الصراعات التي تدار في مختلف مناطق الوطن العربي تندرج ضمن سيناريوهات متعددة، تستهدف في حصيلتها الكلية تفكيك العالم العربي الذي ظلت هواجس تجزئته في أروقة الإدارة الأمريكية والصهيونية، وهي الأشد خطورة في نتائجها السوداوية في حاضر ومستقبل الشعوب العربية إذا ما جرفه سيل هذه المؤامرات في الرضوخ والانبطاح والاستسلام إلى مشروع إعادة تقسيمه وفق خريطة شرق أوسطية جديدة إلى «كانتونات» وكيانات عرقية وسلالية ومذهبية وطائفية، في نتائج ومحصلة الحروب، يقابل ذلك سيناريوهات، تراوحت بين إعادة تدوير الأنظمة العربية المأزومة لتمارس دورها السياسي في تكريس الفساد، وإبقاء عوامل التخلف والاستبداد السياسي مع ظهور موجات العنف لتهديد أمنها واستقرارها الداخلي. الأحداث الكارثية الجارية- منذ سبع سنوات خلت- يستطيع المرء قراءة تجلياتها في هذا الصراع، واستجلاء حقائقها الوخيمة الأشد كارثية على أمن واستقرار المنطقة المهددة لكل كياناتها. أضحت الحرب في منطق الادارة الأمريكية والدوائر الغربية معاً المعسكرة في قلب دول الخليج العربي، ضرورة لا بد منها لتنفيذ مشاريع التمزيق على ضوء الأجندات المرسومة في إشعال الحرائق، وفي إدارة أحداثها في مناطق بؤرها الساخنة (سوريا، ليبيا، اليمن) أو في تلك التي خرجت بتوافقات سياسية، أو مرت على الانتخابات الشكلية، وهذا لا يعني أنها في منأى عن دوامة الصراع، ولا في حالة الاستثناء، وإن استجابت لمعطيات وشروط معادلة التدوير. حقائق مضللة التدخل الأمريكي في المنطقة العربية، كما هو في مناطق مختلفة من العالم يمكن فهمه ببساطة دون عناء في التفكير هو ما يتصل بموضوع النفط أولاً وأخيراً، ومن ثم ترتيب النخب في هياكل الأنظمة السياسية. أما مسألة توظيف الترويج في الدعاية المكثفة التي تسوقها «الماكنات» الإعلامية الأمريكية- الغربية والخليجية تحت يافطة الحروب الدينية المقدسة بين السنة والشيعة فهو من قبيل قلب الحقائق المضللة لطبيعة وأسباب ودوافع الحرب التي تقودها مستعمرات الغرب ضد اليمن بغية تحقيق مشاريعها الخاصة في الأوراق التي تناور بها. مسار ووقائع الحرب كشفت بما يكفي من استجلاء حقائقها المنظورة في طبيعة القوى التي تتخندق خلفها، التي حشدت لها أكبر مراكز الرأسمال العالمي في القوة المالية والسياسية والاقتصادية، كما حشدت لها أحدث تكنولوجيا الأسلحة العسكرية في تحالف مكتمل الأركان، لضرب اليمن وتدمير مقدراته وبنيته التحتية ومؤسساته الحيوية، في حرب لم يشهد التاريخ المعاصر والحديث مثيلا لها في ضراوتها وعنفها وشدتها وقسوتها. هذا التحالف الذي تقوده أسرة آل سعود بحقدها الأعمى على اليمن، تكون قد انجرفت في مستنقع لن تخرج منه بماء الوجه قبل أن تدفع ثمن هذه المغامرة التي خرجت عن حساباتها وتقديراتها الخاطئة، فإن فاتورة الحرب مرتفعة سيكلفها استنزاف كل مواردها ومخزونها من ثرواتها النفطية والمالية والنقدية التي انعكست بتأثيراتها السلبية المباشرة في إنتاج الأزمات الداخلية، وسوف تتزايد على كل مفاصل اقتصادياتها كلما أمتدت هذه الحرب، لتتعمق الأزمة أكثر في سوق العمل التي بدأت بالإجراءات الفعلية في مواجهة الأزمة بطرد المغتربين من مختلف الجنسيات، ومن بينهم اليمنيون بصورة تعسفية في ردود أفعال هستيرية، وكل ذلك مقابل الحصول على التأييد والدعم السياسي واللوجستي وغيرها في شرعنة عدوانها على اليمن . حرب انتقامية ممنهجة الحرب ضد اليمن تعد في جوهرها ظاهرة انتقامية ممنهجة في دوافعها وأسبابها وأساليبها