من يتابع ما يجري في السودان الشقيق من احتجاجات تواجه بقمع السلطات لاشك انه سيكتشف خلفيات الخطيئة الكبرى لحركة الاخوان المسلمين عندما انتهجت مبدأ التُقية مع انها كانت تنتقد هذا السلوك وتوظفه كأفتك السهام للإضرار بالآخرين ، والانتقاص من مكوناتهم الاعتقادية مع ذلك اجازت الارتهان اليه وممارسته قولاً وفعلاً منذ انبثاق الحركة وخروجها الى واقع العمل السياسي السري ،ولم يتوقف امر هذا التوجه على مداهنة واسناد حكام الظلم والجور وشيطنة الواقع السياسي في المحيط العربي والاسلامي، لكن الحركة لكي تصل الى اهم اهدافها الاساسية ممثلة في الاستئثار بسدة الحكم في عدد من الدول العربية والإسلامية والتمهيد لإقامة دولة الخلافة الاسلامية ارتضت بالانتقال الى مرحلة الانسحاق النفسي عندما جعلت منهج التُقية وسيلة للتخاطب والحوار مع دول أجنبية كبرى وتحولت إلى مخلب قط للمخابرات الامريكية والبريطانية ومخابرات اوروبية اخرى ،لتبعد عن نفسها تهمة الارهاب وتمكن تلك الدول من تقليم أظافر القوى السياسية الاخرى ، لتستفيد من بقية انظمة الحكم في الدول العربية والإسلامية لقمع نفس القوى وفرض قوة حضورها من خلال إدعاء التفرد بتمثيل الاسلام وحصرية الدفاع عنه مقابل قذف القوى السياسية الاخرى بالكفر والإلحاد وأتباع المذاهب الاسلامية بالنفاق والردة ، وهذا بالفعل ما حدث في السودان فلقد انقلب الإخوان على أول حكومة تم انتخابها على أسس ديمقراطية حجمت دور الحركة وحضورها ، وسقط في الانتخابات زعيم الحركة في السودان آنذاك الدكتور حسن الترابي ، فلم تجد سوى وسيلة الانقلاب العسكري كخيار وحيد يعيد مكانتها وبالفعل اوكلت الى الجناح العسكري بقيادة البشير مهمة الانقلاب ، وبعد نجاحه في المهمة اجمعت امتدادات الحركة في كل الدول على تمجيد ما حدث ونعت قائد الانقلاب بصفات ما انزل الله بها من سلطان بما في ذلك الحديث عن خوارق إلهية وشعارات زائفة ،ومع ان البشير تمرد على الزعيم الروحي الترابي إلا ان قيادات الحركة ظلت داعمة للبشير وتخلت تماماً عن احد مراجع الحركة ، فصدق على الترابي قول الرسول الاعظم صلى الله عليه وعلى اله وسلم (من أعان ظالماً اُغري به ) واصبح البشير رجل الاصلاح بما هو عليه من فساد وعدم مصداقية، ومع أن الحركة شجعت رجال الاعمال التابعين لها بالاستثمار في السودان لدعم سلطة الحكم اقتصاديا ، إلا ان العملية اقتصرت على استثمارات هزيلة تحولت الى عبء كبير على الاقتصاد السوداني مما جعل الكابوس يتفاقم وشبح الجوع يزداد حدة والأوضاع المأساوية تكدر حياة السودانيين وتقض مضاجعهم ، والنظام مستمر في الغي وتسويق الوعود الزائفة تارة والإمعان في تجاهل التدهور المستمر في أوضاع الناس تارة أخرى ، بل والاسهام في تفاقم الأوضاع من خلال استشراء الفساد والعبث في انفاق موارد الدولة لشراء الضمائر وامتلاك القدرة لإدارة انتخابات شكلية تضمن للرجل البقاء في السلطة فحتى الأموال التي استلمها من السعودية وبعض دول الخليج ثمناً لآلاف المقاتلين السودانيين الذين باعهم بثمن بخس وزج بهم في حروب لأناقة لهم فيها ولا جمل. هذه الاموال التي كان قد وعد بأنه سينفقها للارتقاء بمستوى معيشة المواطن بددها في إحكام قبضته على الداخل وشراء مؤسسات دولية ضاغطة تخلصه من تعقب محكمة الجنايات الدولية وتجمد الحكم الذي اصدرته ضده ، أي أن الشعب لم يلحظ أي شئ كلما راءه التوابيت التي تحتوي جثامين الجنود القادمة من اليمن ، ناهيك عن المئات الذين تحللت اجسامهم في صحراء ميدي والساحل الغربي بفعل إهمال قوات المرتزقة لجثامينهم وتركها طعاماً للوحوش المفترسة ، أي ان الرئيس البشير حنث بما وعد به ومازال يصر على الزج بالمئات من أبناء السودان الشقيق إلى محارق الموت لتحقيق عدة مكاسب ذاتية منها : التخلص من الجنود غير الموالين للنظام . الحصول على المزيد من الاموال من دول الخليج وضمان استمرار إسناد هذه الدول وأخرى أوروبية له في المحافل الدولية . أي ان الغايات والمقاصد كلها ذاتية لا يستفيد منها السودانيون بشيء.. في هذه الاجواء الانتهازية ضاق الشعب بالوعود وخرج الى الشارع ورفع سقف المطالب بالتدرج بدأت بالهموم الذاتية وانتهت بالمطالبة باسقاط الرئيس وكانت المفاجأة ان البشير خرج ليخاطب المحتجين بنفس الخطاب الانتهازي والثقافة المتأصلة لدى حركة الاخوان المسلمين فأتهم المحتجين بالعمالة والخيانة ، منوهاً الى وجود مؤامرة دولية واقليمية تستهدف السودان لأنه متمسك بالإسلام وقيم العروبة ، هذه الاسطوانه المشروخة والمملة جعلت السودانيين يتلقونها بالسخرية ووصلت افياء السخرية والاستهانة بالرجل الى كل عربي ومسلم كون هذه الثقافة المريضة هي التي وضعت الشباك حول كل شيء عربي وإسلامي وربطته بأ فكار لا تمت إلى العروبة والاسلام بأي صلة وهذا يجعلنا نسأل الاخوان المسلمين هل يمكنكم الاستفادة من هذه الاخطاء الفاحشة ومراجعة النفس ؟! هذا هوالمطلوب من كل من له عقل او تفكير سليم . والله من وراء القصد ..