هل يمكن لموجة الغضب التي سادت بلادنا، بسبب الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم، ولمشاعر المسلمين، ان تضع أصابع الغاضبين على موضع المشكلة؟ إن موجة الغضب من رسوم الإساءة الكاريكاتيرية التي نشرتها صحيفة دنماركية، هي موقف منطقي من امتهان الدين لكن السؤال هو: هل هذه الإساءة حالة منفردة قائمة بذاتها، أم هي جزء من ظاهرة عامة في الغرب، بدأ ظهورها على هذه الصورة في السنوات القليلة الماضية؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل كان هناك من جانب المؤسسات المسؤولة والدينية معا في بلادنا، تصرف عملي تخطيطي يتصدى لها بالعقل والمنطق، ويوقف تفشي هذه الظاهرة التي تغزو العقول في الغرب؟ خاصة وأن ما أثار المشاعر سبق ان جرت ممارساته بطريقة أوسع انتشارا مما فعلته الصحيفة الدنماركية، وأشد تطرفا وتعصبا في بلاد أخرى. ومازالت الحملة متصلة تغرس في عقول الشعوب صورا مشوهة ومضللة عن الاسلام والمسلمين. وسوف أتوقف أمام نموذج من آخر مظاهر ترك الغير يقدم شرحه المضلل والمغلوط للإسلام.. ففي يوم 19 يناير ،2006 وأثناء محاكمة أبوحمزة المصري في لندن بتهمة التحريض على الكراهية، سلمت للمحلفين (الذين لايقرأون لغتنا) نسخ من القرآن، ووقف محاميه فيتزجرالد يشرح للمحكمة، وللمحلفين، وهي أقوال خرجت الى الرأي العام في بلاده فقال ان تفسير أبوحمزه للقرآن، نابع من ان القرآن يفرض على المسلمين إلزاما بالجهاد والقتال دفاعا عن ديانتهم. وأضاف محامي أبوحمزة: لقد قيل ان موكله كان يعظ داعيا للقتل، لكنه في الحقيقة كان يأخذ موعظته من القرآن نفسه. واستشهد المحامي بآيتين من القرآن، قال إن أبوحمزة يستند اليهما ضمن آيات أخرى كثيرة، باعتبارهما تفسيرا للكلام الذي جاء على لسانه وأدى الى اتهامه، ثم قال: إن كلام أبوحمزه الذي وصفه الادعاء بأنه يصل إلى حد محاولة إثارة الكراهية العنصرية ضد الشعب اليهودي، راجع الى الحديث النبوي، واستشهد المحامي بحديث ادعى أنه يدعو الى قتل اليهود. هكذا يقف المحامي الانجليزي أمام محكمة ويطلع الرأي العام في بلاده على مايقوله أمامها ويقول: إن الدعوة للقتل مأخوذة من القرآن ومن حديث النبي صلى الله عليه وسلم. وفي لغة مشابهة يروج لها في أماكن أخرى في الغرب، كان مايتردد أحيانا على لسان البعض من أقطاب جماعة المحافظين الجدد في الولاياتالمتحدة، وسوف استشهد بواحد من أبرز مفكري وكتّاب هذه الجماعة وهو ريتشارد كراوتها مر الذي قال في مقال له بمجلة “تايم” في يوليو 2005: ان الحرب على الارهاب هي حرب طويلة جدا. لن تحسم في معركة هنا أو هناك، وأنها ستستمر لأنه عبارة عن مرض تحتويه الثقافة العربية الاسلامية، وهو مزيج سام من القمع والفساد وعدم التسامح والتعصب، تغذيه أنظمة دكتاتورية، متلهفة إلى أن تبعد عنها الغضب الشعبي، وتحوله نحو الأمريكي الكافر. والى ان يحدث تغيير جوهري في هذه الثقافة السياسية، فإن الفكر الجهادي سوف يزدهر. ويقترب من هذا الطرح المضلل، ما ذكره صمويل هنتنجتون صاحب نظرية صدام الحضارات التي روج لها عام ،1993 والذي عاد في عام ،1997 يلخص الاسلام ذاته في انه دين دموي. وقال: ان المشكلة الأساسية