في أزقة مدينة لودر التابعة لمحافظة أبين كان هناك فتى يشعل مباريات كرة القدم التي تقام في ملاعبها الترابية بفنياته ولمساته الساحرة, يلعب حافي القدمين لا يخشى الأحجار والشوك فقط كل همه التسجيل والذهاب إلى الجماهير الواقفة لكي يلفت انتباههم بأن من يتحدث عن الناس هو أنا, كان أخوه الأكبر معجبا بما يقدمه وكان مؤمناً بالموهبة التي يمتلكها هذا الصغير, قرر أن يشتري له أدوات رياضية يتطور أكثر وتصبح فعاليته أكثر أمام المرمى, أول قميص رياضي ارتداه كان يحمل الرقم9, وهذا الرقم كان له دلالة عائلية لا يعرفها إلا أخيه الأكبر على الذي وضح أن ترتيبه التاسع بين أشقائه سبب ارتداء أخيه الصغير هذا الرقم! الانتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى يتطلب المزيد من الشجاع وقليلا من الإصرار والصبر وخصوصا اذا كان الأمر يتطلب الانضباط, في كرة القدم يعني ذلك ان تتحول من لاعب هاوي إلى لاعب محترف, صديقنا ابن لودر النجم عمر البارك انتقل من لاعب حارات إلى لاعب نادي ملتزم بكل تمارينه وحصصه التدريبية الشاقة, نادي فحمان مرحلة ثانية في من تاريخه كان نجم الفريق بلا منازع, ربما كانت حياة نجمنا الكبير وسلطان الكرة عبارة عن مجموعة محطات او مراحل, فبعد نادي خنفر انتقل إلى الجيش كموظف وينضم إلى نادي الجيش لاعب كرة قدم أذاق الوحدة والتلال مرارة الخسائر, حتى لفت انتباه الفريقين وبدأ السباق للفوز بخدماته, كان للتلال هو الأقرب لقلب البارك, انتقل إلى العميد «التلال» ومن هنا كانت الانطلاقة الأهم في مسيرة سلطان الكرة اليمنية! في تاريخك قبل التلال كنت النجم الأول والمنقذ الوحيد للفرق التي لعبت بها, وفي التلال وجدت الكثير من الملهمين والعباقرة وبعض من كنت تراهم قدوة لك, مثل أن ترى نفسك أسدا تحكم في غابتك وانتقلت إلى غابة كل من فيها اسود, في البداية كان تأثير النجوم كبير وطاغي, ومع مرور الوقت زاح هذا الخجل وما كنت تعانيه من نجوم التلال, فعندما يتعلق الأمر بالبارك كل الحواجز والعوائق تنجلي بقدميه الذهبيتين, أصبح أحد النجوم الذين لا يتخلى عنهم أي مدرب في خرائط وتشكيلات التلال, من عام 88م إلى عام 2000م كان البارك عنواناً بارزاً لكل مباريات العميد, كان أنشودة الجماهير وفخرها الذي تفتخر فيه, عندما يرى شباك المرمى من نصف الملعب يسدد دون تراجع, وعند تكتل دفاع الخصم وعدم مقدرته على التسديد كان يضع كرات بلمسات سحرية للمهاجمين الذين يجدون أنفسهم امام مرمى الخصوم من تمريرات السلطان عمر البارك! ظل ملعب الحبيشي منبراً للمبدعين ومساحة حرة لصناع السعادة من طينة شرف محفوظ ووجدان شاذلي وصلاح سيف الدين وقبلهم الماس والأحمدي ونبيل سعدان وغيرهم من نجوم ذلك الجيل المبدع, عندما كان يدخل عمر هذا الملعب كانت القشعريرة تغزو جسده, فكل أحاسيسه ومشاعره تتحول إلى طاقة إيجابية بعد أن يسمع الجمهور ينادي باسمه, كان مؤمناً بإمكانيته في أن يتراقص طرباً مع معشوقة الجماهير, هو قادر على تحويل الكرة الميتة إلى هدف قاتل في الثواني الأخيرة, هو قادر أيضاً على جعل الجماهير أن تبتسم في أوقات كادت أن تفقد الأمل بعد تمريره وضعها بقدمه لشرف محفوظ، عمر البارك كان عنواناً مهماً في تاريخ كرة القدم اليمنية، كان السلطان الذي تسير في دربه الساحرة المستديرة وهو فقط من وضع لها أساسيات لا تميل أو تنحرف وتمشي بأمر السلطان!. السلطان قرر أن يحكم قلوب جماهير نادٍ آخر غير التلال، صنعاءالمدينة التي أسرها وعشقه سكانها، النادي الأحمر كبير مدينة سام وعميدها، حقق انجازات مع الأهلي لم يحققها في عدن وخلال فترة وجيزة، بسط سلطته بسهولة وانسيابية مثيرة للدهشة، ربما لم تستغرب بعض الجماهير التي تعرف السلطان.. ولكن الأغلبية رأت في ذلك إعجازا، وفي حقيقة الأمر يعتبر إعجازا وانجازا ما قدمه مع أهلي صنعاء، أن تذهب الى فريق في القمة ومدجج بالنجوم وانت في اخر سنوات عمرك الرياضي وتثبت احقيتك باللعب والمنافسة مع شباب على مركزك في أرض الميدان، عمر البارك ظل كما هو نجماً من نجوم كرة القدم اليمنية حتى اعتزاله، ظل بطلا قوميا متوجا بالهداف التاريخي للمنتخب، ثلاثين هدفا بشعار الوطن لم يسبقه احد الى ذلك ولم يستطع اي لاعب من الأجيال المتعاقبة تجاوزه، لذلك للسلطان حالة خاصة وفريدة في قلوب الجماهير اليمنية بكل أطيافها خارطة كرة القدم المحلية والدولية!.