ووسائلها وطبيعة أهدافها ومضامينها، وهي تندرج ضمن إستراتيجية الحروب الاقتصادية طويلة الأمد أو ما يعرف ب(حروب الاستنزاف) أو ما يطلق عليها حديثا بمصطلح (الحروب الجديدة (التي تحمل أجندات قوى العدوان المتحالفة فيها بشكل مباشر، في تنفيذ الأجندات المتداخلة في سياق سيناريوهات الحرب التي يبحث كلٌ منها عن مصالحه الخاصة في حصيلة ونتائج الحرب. رعاة الحرب يبحثون عن نصيب الأسد من الموارد الطبيعية في قلب الأحداث، وفي المناطق الملتهبة عينها، أو تلك التي تم السيطرة عليها، وهذا يعني أن النفط والغاز والمعادن في اليمن، هي العامل الذي يجعل اليمن بهذا القدر أو ذاك من الأهمية، ويجعلها ثمينة إلى هذا الحد الذي قد لا يصدقه كل عابر سبيل لا يدري ما تحت أقدامه من ثروات شعب وأمة يراد عنوة سلبها بفجاجة هذا التدخل السافر الأكثر حماقة وبشاعة في سلوك هذا العدوان الذي تجاوز كل الأعراف والقوانين الدولية في انتهاك السيادة الوطنية للبلد. البحث عن الثروات الطبيعية بدأ بصورة فعلية منذ أواسط ثلاثينات القرن الماضي عندما بدأت الشركات النفطية في الأعمال الاستكشافية عن النفط والمسوحات والحفر والتنقيب التي شملت معظم جغرافية اليمن، حينها لم تفصح الشركات الأجنبية عن نتائج أعمالها، كانت معظم حصيلة أعمالها تبرر بأنها لم تحقق الغايات المرجوة في الكميات التجارية، وتبين فيما بعد أن تلك التقارير عن أعمال التنقيب ظلت طي الكتمان، إلا أن استخراج النفط كان قد بدأ فعليا في أواسط الثمانينات من القرن الماضي. اليمن بلد حباه الله بموقعاً جغرافياً لا يضاهى، فهو يقع في ركن الجزيرة العربية وركن القارة الآسيوية، ويطل على البحار والمحيطات والخلجان والجزر والمضايق والموانئ، هذه المكانة الإستراتيجية المتميزة والفريدة جعلته الأهم بين قائمة البلدان في الجزيرة العربية، وفي جغرافيته احتياطات النفط والغاز والمعادن، وهو ما يجعلنا نفسر شراسة وهمجية هذه الحرب في سلب ونهب ثرواته والاستيلاء على منافذه، التي كشفت عنها بصورة جلية مسارح هذه المعارك في امتدادها واللاعبون الرئيسيون فيها، باعتبار النفط حاجة كمصدر للطاقة يهم أمريكا وأوروبا واليابان. تدخل القوى الدولية والإقليمية تفسره طبيعة هذه الحرب واستهدافها مناطق الثروات النفطية والغازية والمناطق ذات الأنشطة الاقتصادية الحيوية والمنافذ والموانئ البحرية والجوية والجزر وغيرها. السيطرة على الثروة النفطية والغازية العدوان ركز في أهدافه الاستراتيجية أولاً: في السيطرة على مناطق الثروة النفطية والغازية، وطرق الملاحة البحرية واستهداف الموانئ والجزر التي تهم حلفاء الحرب (أمريكا والغرب) على وجه التحديد، ومن هنا يأتي الدور الأمريكي الأبرز في إظهار قوة فريدة يؤمن لها رافعة هائلة في مفاوضتها أمام الحلفاء حول أمن ومصالح أمريكا في الامتداد الجغرافي أو ما يطلق عليه بمصطلح الأمن القومي الأمريكي، الذي يتقاطع مع الامتداد التجاري إلى أوروبا الشرقية واليابان ناهيك عن أسواقها الخارجية في بقية مناطق العالم، في استثمار مناخات الصراع باعتبارها أسواقا حية تتنافس عليها شركات الاسلحة في بيع صفقاتها بسرعة مذهلة. نفقات الحرب ضد اليمن بالتأكيد تؤمنها دول الخليج وعلى وجه الخصوص منها السعودية والإمارات العربية اللتان تتكفلان بتمويلها، وتغذية استمرارها ورفد الخزينة الأمريكية بجزء كبير من هذه الأموال في مواجهة أعباء الاقتصاد الأمريكي من العجوزات القياسية في الميزانية، وفي حجم القروض والنفقات، وكان الرئيس