للغرب ليست مع الدول الاسلامية، لكنها مع الاسلام نفسه. لقد صاحبت هذه الأفكار والتفسيرات والنظريات، موجات نشطة من تنظيم المؤتمرات، والندوات، والنشر، تسعى لإقامة خط عداء بين الاسلام والغرب، من خلال غرس أفكارها في العقول، التي لم تجد سوى صوت واحد تستمع إليه، من دون أن يوازن ذلك جهد منظم من جانبنا، يشارك فيه علماء عرب ومسلمون، يشرحون حقيقة القرآن، والمبادئ التي دعا اليها، ومواقف الرسول صلى الله عليه وسلم من قضايا حقوق الانسان، ومن اصحاب الكتاب، ومعاهداته مع اليهود، والمبادئ التي أرساها في التعامل مع الأسرى بل ومع الملكيات الخاصة أثناء الحرب، وغير ذلك الكثير مما يحيط به أهل العلم، خاصة وأنه لم يكن غائبا عن المهتمين، والمختصين، تلك الحملات المنظمة والمستمرة طوال السنوات الأربع الأخيرة في الولاياتالمتحدة، تسيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والى الاسلام كدين، والتي يقودها المتعصبون، ممن ينتمون إلى ما يسمى ائتلاف اليمين المسيحي. ولقد شهد الغرب نشاطا لمؤسسات حاولت أن تشرح لشعوبها الدوافع وراء هذه الحملات، وان الارهاب والتطرف والتعصب هي سلوك يحرمه الاسلام كدين، مثل المركز الإسلامي بجامعة اوكسفورد والذي نظم مؤتمرات لهذا الغرض في بريطانيا ودول أوروبية أخرى، وتولى تنظيم هذا النشاط الدكتور فرحان نظامي، والدكتور زكي بدوي. ومثل مركز التفاهم المسيحي الإسلامي التابع لجامعة جورج تاون بالولاياتالمتحدة، والذي يديره البروفيسور الأمريكي جون إسبوزيتو، الذي عرف بتعمقه في الفقه الاسلامي، بالإضافة الى عشرات الكنائس الأمريكية التي تصدر من حين لآخر، أوراقا وبيانات، تتصدى فيها لموجات إثارة الكراهية ضد المسلمين. هذا صحيح.. لكن هل تترك لغيرك ان يدير معركتك، مكتفيا بالجلوس في مقعد المتفرجين مشجعا؟ وماذا فعلت دول الجماهير الغاضبة، في مواجهة تيار منظم يتحرك كالاعصار، وهل بحثت، ودرست، وخططت، وقررت تنظيم بعثات عربية اسلامية من علمائها الذين يملكون من العلم ما يسمح لهم بمخاطبة الشعوب في الغرب؟ وهل أقامت جسور اتصال منظمة مع هذه المؤسسات المهتمة بحقيقة الأمر في الغرب، في تعاون يتصدى لموجات تشويه صورة الاسلام والاساءة إليه؟ وهل كانت لديها استجابة للظاهرة التي شاعت في الولاياتالمتحدة خاصة عقب احداث الحادي عشر من سبتمبر، في شكل رغبة جارفة للمعرفة عن الاسلام، والتي جاءت الاستجابة الفورية لها من الجماعات المعادية للعرب والمسلمين، والتي كثفت من نشاطها، ومن انتاجها للكتب التي ملأت أرفف المكتبات، تتحدث عن الاسلام، ويقرأها جمهور أراد ان يعرف؟ وكان قد تم لنا لقاء في المجلس المصري للشؤون الخارجية حضره الاستاذان فرحان نظامي وزكي بدوي، بعد لقاءات عقداها في مصر. وأذكر شرحهما لتجربة مخاطبة المركز الإسلامي في اكسفورد للرأي العام الغربي في أوروبا، ودعوتهما لادارة هذه العملية بشكل منظم، بمساندة الدول العربية، وتضم الى جانب علماء الدين، علماء في مختلف التخصصات من السياسة والاقتصاد الى الثقافة والفنون والعمارة، وكل شيء في تحرك يحمل خطابا حضاريا يمكنه تغيير الصورة المغلوطة عن الإسلام. فهل نفعل؟ دار الخليج الامارتية