيادة قيمة التجارة البينية بين دول مجلس التعاون في العام الاول بعد تطبيق الاتحاد الجمركي وبنسبة زيادة تصل الى 20% على ما كان عليه في العام 2002. لكن ذلك لا يعني أن القمة لن تتناول ايضا مواضيع اخرى اجتماعية وسياسية وأمنية، فموضوع البطاقة الذكية، الذي لا نعلم بعد الى اين قد وصل، سيكون حاضراً بالطبع على طاولة الاجتماعات. القضايا السياسية في المنطقة العربية كقضية العراق وفلسطين والجزر الاماراتيةالمحتلة من قبل ايران ستحتل حيزاً لا بأس به في البيان الختامي ولا يمكن لأي بيان قمة ان يمر من دون اشارة لها. أما ما يحدث في لبنان والاتهامات الموجهة لسوريا فإن المجتمعين لن يتجاهلوا هذا الموضوع خصوصا بعد تزايد حالات الاغتيالات للشخصيات والسياسيين اللبنانيين. وموضوع الإرهاب سيلقى ايضا اهتماما لا سيما ما يتعلق بالاتفاق الأمني الذي وكما يبدو لم تصادق عليه سوى دولتين هما الامارات والسعودية. هذه القمة ستخرج ناجحة لأن المواضيع المطروحة امام القادة المجتمعين هي قضايا شبه متفق عليها وليست هناك قضايا خلافية مطروحة على طاولة الاجتماعات. لكن لا بد من طرح تساؤلين، الاول مرتبط بالقضايا الخليجية المؤجلة كما يبدو والثاني متعلق بالمواطن الخليجي وهمومه. فبالنسبة للقضايا المعلقة نذكر مثلا موضوع تفعيل آليات المجلس ليكون اكثر ارتباطا بالمواطن الخليجي، حيث ان قمة الكويت قد طرحت هذا الموضوع وأعلنت عن التزام القادة بتنفيذ هذا الإجراء، إلا ان القمة الاخيرة في المنامة لم تتطرق اليه ويبدو ان القمة الحالية لن تتطرق اليه ايضا. وهناك موضوع المرأة وقضاياها والذي كانت قد تطرقت اليه قمة الكويت ايضا ولم نسمع عنه جديداً منذ ذلك الحين. وموضوع الإصلاح السياسي الذي ركزت عليه قمة الكويت ايضا ولكن تم تهميشه في قمة المنامة. لذلك نتساءل اين هي هذه القضايا اليوم وبعد مرور عامين على قمة الكويت؟ لماذا لا يذكر شيء عن تطورات حيالها؟ الامر الآخر هو تهميش المواطن الخليجي وقضاياه الحياتية اليومية وغيابها عن اجتماعات القمم الخليجية. القائمون على اعمال الاجتماعات الخليجية في الامانة العامة لمجلس التعاون الخليجي يقولون إن المواطن الخليجي حاضر وقضاياه تكون دائما مطروحة على القادة في اجتماعاتهم، وقد تم بالفعل التوصل الى العديد من القرارات التي أتت في صالح المواطن الخليجي كالاتحاد الجمركي، وإلغاء تأشيرات الدخول لمواطني دول المجلس، والعمل على إنجاز البطاقة الذكية، والسماح لمواطني الخليج بممارسة الاعمال التجارية والتملك في الدول الخليجية، ومناقشة موضوع العمالة الوافدة وتوطين الوظائف، وغيرها من المواضيع التي تحسب لصالح المجلس في مسيرته. مع التقدير لهذه الانجازات، إلا ان مجلس التعاون الخليجي رغم ما قدمه لم يستطع ان يكسب قلب المواطن الخليجي السبب بالطبع هو ان المجلس لم يصل الى هموم المواطن الخليجي الحقيقية ولم يعمل على إيجاد حلول لها تربط المواطن بالمجلس كما هي الحال بالنسبة للاتحاد الاوروبي الذي يخصص النسبة الاكبر من ميزانيته لمواضيع تمس حياة المواطن الاوروبي وتعمل على تحسين معيشته ورفع مستوياتها. فالاتحاد الاوروبي يقدم الدعم المادي والتكنولوجي للمزارعين الاوروبيين، ويشيد المصانع لتوفير وظائف لمواطنيه، ويبني المدارس والبيوت، ويعبد الطرقات، ويهتم بالبيئة المحيطة بالمواطن. فلا عجب ان يكون الاتحاد الاوروبي قوة عالمية كونه يحظى بتقدير شعوب دول اوروبا الاعضاء في الاتحاد وشعوب الدول الاخرى الساعية للانضمام. أما مجلس التعاون الخليجي فلم يستطع ان يخلق لنفسه مكانة في قلوب الناس العاديين في المجتمع الخليجي لأنه لم ينزل إلى مستوى المواطن العادي ويناقش مشاكله ويقدم لها حلولاً فعالة ومباشرة، فرغم ان المجلس استطاع ان يكسب قلب التاجر الخليجي الذي اصبح يسعد كثيرا بوجود اتحاد جمركي تعفى من خلاله التعريفة الجمركية عن بضائعه ويعطى الحرية الاكبر لانتقاله وانتقال رأسماله، فإن على المجلس ان يكسب قلب المواطن العادي بأن يوجد مسكنا ملائما لمن لا يستطيع ان يحصل على مسكن وينشىء مدرسة للمناطق التي هي بحاجة الى مؤسسة تعليمية ويشيد مشروعا ليوظف من لا وظائف لهم. عندها نستطيع القول إن المجلس اصبح في قلب كل مواطن خليجي تاجرا كان أم مواطنا عادياً. فكل التوفيق لمجلسنا في النهوض بما يخدم الخليج والخليجيين. صحيفة الخليج