الأمريكي في خطوته الأولى قد دشن بداية فترته برفد الخزينة الأمريكية من أموال الخليج بما يقدر ب450 مليار دولار تحت مبرر مكافحة الإرهاب، تلك كانت أولى الخطوات في مواجهة الاختلالات في إدارة الرئيس ترامب أمام المستحقات التي تتطلب إنفاقا يمتد ويتسع في مواجهة الركود الاقتصادي الذي بدأت مؤشراته وسط تقارير يومية حول المصاعب الجديدة في النظام المالي، واستعادة شكوك رجال الأعمال في ثقل معركة الميزانية التي خسرتها إدارة أوباما. إدارة ترامب كانت على يقين من إسهامات حلفائهم في دول الخليج كمصدر وحيد لتمويل الحرب وهم المعنيون بتحمل دفع الفاتورة المالية التي تعود أسبابها في مكافحة الإرهاب دون معرفة من يجني مكاسب نفقاتها. لقد شهدت منطقة الخليج منذ بداية العدوان على اليمن في مارس 2015م أسرع تعبئة سياسية واقتصادية ومالية وعسكرية في حشد تحالف دولي كبير بإمكانات مهولة في حجم هذه القوات لتصل إلى مستوى الفعل العسكري الهجومي ضد اليمن، وعلى شفير هذا الهجوم المباغت وغير المعلن دون قرار من مجلس الأمن الدولي يعد ذلك مخجلا في تاريخ مجلس الأمن الدولي في هذه الهيئة الدولية التي تسمح بعمل عسكري على هذا المستوى من الاستعدادات الكبيرة لضرب اليمن، وتقف الولاياتالمتحدةالأمريكية كأحد أطرافه دون اتخاذ موقف صارم من قبل مجلس الأمن لإيقاف العمل العسكري الذي تشنه دول تحالف العدوان بقيادة السعودية. هذه الحرب مدانة من قبل مجتمعنا ونخبه السياسية، ويراها تدخلا سافرا في شؤونه الداخلية انتهاكاً لسيادته الوطنية، وفيها اجحاف وظلم ويمثل الحصار الاقتصادي الشامل إجراء غير انساني، في إجبار شعب بكامله على الاستسلام بوسيلة التجويع وفرض الحصار الاقتصادي براً وبحراً وجواً. معاناة الشعب الحصار الاقتصادي لا يؤثر على القوات العسكرية، لكنه يتسبب في معاناة ملايين السكان المدنيين الذين يتضورون جوعاً، بسبب حرمانهم من مصادر عيشهم، وتشريدهم ونزوحهم من المناطق المستهدفة ومناطق الاشتباكات، هذا بالإضافة إلى موجات الغلاء المتصاعد في أسعار المواد الغذائية والمشتقات النفطية، وانعدام الأدوية ومعالجة الحالات المرضية المزمنة، تلك وغيرها ضاعفت وعمقت من حجم المأساة، في ظل الحصار الجائر ومخاطر تفشي الأمراض والأوبئة البيئية التي لا تفي بحجم تلك المساعدات الغذائية والدوائية التي تقدمها المنظمات الإنسانية في مواجهة تلك المخاطر المجتمعية المهددة لحياة اليمنيين في نتائجها الكارثية، وفي مشاهد الموت لأفراد المجتمع، ناهيك عن حجم الجرائم والانتهاكات الإنسانية، وتهديد السلم المجتمعي، ونشر عوامل الفوضى، والارهاب والتطرف، وزعزعة السكينة العامة في المحافظات الجنوبية والشرقية المحتلة, ويمكن للمرء أن يرى بوضوح كيف يتحدث المعتدين الطغاة بقيادة امريكا عن حقوق الإنسان من جهة، وكيف يطبقون أساليب بغيضة ووحشية وكريهة وقاسية ضد الانسانية بشكل يصعب تصديقه. السلام هو الحل في وقف هذه الحرب الظالمة الطاغية الاجرامية التي جرّت اليمن إلى منزلقات خطيرة وآن لها أن تتوقف، وأن تعود، الأطراف اليمنية إلى الحوار، كما أن بمقدور الأممالمتحدة تقديم صياغات إيجابية تساعد في الحل السياسي الذي يخدم سيادة ووحدة واستقلال اليمن ومصالح شعبه الصامد العظيم، وليس في تعقيد الافتراضات والأحكام الجاهزة غير المنطقية في استحالة التوافقات، والتهويل من حجم التعقيدات، كل ذلك سيبدو ممكناً إذا تخلت القوى العدوانية الاستعمارية الدولية ذاتها عن مشاريعها التدميرية التمزيقية في اليمن.